داخل أسوار مخيم الهول.. نساء وأطفال في مهب التطرف والكراهية
نورهان علاء
ونحن منشغلون بالصراع السياسي واجواء انتهاء مهام حكومة وتشكيل حكومة جديدة، واخبار التصريحات وحل او بقاء البرلمان، لم ينتبه اغلب المعنيين بالشأن السياسي والشؤون العامة العراقية الى الكارثة الأمنية القادمة التي تبعد 13 كم عن حدودنا مع سوريا، معسكر دواعش المستقبل او القنبلة الموقوتة او عش الدبابير المرعب الذي يتعاظم خطره يوم بعد آخر، فهو العش الذي تفقس فيه بيوض الجيل الجديد من تنظيم داعش الإرهابي المشبع بالكراهية والاباطيل الدينية والرغبة بقتلنا وتخريب حياتنا وصناعة مأساة جديدة تعيد الى الاذهان ما حصل في الموصل والانبار وصلاح الدين وربما اشد صعوبة وقسوة.
عشر الدبابير هذا او القنبلة الموقوتة حسب وصف ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جنين بلاسخارت هو مخيم الهول الذي يقع في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، قرب الحدود السورية العراقية، في مناطق خارج سيطرة الحكومة السورية حيث تسيطر عليها قوات سوريا الديموقراطية "قسد".
ويضم مخيم الهول نحو 56 ألفاً، أغلبهم من النساء والأطفال، حوالي تسعين بالمئة منهم ويشكل العراقيون النسبة الأكبر، وحسب إحصاءات إدارة المخيم، التي تؤكدها وزارة الهجرة والمهجرين ان عدد العراقيين في المخيم يبلغ 30 ألفاً بينهم 20 ألف طفل أعمارهم دون 15 سنة، وبعضهم ولد على الأراضي السورية لا يمتلكون ثبوتيات أو وثائق وبيانات شخصية.
وهذا يعني ان أكثر من نصف سكان المخيم من العراقيين وغالبيتهم من النساء والأطفال، فمن جاء بالنساء الى المخيم وماذا يفعلن هناك؟ وماهي جوانب الخطورة في وجود هذا العدد الكبير من النساء داخل مخيم يفترض انه لتجميع اللاجئين لكنه تحول الى شيء مختلف؟
ارهابيات داخل اسوار المخيم
قبل كل شيء لابد ان نعلم ان النسبة الأكبر من نساء مخيم الهول هن من زوجات عناصر "داعش" والذي جاء بهن الى المخيم هو تم تجميع أغلبهن بعد هزيمة التنظيم في العراق وسوريا لسبب أمني وانساني بنفس الوقت لكن لا احد كان يتمكن من توقع ما سيحدث، فقد تحول مخيم النزوح الى مركز متعدد الجنسيات لتأهيل دواعش المستقبل، فكل أسباب التطرف موجودة مع غياب المعالجات الجدية وتقاعس الدول الغربية والمسالة مسالة وقت لا اكثر.
تقول زميلة جامعة هارفارد فيرا ميرونوفا استنادا الى مقابلات أجرتها مع نساء يتحدثن الروسية والصربية الكرواتية والإنجليزية في المخيم، ان 30 بالمئة من النساء في الهول على ايمان مطلق بالأفكار الداعشية بما فيها ايمانهن ان "أبو بكر البغدادي هو زعيم ديني وخليفة شرعي للمسلمين".
وتكشف ميرونوفا ان النساء الداعشيات في المخيم يقمن بتنظيم حملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لجمع الأموال والقيام بأنشطة عنيفة داخل المخيم إضافة الى تنفيذ عمليات إرهابية مخطط لها من قبلهن او من قبل دواعش خارج المخيم.
جرائم وتعاليم داعشية مشددة
يخطئ من يتصور ان الوضع في مخيم الهول اشبه بمركز الاحتجاز انما هو امر مختلف تماما فداخل اسوار هذا المخيم تحصل الجرائم والانتهاكات والعمليات الإرهابية واليد الطولى فيه للداعشيات فقد شكّلن وحدات الحسبة أو "الشرطة الدينية، وهذه الوحدات تقوم بالإشراف على تطبيق الشريعة الدينية وفرض ارتداء النقاب ومنع التدخين والرقص والاستماع إلى الموسيقى وكذلك منع ارتداء أي ملابس على النمط الغربي مثل السراويل والجنزات وغيرها وكذلك منع استخدام النظارات الشمسية من قبل النساء.
ومن تخالف تعليمات وحدات الحسبة تتعرض الى أقسى العقوبات فالأمر لا يتم من خلال تقديم النصيحة او التوجيه الديني التقليدي والادانة، انما حين تشتبه وحدات الحسبة باي سلوك مخالف لتعليماتها بما فيها الافكار المتعارضة مع فكر التنظيم الإرهابي، او السعي الى نشر أفكار سلبية عن التنظيم، يتم على الفور فرض عقوبات قاسية تشمل الجلد والتعذيب والحرمان من الطعام وحرق الخيم والقتل.
وقد ارتكبت في مخيم الهول عشرات جرائم القتل من بينها عمليات لقطع الرؤوس، إضافة الى ذلك فقد شهد المخيم (728) محاولة هروب منذ آذار 2020 أخرها إحباط تهريب شاحنة تنقل (39) طفلاً و (17) امرأة من (56) عائلة من عائلات داعش، وفي 5 آب 2022 تم اكتشاف شبكة من الخنادق والأنفاق أسفل المخيم يستخدمها الدواعش مع خلاياه النائمة داخل المخيم في تهريب الأشخاص وتنفيذ عمليات القتل ومحاولات الاغتيال.
وتقوم النساء الداعشيات في مخيم الهول بعدة أنشطة لدعم الإرهاب في مقدمتها جمع الأموال لأنشطة مرتبطة بالتنظيم، فقد شاركت النساء المواليات للتنظيم في حملات ترويجية تهدف إلى جمع الأموال والتبرعات من خارج المخيمات وأفادت الأجهزة الاستخبارية الأمريكية في 14 شباط 2021 أنه "غالبًا ما يقوم وسطاء في تركيا بتهريب الأموال إلى سوريا من خلال أنظمة تحويل الأموال الموجودة في المخيمات"، ولم يقتصر الامر على قضية التمويل الى قضايا عقائدية اذ تقوم نساء داعش في المخيم بترويج العقيدة الإرهابية داخل وخارج المخيم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي عبر حسابات بأسماء مستعارة.
ومن جانب اخر تنفذ المهاجرات حملات مماثلة لنشر التطرف والتجنيد داخل المخيم من خلال تعليم الأطفال والمراهقين الأفكار الجهادية المتطرفة، كذلك، صدرت تقارير بأن المهاجرات ترغمن مراهقين تتراوح أعمارهم "بين 13 و16 سنة" على الزواج من فتيات ونساء "داعش" بهدف إنجاب المزيد من الأطفال الموالين للتنظيم.
أطفال بلا آباء ولا جنسية
لا يمر يوم الا وتدق جماعات حقوق الإنسان ناقوس الخطر بشأن مخاطر ترك الأطفال المحتجزين من أعضاء داعش يقبعون في الصحراء، فالظروف الصعبة كفيلة بدفعهم للتمسك بالنهج الإرهابي القائم على ادمان العنف والنظرة السلبية المعادلة لكل المجتمعات، ويعيش نحو 28 ألف طفل في المخيم من دون تعليم أو رعاية صحية، يتناساهم عمليًا المجتمع الدولي. وفي غياب أي تعليم رسمي، بينهم أطفال لأمهات داعشيات فبحسب "منظمة أنقذوا الأطفال" الدولية، هناك نحو 7300 طفل في المخيم تحت وصاية امهاتهم المرتبطات بداعش اللواتي يقمن بتعليمهم الأفكار الداعشية ودفعهم الى الانتقام لآبائهم الذين قتلوا في الحرب على الإرهاب، وحذرت مديرة مكتب الاستجابة لدى منظمة "أنقذوا الطفولة" في سوريا، سونيا كوش، من أنه "كلما طالت مدة بقاء الأطفال في الهول، كلما ازدادت المخاطر التي يواجهونها.
وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" إنه بينما يعود معظم الأطفال في مخيم الهول لأمهات عراقيات أو سوريات، فإن الآلاف منهم يأتون من أمهات يتوزعن على 51 دولة أخرى، منها دول أوروبية لم تقبل بإعادتهم حتى الآن، وهذا الامر دعا منظمة اليونسيف الى مناشدة السلطات المحلية في شمال شرق سوريا و الدول المعنية في 28 شباط 2021 الى فعل كل ما يمكن من أجل اعادة الأطفال الموجودين في المخيم الى بيوتهم، وإعادة دمجهم في المجتمعات المحلية وإجلاء كافة الأطفال الأجانب الى اوطانهم الأصلية بطريقة كريمة وآمنة، و طالبت المنظمة بتزويد أطفال المخيم بأوراق الأحوال المدنية من اجل تجنب ان يصبح هؤلاء الأطفال بدون جنسية.