المفردة الذكية.. الظلّ
علاء حمد
مفردة الظلّ التي ينتمي إليها الشعراء عادةً هي من المفردات الذكية واستخدامها الدائم، فهي تدخل البصر من خلال حركة الخيال التي يمتلكها الشاعر في حالة الإغفاءة الشعرية.
معنى كلمة الظلّ كما جاء في معجم معاني المعاني: عتمة تغشى مكانًا حُجِبت عنه أشعة ضوئية.
أو كما جاء في المعجم أيضًا. الظلّ الممدود: ظل أو خيال يقع على شيء مجاور للمرسوم من سقوط الضوء عليه.
والظلّ الدام: درجة التظليل التي يشيّع فيها لون المداد.
وعادةً يميل لون الظلّ إلى اللون المعتم (الأسود مثلًا ) كما يظنه الكثيرون ولكن حقيقة لون الظلّ هو اللون الأزرق والذي يُعَد من الألوان الباردة في حال استخدامه من قبل الفنان أو الشاعر:
حفنة ثلج
فلو أخذنا حفنةً من الثلج صباحًا عند شروق الشمس فسوف نلاحظ لون الظلّ يميل إلى الزرقة؛ إذًا؛ اللون الأزرق له علاقة جميلة مع لون الظلّ الأساسي في الرسم أو في التعبيرات الشعرية، وقد استخدمه الفنانون مع الألوان المائية بتلوين لون الظلّ الأساسي باللون الأزرق وفيما بعد يتم طلاؤه بلون الواجهة (الأرضية) فيحصل على لون معتم يميل إلى السواد.
وقد نُقِل عن الرسام الانطباعي رينوار قوله: ليس هناك ظل أسود. الظل دائمًا له لون. ففي الطبيعة لا يوجد غير الألوان، والأبيض والأسود ليسا لونين.
اللون الأزرق عدّه الفنانون من الألوان الباردة كما ذكرت، وله صولاته وحضوره في التعبير الشعري وكذلك في الرسومات والرموز المعتمدة. فبوابة بابل تميل إلى الزرقة، بينما أحجارها حمراء.يقول الكاتب " د. زهير صاحب " في كتاب الفنون البابلية -وهو من الكتب الواردة إلى دار الكتب والوثائق الوطنية- وجاء في الكتاب: (إن السطح الخارجي للبوابة كسته طبقة خزفية زرقاء أو لنقل لازوردية اللون إذ أثر البابليون على تفعيل الدلالة الرمزية المقدسة لهذا اللون بغية طرد الأرواح الشريرة والأخطار عن مدينتهم.
وجد الفنان البابلي بإمكانه قلب سمات العوالم الخارجية باتجاه انطباعاته الذاتية ومن هنا كانت دلالة اللون إيحائية أكثر منها مشابهةً للتجربة الخارجية وتلم تلك الفترة التي قادته نحو التبسيط في المساحات اللونية والالتحام بالتسطيح والتخلي عن التدريجات اللونية والمظاهر القصصية وصولًا إلى استقلالية اللون لتحقيق نوع من الأربيسك الذي لا تحده عقد الأشكال الجغرافية والمساحات المتاحة للرسم/ كتاب الفنون البابلية/ الدكتور زهير صاحب).
استخدم البابليون في تفسيراتهم الظلية حول ظاهرتي الخسوف والكسوف وعبر حضارات مصر القديمة واليونان أيضًا مصطلح أرض الظلال للإشارة إلى العالم الآخر الذي ينتقل إليه الموتى. إذن؛ للظل استخدامات كثيرة، وليس من العبث يستخدمه الأديب أو الشاعر في نتاجه المادي والاتكاء على هذه المفردة الذكية والتي تُعَد من المفردات المهمّة في اللغة الشعرية والتي أساسها اللغة العربية.إن القبّة السماوية تميل إلى الزرقة، وتنعكس هذه الزرقة من خلال الظل إلى المياه ومنها مياه البحر الشاسعة مثلًا، تستقبل هذه المياه زرقة السماء وذلك لصفاء لون المياه أولًا والمساحات الواسعة التي تكسوها مياه البحر ثانيًا، ويكون تأثير الشمس في هذه المساحات تأثيرات مباشرة فهي التي تنحجب عن الأشياء لتكوين الظل.
كواكب سماوية
مصدر الظل عادةً يأتينا من ثلاثة كواكب سماوية يسعها أن تشكل ظلالًا على الأرض. وهذه الكواكب هي الشمس والقمر وكوكب الزهرة. وإذا كانت الظلال التي يشكلها كل من الشمس والقمر لتكوين مشاهد بارزة للآخرين، فإن وصول ضوء الزهرة إلى الأرض بشكل يسمح بتكوين ظلال للأجسام التي يقع عليها. يمثل حقيقةً علميةً مفاجئةً للكثيرين.
يُسْتَخدم الظل في المسرح أيضًا عند تسليط الأضواء على الممثل، فله فنيته والتحكم به من خلال الضوء الساقط على خشبة المسرح، وكذلك للظل دور هام في عملية التصوير الفوتوغرافي، وكيفية التحكم به من خلال الضوء الساقط على الأجسام في حالة التصوير وفنية الصورة، ونلاحظ ذلك خصوصًا في الصور الفوتوغرافية التي تعني باللونين الأسود والأبيض.
والظل له ظاهرته الطبيعية، فليس هناك قواعد ثابتة في حالة انعكاس الظل على الأشياء، فالظل محكوم بالأجسام التي تلامس الضوء والتي تعترضها. والظل عادةً يكون هو ذلك الانعكاس المظلم (المعتم طالما عرفناه أنه يميل إلى الزرقة) الناتج عن اعتراض الضوء لجسم معتم ويتخذ عادةً شكل الجسم الذي عمل على اعتراضه ويلازمه طيلة فترة وجود مصدر الضوء في الأماكن المكشوفة.ويُعَد الظل دلالةً من الدلالات التي يرسمها الشاعر في قصيدة، وكذلك له رمزيته في حالة استخدام مفردة الظل.