الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
متى تكون الأخلاق أخلاقاً؟

بواسطة azzaman

متى تكون الأخلاق أخلاقاً؟

رزان الحسيني

 

إن الأخلاق هي القوانين التي يفرضها المجتمع حتى لا ينحدر نحو الفوضى والانهيار الإجتماعي. وليست كما هي معروف عنها أنها المبادئ التي تولد مع الإنسان بالفطرة، ولا تُقدّر بثمن.

بل هي الصفات التي يكتسبها المرء بعد ولادته، مع العادة والتقليد، والتأقلم مع أفراد المجتمع بآرائهم وأفكارهم، وتكتسب حينئذٍ قُدسيتها. أي هي مُقتضيات البيئة التي يفتحُ عليها الطفلُ عينه، فيكبرُ معتنقاً إياها، مُعتبرها مُطلقةً تجري على جميع المجتمعات والبيئات.

يقول علي الوردي في كتابهِ الأخلاق: "إن الأخلاق في الواقع ليست سوى صورة من صور تكيّف الإنسان مع محيطه". أي إن مفهوم الأخلاق بشكلٍ أساسيّ يعتمد على طبيعة المجتمع نفسه.

هُناك خلقاً قد يُعتبر لدينا - في المجتمعات العربية- مكروهاً ومذموماً، في حين أنه يُعتبر مقبولاً في المجتمعات الأخرى، والعكس صحيح: مثل زواج الأقارب، والمنافسة، وتملّق أرباب العمل، وغيرها الكثير مما نعتبره مقبولاً وتعتبره المجتمعات الأخرى مرفوضاً، أو نرفضهُ نحن بينما هم يقبلوه. لأن الأخلاق ببساطة تنمو مثل التكلسات الملحية على صخور البحر، فهي صنيعة البحر، وليست صنيعة الصخور بحد ذاتها.

إن الفرد - بناءً على ذلك - ينظر إلى أخلاقه على أنها أزلية وشمولية، فينتقد أو يمدح شعباً معيناً على أساسها، ويحتقر من يجد لديه ما يُخالف تلك الأخلاق.

مُتناسياً أن الظروف الإجتماعية هي ما تصنع المرء، والدليل على ذلك هو حدوث الانقسام الأخلاقي الكبير في المجتمع الواحد، بين طبقاتٍ مُختلفة. فنجد مثلاً الطبقة الأرستقراطية فيه تعيشُ بعالمٍ مخمليّ وراقي، فيتبعُ ذلك أخلاقاً مُهذّبة والتزامية - وإن كانت تظاهرية!

بينما نجد الطبقة المُعدمة والفقيرة تنتشر بين معظمهم طباعاً وأخلاقاً مُختلفة، كالعصبية والسرقة والبذاءة والاحتيال وغيره، لأن الإنسان الجائع والذي يفترش الأرض ويلتحف السماء، لا يهتم بطباعه أكثر من بحثهِ عن طريقةٍ للعيش.

وكما قال القائل: غيّر معيشة المرء تتغير أخلاقه.

تكون الأخلاق أخلاقاً حين تتحرر من اجتماعيتها وعادتها التحكّمية القاسية، وتتجاوز قالبها الإجتماعي إلى الإنساني، فيختار المُجتمع أخلاقهِ تبعاً للرؤية الإنسانية، وهو القانون الأشمل، والجامع الأكبر للبشرية، فما من رباطٍ -مهما بلغ عمقه- يربطُ بني البشر أكثر من بشريّتهم. وإن متى ما تحرر المجتمع من بعض أخلاقه البيئية واللامنطقية، وبدأ أفرادهُ ينظر إلى بعضهم البعض كبشر أولاً، قبل أن يكونوا أبناء فلان ومن بيت علّان؛ دخل إلى دائرة الأخلاق الحقيقية البشرية، وبدأ بصناعة نفسهِ على أساس الحقيقة وحدها.

 

 


مشاهدات 314
أضيف 2022/08/22 - 4:31 PM
آخر تحديث 2024/07/15 - 11:18 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 132 الشهر 8121 الكلي 9370193
الوقت الآن
الجمعة 2024/7/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير