الشركات الناشئة في العراق: تحديات تهدد بالإفلاس
محمد رجا
يعتبر انشاء الشركات الناشئة خيار يفضله الكثير من الناس وخاصة الخريجين الجدد واصحاب المشاريع التجارية في السنوات الاخيرة, لمواجهة البطالة او الحصول على فرص عمل تضمن دخل مادي مستقر, او استثمار لفائض مادي متوفر, او رغبة في تحقيق نجاحات اقتصادية, الا ان هذا الخيار لازال يعاني من تحديات كبيرة وتعقيدات متفاقمة تحكم مستقبل هذا النوع من الشركات في العراق في ظل استمرار مساعي اصحاب هذه الشركات بالعمل على نجاحها.
تحديات ذات صلة بالمشاريع ذاتها
رغم اتجاه المزيد من الأشخاص في العراق بتأسيس الشركات الناشئة، وما يحمل مؤسسو هذه الشركات عادةً، تفاؤلًا كبيرًا عند التخطيط لمشروعاتهم, إلا ان هذا المجال وبمختلف دول العالم يشهد تحديات وقصص فشل كثيرة للشركات الناشئة , حيث تشير الاحصائيات في الدول المستقرة حيث ان حوالي 90 % من الشركات الناشئة تفشل وتضطر لإعلان الإفلاس، والانسحاب من السوق.
تقول د. شاديا مالك صوايا استاذة مادة ادارة الاموال في الجامعة اللبنانية الكندية :"الملاحظ ان التحديات التي تواجه الشركات الناشئة لا تقتصر على مرحلة معينة في مراحل نمو الشركات الناشئة انما ترافق كل مرحلة تحديات مختلفة ومتنوعة وتكاد تكون مختلفة من اختصاص شركة الى اخرى"
واضافت قائله :" الا ان هناك التحديات تكاد تكون مشتركة والتي تكون عادة سبب وراء فشل الشركات الناشئة ابرزها المنافسة في الأسوق وقلة السيولة ومدى توفر سياسات الحماية للشركات الناشئة, اضافة الى تجاهل مخاطر السوق وعدم دراسته بصورة جيدة, وانعدام الجودة "
وتابعت : "عدم توفر الخبرات اللازمة لدى الفريق, وعدم دراسة الخدمات المقدمة ومدى اشباعها للحاجة المطلوبة او معالجتها لمتطلبات السوق, وغياب عامل التمويل, بالإضافة الى وجود خلل في نموذج العمل اسباب وراء فشل هذه الشركات".
واشارت :" على الرغم ما تشير اليه هذه الاحصائيات من فشل الشركات الناشئة لا يعني ان يتوقف الشباب عن الحلم بامتلاك شركة ناجحة بيوم من الايام لكن يجب ان تكون احلام الشباب واقعية ومدروسة بعناية مع الاخذ بالأخطاء الشائعة لدى الشركات الناشئة التي لم يحالفها النجاح".
السوق العراقي لازال مبكراً
ان السوق العراقي لازال الوقت طويله امامه تجاه هذا النوع من المشروعات التي تتطلب او تقوم على عاملين مهمين هما الاستقرار والدعم الحكومي وغياب المعرفة اللازمة لإدارة هذا النوع من الشركات, اضافة الى مدى تقبل المستهلكين والسوق الى هذا النوع من الشركات.
يتحدث عماد الكحلي المدير المفوض لشركة نزيزة للتسوق والدعاية :"بأن العراق بيئة طاردة للشركات الناشئة حيث هناك صعوبات ومضايقات عديدة منها عدم وجود تسهيلات او اجراءات ادارية ملائمة الى هذا النوع من الشركات التي تتسم بالتسارع والانجاز , بدأ بإجراءات تسجيل الشركة في الوزرات العراقية مروراً بعمل الشركة وإيصال الخدمات للعملاء اضافة الى عدم ملائمة القوانين والتشريعات والرسوم والضرائب الى هذا النوع من الشركات ان لم تكن سبباً في فشلها".
مضيفاً:" وعدم وجود اي ضمانات للمشاريع او الشركات الناشئة تحمي حقوقها او تساهم بتسهيل سير اعمالها ولاسيما هذا النوع من الشركات والمشاريع القائمة على الابتكار اضافة الى قلة السيولة والخبرة خاصة لدى اصحاب هذه الشركات وذلك ما يشكل عائق في تطور هذه الشركات وتقديم خدماتها بجودة عالية في ظل عدم توفر مراكز متخصصة للتدريب او تقديم استشارات تساهم في نجاح هذه المشاريع".
يؤكد هذه التحديات صالح اللهيبي مدير تطبيق المحبوب لخدمات التسويق الالكتروني" : بان السوق العراقي غير مهيأ تماما سواء من حيث الاجراءات الحكومية التي تكاد تكون معطلة او من حيث ثقافة الزبائن والعملاء التي لم تواكب التطور الرقمي الحاصل خاصة بالتسوق الالكتروني"
موضحا:"على سبيل المثال البنك المركزي لم يوفر بدائل دفع الكترونية تكون موثقة بين العملاء والشركات في ظل تنامي التجارة الالكترونية في حين ما توفر هو خدمات تقدمها شركات الاتصال من خلال تحويل بطاقة الشحن الى نقود من خلالها يتم الشراء وهذا عائق كبير , بالإضافة الى عدم وجود تسهيلات او اجراءات تناسب اختصاص المشاريع والشركات الناشئة على سبيل المثال يتطلب تسجيل التطبيق شركة محدودة المسؤولية في مسجل الشركات وزارة التجارة في حين التطبيق ممكن تسجيله كمتجر الكتروني في الوزارة دون تسجيله شركة والزامه بإجراءات اكثر تعقيد وقد لا تتناسب مع اختصاص او حجم المشروع ابداً بالتالي تضيف عبئاً على اصحاب المشاريع او الشركات الناشئة".
قلة مصادر التمويل الحكومي والخاص
يعتبر دعم الشركات الناشئة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة حلاً جوهري بحسب بعض الاقتصاديين يساهم في دعم القطاع الخاص ومعالجة مشكلاته ولاسيما مشكلة البطالة المتفاقمة في ظل عدم قدرة استيعاب القطاع العام الالاف من الخريجين مع استمرار الازمات المالية, الان ان الجهات المعينة لم قدم اي فرص تمويل جادة الى هذا النوع من الشركات, ذلك ما يضيف تحدي اخر للمشاريع والشركات الناشئة التي تبحث عن التمويل للنجاح.
يقول عبدالملك احمد المدير المالي لشركة المسار العراقية للخدمات اللوجستية :" ان التمويل هو نبض أي عمل تجاري فهو العامل الاساسي الذي يتركز عليه مشروع ناشئ, وبالتالي لابد من توفر مصادر تمويل لنجاح أي مشاريع ناشئة من قبل الحكومة والجهات المالية في البلاد لتشجيع هذه المشاريع على الاستمرار في حين الواقع شيئا اخر تماماً فغياب مصادر التمويل الحكومية واقع تعاني منه المشاريع الناشئة وسبباً في تعرضها للفشل وخاصة اذا ما تعرضت لتعثر مالي".
وتابع قائلاً :" مصادر التمويل الاخرى غير الحكومية مثل القطاع المصرفي والمستثمرين لاتزال ضعيفة في العراق وحذرة جداً عندما يتعلق الأمر بدعم مشاريع الناشئة واذا ما توفر من مصادر تمويل من هذه المصارف تكون ذات فوائد عالية او تحكمها اجراءات معقدة ومكلفة.
مشيراً " ان الاقبال المتنامي من الشباب على انشاء الشركات الناشئة مؤسف ان ينصدم بالواقع الذي يخلصه مؤشر البنك الدولي باحتلال العراق 168 من اصل 190 للبلدان التي توفر بيئة مواتية للاستثمار".
تبعات ازمات كوفيد – 19 وسعر الصرف
لقد تركت الأزمات الأمنية والاقتصادية المتعددة في السنوات الأخيرة وخاصة ازمة كوفيد -19 وازمة سعر صرف الدولار تأثيرات كبيرة على مختلف القطاعات الاقتصادية ولاسيما القطاع الخاص, وقد يكون نصيب الشركات والمشاريع الناشئة اكثر ضرراً من تداعيات هذه الازمات نظراً لديناميكية هذه النوع من المشاريع, حيث دفعت الازمات الى فشل العديد من الشركات الناشئة واصابت اخرى بالتعثر المالي في ظل غياب اي مبادرات حكومية داعمة.
يقول د. زيد الخوام استاذ مادة ادارة المشاريع في جامعة الفلوجة :" فرضت تبعات جائحة كوفيد -19 تحديات مريرة لم يتمكن العديد من اصحاب المشاريع الناشئة تجاوزها فالتأثيرات الاقتصادية للجائحة شملت العديد من القطاعات الاقتصادية نتيجة للتوقف الذي حصل, وفي الوقت الذي يترقب اصحاب الشركات الناشئة اي مبادرات تمويل او دعم من الحكومة العراقية للتعافي من تبعات كوفيد – 19 الا انهم لم يتلقوا اي استجابة على الرغم من اطلاق الحكومة العراقية برامج للتعافي من تداعيات كورونا بحلول 2023 سواء على شكل مبادرات او قرض للمشاركات الناشئة التي تضررت من هذه الجائحة في ظل مواجهة اصحاب الشركات ازمة اخرى ارتفاع صرف الدولار والتي أثرت على السوق العراقي عامةً".
مشيراً: "من المؤسف غياب غاب الفهم الكامل عن الدور الذي تمارسه الشركات الناشئة في تنمية الاقتصاد ولاسيما اثناء الازمات, ومثال على ذلك بغياب الشركات الناشئة مثل (واتساب – زوم – سكايب ) وغيرها كان العالم سيبدو اقل انتاجية وقدرة على تحمل العطل الذي اصاب المصانع والمؤسسات. فمن خلال التكنولوجيا التي ابتكرتها الشركات الناشئة استطاع العالم أن يخفف من حدة تأثير الإغلاق الاقتصادي من خلال التواصل عبر الخدمات التي توفرها هذه الشركات اثناء الازمات"
ملفتاً" تبعات هذه الازمات المالية والازمات الامنية هي الاخرى لازالت تعصف بالمشاريع والشركات الناشئة تشكل عبئاً على هذه المشاريع بالتالي ما يتطلب على الحكومة العراقية حمايتها عبر مجموعة من السياسات والاستراتيجيات التي تهدف إلى بقاء هذه الشركات حيوية وقادرة على تقديم خدماتها في الازمات.
مستقبل الشركات الناشئة في العراق
في ظل التحديات التي تحيط بالشركات الناشئة وتعقيداتها يتساءل الكثير عن مستقبل نجاح هذا النوع من الشركات في العراق وامكانية ازدهارها في المستقبل سواء اصحاب الشركات انفسهم او الراغبين في انشاء الشركات الناشئة.
يجيب د. سعد الحمداني استاذ مادة ادارة الاعمال في جامعة الفلوجة :" ان مستقبل الشركات الناشئة في العراق وفي ظل استمرار التحديات الحالية يكون من الصعب نجاح هذه الشركات, وقد يقتصر على مجالات معينة يكون رصيدها الافكار الابتكارية والحاجة الماسة الى هذا النوع من الخدمات بتوفر كوادر ذات خبرة عالية".
مشيراً:" الى ان نجاح هذا الشركات اليوم في العراق يتوقف على عوامل ومقومات عديد منها :" التمويل والخبرات والقوانين وهذا ما يعتذر على السوق العراقي توفره اليوم الا في حالة قيام الجهات المعنية في البلد بتبني مبادرات لدعم هذه الشركات وتشجيعها على الاستمرار سواء من خلال توفير التمويل أيا كان انواعه او تزويدهم بالخبرات والمهارات اللازمة"
ملفتاً بالقول :" ان كان تأسيس الشركات الناشئة اليوم خياراً غير مرغوب به من قبل الاشخاص الذين يبحثون عن مشروعات امنة, لكنها تعد خياراً مثالي نحو التنمية الاقتصادية حيث تساهم في الدورة الاقتصادية بشكل جيد عبر الانتاج والابتكار الذي ينهض بالاقتصاد وانعاشه ودعمه وتطويره وذلك اليوم ما هو احوج اليه الاقتصاد العراقي اليوم "