نبض القلم
فوضى السوق .. رؤية في إصلاحه
طالب سعدون
موجه من الغلاء وارتفاع الاسعار لمختلف السلع الاساسية ، بما فيها الغذائية تجتاح العالم ، لاسباب عديدة آخرها الحرب الروسية - الاوكرانية التي قد تتسبب في زيادة عالمية في سوء التغذية والمجاعة .... وقد يكون تضخم ازمة الغذاء اشبه بجحيم على الارض حسب توقعات مدير برنامج الغذاء العالمي التابع للامم المتحدة... فهذان البلدان هما من أكبر خمس دول مصدرة للحبوب في العالم حسب التقديرات والتقارير العالمية ..
وتتفاوت قدرة الدول في مواجهة هذه الموجه من الغلاء والتعامل معها بما يخفف من أثارها تبعا لمستوى انتاجها المحلي وقوة اقتصادها.. فيكون ثقلها كبيرا على الدول الفقيرة التي ترتفع فيها نسب الفقر والبطالة وينخفض فيها مستوى المعيشة الى حد قد يعجز المواطن عن توفير حاجاته الاسياسية فتلجأ الدول الى اجراءات تساعد مواطنيها في مواجهة هذه الازمة ...وقد صدرت تقارير من منظمات عالمية تحذر من انعكاسات المجاعة على الوضع السياسي والاجتماعي خاصة على الدول الفقيرة في الشرق الاوسط وافريقيا حيث تذهب نحو 40 بالمائة من صادرات اوكرانيا من القمح والذرة الى هذه الدول التي تعاني من المجاعة اصلا وربما يؤدي نقص الغذاء الى ارتفاع الاسعار والى اضطرابات اجتماعية ، وغياب الاستقرار السياسي جراء عدم قدرتها على توفير الحاجات الغذائية الاساسية لمواطنيها..
ان هذه الحرب أظهرت قيمة التخطيط والتنمية واستعداد الدول لمواجهة الازمات والظروف الطارئة والاستثانئية خاصة التي تهدد حياة الانسان وفي مقدمتها الغذاء وارتفاع اسعاره الى مستويات تفوق القدرة على تحملها من الشرائح الفقيرة ..
وفي بلادنا إتخذت الحكومة إجراءات وصفت بانها لتخفيف معاناة المواطن جراء غلاء الاسعار رافقتها حملة لمراقبة الاسعار .. وسؤال يتردد كيف للمواطن وحتى للرقيب نفسه أن يعرف سعرا لم تتدخل الدولة لتحديده في الاساس ليجري الحساب على أساسه ؟..
سبق ان تناولنا هذا الموضوع وهو ثقل الدولة في السوق ورعايتها له وتحقيق حالة التوازن والاستقرار فيه واحتمال استمرار هذه الازمة العالمية او غيرها من الاسباب كما حصل مع جائحة كورونا مثلا دعتنا الى العودة اليه مرة اخرى .. فمن من يتابع حركة السوق يجد أن هناك فوضى بسبب غياب الدولة عنه ممثلة بوزارة التجارة ، وكأنها حلقة زائدة في الحكومة ، وليس من واجبها ضبط حركة السوق من السلع والاسعار، وتقدير الحاجة الفعلية للبضاعة المستوردة ..
إن ميدان الوزارة الحقيقي ومجال نشاطها هو السوق .. فكيف تتركه في مهب رياح تقلبات الظروف السياسية والازمات ، أو (أمزجة) التجار والمستوردين و(جشع ) البعض والبحث عن الربح فقط ، دون تقدير لقيمة ما يتعامل به من سلع لها تأثير كبير على المواطن كاللحوم والدواجن والرز والطحين والادوية وغيرها وتأثيرها على الانتاج المحلي ..؟.
وفي الظروف غير الطبيعية يكون للحكومة دور مهم في توفير حاجة الشعب ، وبالذات الطبقات الدنيا والدخول المحدودة ، من خلال توفير مواد وسلع ضرورية وجيدة من مناشيء و (ماركات) عالمية ، عبر منافذ متعددة تابعة للدولة لتحافظ على استقرار الاسعار ، على غرار الاسواق المركزية (اورزدي باك) والشركة الافريقية وشركة الاجهزة الدقيقة سابقا وشركة المواد الانشائية وغيرها من شركات القطاع العام التي لها تواجد في السوق ، وتغادر هذه الحالة وتغلق تلك (الدكاكين) إذا جاز التعبير عندما تتغير الظروف وتنتفي الحاجة اليها إضافة الى وجود جمعيات استهلاكية وتعاونية ، والأمر نفسه ينسحب على الدواء خارج المستشفيات ، ومراقبة الاسعار عامة من خلال هيئة أو غرفة أو أي مسمى أخر ... فليس من المعقول أن يتحمل الشعب نفقات وزارة تتولى توفير عدد بسيط من المواد بفترات متفاوتة يمكن أن يقوم بها تاجر من الدرجة الرابعة ..
أن وزارة التجارة والتموين تعد من الوزارات المهمة عندما تواجه الدول ظروفا غير طبيعية ، سواء بسبب الحروب أو الوضع الأمني أو الاقتصادي .. وهناك دول ، وفي منطقتنا بالذات لديها وزارة خاصة للتموين ، ومهمتها توفير السلع الضرورية في السوق ، بما فيها الخبز باسعار مدعومة للشرائح الفقيرة فقط ، عبر مخابز وافران خاصة تابعة لها إسوة بمواد اخرى ضرورية يحصلون عليها (ببطاقات) عن طريق المجالس المحلية توزع لمن يستحقها فعلا فق ضوابط محددة لا يمكن التلاعب بها مطلقا .. وهناك دول تتبنى من خلال وزارة التجارة مشاريع خاصة مثل (سلة رمضان) تتضمن مواد أساسية يحتاجها الصائم بسعر مناسب ،أومدعوم من الدولة أو مجانا من أهل الخير .
وتكشف الايام التي تسبق شهر رمضان غياب دور الدولة عن حركة السوق في ضبط الاسعار وانخفاض مستوى الاقبال على الشراء استعداد للشهر المبارك .
وقد تكون الظروف الاقتصادية للمواطنين وبالذات ذوي الدخول المحدودة والازمة العالمية بعد حرب اوكرانيا وتأثيرها على الاسعار وخاصة السلع الاساسية للمواطن فرصة مناسبة للتفكير بتفعيل دور الدولة في السوق وضبط حركته ومراقبة الاسعار وتفعيل حضورها في المجتمع من خلال عودة الحياة الى تلك المؤسسات العامة التي تحقق التوازن في السوق وحالة من التنافس وعودة النشاط التعاوني بمختلف مجالاته وتشكيل الجمعيات التعاونية على مستوى النقابات والجمعيات في البداية لتوفير السلع والحاجات التي ترى ضرورة توفيرها لاعضائها بهامش ربحي بسيط ، وتساهم في الوقت نفسه بضبط حركة السوق وعدم تركه لاحتكار أصحاب المصالح الذين يهمهم بالدرجة الاولى تحقيق الربح السريع والعالي ..
تلك ملاحظات عامة علها تحظى بالدراسة من الجهات المعنية ...
00000000000
كلام مفيد :
إن أحد المعوقات الاساسية للديمقراطية هو انخفاض دخل الفرد ما يجعل الناس لا شغل لهم سوى تامين قوت يومهم وفي حالة وجود انتخابات حرة فسيقبل الناس باصواتهم على من يعدهم بلقمة عيش وليس لمن سيعمل على ترسيخ مبادىء الحرية والمساواة ويضمن لهم احترام حرياتهم الفردية .. (فوكوياما).