العِبر كثيرة ولكنْ أين المعتبرون ؟
حسين الصدر
-1-
في ثنايا كتب التاريخ والأدب نقرأ قصصاً وحكايات تمور بعبق الصدق ، والاعتزاز بالانتماء الرساليّ ، واستحضار ما ينساه الناس عادة من قديم أحوالهم وأوضاعهم المزرية قبل ان ينعم الله عليهم باخراجهم من الظلمات الى النور .
وهذه الحكايات ما هي الاّ مُنَهِبات تدفع بنا الى اليقظة والصحوة من سبات الغفلة والنسيان، وذلك ما تقتضيه العبرة فليست تلك الحكايات الاّ الدروس التربوية الملآى بالفوائد الاخلاقية والروحية والاجتماعية .
-2-
ومن تلك القصص :
قصة ( بلال بن رباح الحبشي ) – مؤذن الرسول (ص) حين ذهب ليخطب لأخيه ( خالد ) امرأة قرشية فقال لاهلها :
" نحن مَنْ قدْ عرفتم :
كنّا عبدين فاعتقنا الله ،
وكنّا ضالين فهدانا الله ،
وكنّا فقيرين فأغنانا الله ،
وأنا أخطب لكم على أخي ابنتكم ( فلانة ) ،
فإنْ تنكحونا فالحمد لله ،
وانْ تُردّونا فالله أكبرَّ "
فأقبل بعضهم على بعض وقالوا :
بلال مَنْ قد عرفتم سابقته ومشاهده ومكانته من رسول الله (ص) فزوجوا أخاه .
فلما انصرفا قال له أخوه :
يغفر الله لك ،
أما كنتَ تذكُر سوابِقَنا
ومشاهدنا مع رسول الله (ص) فقال :
" يا أخي :
صدقتُ فأنكحك الصدق "
أقول :
نبرةُ الخطاب نبرةُ تواضع كبير، واستذكارٍ للنعم والألطاف بعيداً عن التشدق والادعاءات العريضة الزائفة ، ومِثْلُ هذه النبرة نفذت الى القلوب دونما تأخير .
ولم يسأل أهلُ الفتاة المخطوبة وهم من قريش – الذين يشمخون بأنفسهم وأنسابهم - عما يملكه ( خالد ) من الأموال ،
ولم يستنكفوا أنْ يقترن هذا الفتى ( الاسود ) بكريمتهم الأصيلة ذات الشرف الوضاح ، بل اكتفوا بما صرّح به أخوه من تمسكه باهداب دينه ، ومساره في درب الاستقامة .
فالمسلم كفؤ المسلمة ،
والاستقامة السلوكية هي الصفة التي لابدَّ أنْ تكون مُحْرَزَةً في الخاطِب .
وقد جاء في الحديث الشريف :
(اذا جاءكم مَنْ ترضون خُلُقَه وَدِينَهُ فزوجوه الا تفعلوا تكنْ فتنة في الارض وفساد كبير)
أما اليوم فالخاطب لا يحتاج الى أكثر من اثبات ثرائه وقدراته المالية فالمال يغطي كل العيوب ..!!
أما الاستقامة والمسار السليم فهما بعيدان عن الاذهان عند فرائس الشيطان ..!!