الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المكتبات المسيحية عبر أدوار التاريخ

بواسطة azzaman

المكتبات المسيحية عبر أدوار التاريخ

 وقود لنيران الحروب وطمس للهويات الدينية المتعاقبة

 

الموصل- سامر الياس سعيد

شكلت  المكتبات عموما  حواضر ثقافية ومصادر اشعاع فكري على مر الازمان  واهتمت  الاقوام عبر ادوار التاريخ بالحفاظ على ما  يعزز هوياتها ويوثق ادوارها الحياتية من خلال ما ضمته صحائف الكتب من ابراز لتلك الادوار التي مر بها  السكان الاوائل  وقد خلد التاريخ من تلك المكتبات مكتبة اشور بانيبال  التي عدت من اقدم الحواضر الثقافية على الاطلاق وعززت دور الحضارة الاشورية كونها لم  ترسخ دعائمها واسسها على  محيط الغزوات والحروب التي وسعت من نطاق سيطرتها فحسب بل اسهمت ايضا في توارث  المعارف المختلفة وتداولها في ضوء تلك الحروب التي  باشرت بها  من جانب اهتمام بعض الملوك الاشوريين بمنابع الثقافة ولجوئهم اليها في توسيع معارفهم ومداركهم العلمية  لكن مع تلك المساحة المهمة  للمكتبات فانها ايضا كانت عرضة  للحرق والطمس والقاء الكثير من المخطوطات في الانهر كما حدث في احد العصور حتى يقال ان نهر دجلة تحول  الى لون اخر بسبب الاحبار التي كانت تضمها تلك المخطوطات النادرة  ومنها المخطوطات المسيحية النادرة التي فقدت اثر  الحروب والاستهدافات في  اثر الكثير من العصور التي لم تستقر فيها لاالكنائس ولا روادها من الرهبان  فكيف الحال مع المخطوطات التي كانت تتصدر تلك الحواضر الثقافية لتجد نفسها اولى ضحايا تلك الغزوات والحروب  والانتهاكات التي مرت عليها ..

فقد التفت الى هذا الشان  الباحث  والمؤرخ الراحل  يوسف القس عبد الاحد البحزاني في عام 1994 ليتجول  مع كتابه الموسوم  الذي حمل عنوان (جولة  مع مخطوطات  سريانية مبعثرة ) ليحصي ويتابع مصير الاف من المخطوطات التي حرقت وفقدت وطمست على اثر الحروب والغزوات التي مر بها المسيحيين  فيستهل البحزاني  كتابه  الذي جاء ب152 صفحة من القطع الا ان رؤيته لم تخفت بسبب تجدد فقدان مخطوطات اخرى  خصوصا في فترة الالفية الثانية بسبب  التطرف الديني الذي اودى بابرز الكنوز المقترنة بالتراث الديني المسيحي .

شهادات تاريخية

عالج مؤلف الكتاب يوسف القس عبد الاحد البحزاني  في كتابه شهادات تاريخية ابرزت فقدان النفائس الثمينة من المخطوطات متجولا بين متون الكتب ليحقق جردة حساب بشان ما تم فقده من تلك المخطوطات حيث تنوعت اساب الفقدان بين الاستعمار وبين الرؤية المختلفة لتلك النفائس مما اودى باثمنها على الاطلاق  وقد نجح المؤرخين  نوعا ما في تبيان ما تم فقده من تلك النفائس بسبب الرؤية التي  ابرزها البحزاني في كتابه الذي جاء ب152 صفحة من القطع الكبير صادرا  عن دار ماردين للنشر .. مطالعتي للكتاب التي وردتني نسخة منه من قبل  نجل المؤلف  الاستاذ سعد القس  تزامنت مع رؤيتي للاحداث التي تعاقبت على كنائسنا  بعد فترة اصدار الكتاب  لتبرز حقيقة اعادة  طبع نسخة ثانية من الكتاب تتضمن ما فقدناه من مخطوطات اخرى ثمينة  في ظل احتلال تنظيم الدولة الاسلامية لمناطقنا سواء في مدينة الموصل او على صعيد كنائسنا في مناطق سهل نينوى  والابرز التأكيد على قيمة المخطوطات المفقودة فضلا عن المستعادة حيث ابرز الاعلام جانبا منها ولعل اخرها ما تم من خلال احدى القوات الامنية التي سلمت مطران ابرشية الموصل  المطران مار نيقوديموس داؤد متي شرف عددا لا باس به من تلك المخطوطات التي تعود لكنيسة الطاهرة الداخلية المعروفة بالقلعة  وكله يتاتى مع حقائق مازالت  مخبوءة في الكواليس عن  تضحيات اسهم بها البعض في المحافظة على بعض المخطوطات واخفائها عن اعين تلك العناصر التي لربما لم تعدم او تضيع تلك المخطوطات بل ابقت عليها لتظهرها في  بازارات المزايدات  مستندة على القيمة التاريخية التي ترتكز عليها المخطوطات وما احوجنا الى  ارشفة تلك المخطوطات وعلى حد علمي فان كل الكنائس تقريبا اعدت مثل تلك الفهرسة لمخطوطاتها   ومن تلك النماذج ما قدمه في هذا الخصوص الاب الدكتور بهنام سوني سواء لمخطوطات كنائس السريان الكاثوليك في بغديدا او كنائس الطائفة بمدينة الموصل وابرزت ذلك عبر اصدارات لاتاحتها للباحثين والاكاديميين الذين يعتمدون على مثل تلك المخطوطات للتحقيق في  الازمنة التي انجزت من خلالها ولاشك في ان الكثير من المخطوطات  بالاضافة لقيمتها الدينية  وموقعها الروحي سواء في اتاحة الصلوات والطقوس المقترنة بالاعياد والمناسبات الدينية  فان هنالك هوامش تقترن بتلك المخطوطات تبين  فاصلا من الاجواء التي نسخت فيها  والدعم المقدم من قبل  الجهات المسؤولة لغرض نسخ المخطوط  وحفظه ووقفه كونه من اوقاف  تلك الكنيسة او تلك  وقد ازدانت الكثير  من المخطوطات  على حد علمي بتلك الهوامش مثلما كنا نقرا في ختام كل كتاب  في كنيسة مار افرام التي لحداثتها حيث تاسست في عام 1988 الا ان الكتب المخطوطة التي كانت تملكها  كانت اصلا تابعة لكاتدرائية مار توما وتم وقفها لصالح هذه الكنيسة بحسب ما تم الاشارة اليه ..

يحصي مؤلف الكتاب  للعشرات من المصادر التي يوضح من خلالها مال الكثير من المخطوطات  حيث الاصح ان يحمل العنوان اشارة الى ان المخطوطات مفقودة او اسيرة لدى مكتبات اخرى غير  عائديتها  فضلا عن  عدم الاشارة  الى ان مخطوطات اخرى تم المحافظة عليها حينما تم  تعمير بعض الجوامع التي كانت اصلا كنائس بمدينة الموصل وتم  تسليمها للكنائس بحسب علمي حول حادثة مقترنة باحدى  الكنائس التي تحولت الى جامع حيث كانت تعود الى  السريان التكارتة  وقد عثر على الكتب المخطوطة بحالة جيدة فتم ايداعها لكنيستنا في تلك الفترة ..تتنوع مصادر الكتاب التي يستقي منها كاتب الكتاب معلوماته ازاء المخطوطات السريانية التي فقدت  ويشير الى انه  بذل  هذا الجهد على مدار سنتين  ليقلب صفحات التاريخ بحثا عن تلك اللالي المفقودة  مبينا في الوقت ذاته بان الخوف  والجهل والعوز كانت من بين الاسباب التي ادت الى  اعدام اكثر  تلك المخطوطات النادرة  وقد اسهم سفره التاريخي برغم اعترافه بانه  دونه على عجالة  في تسليط الضوء على خفايا  المؤشرات التي ادت الى فقدان مثل تلك المخطوطات وبعثرتها في اكثر بقاع العالم .

طقس سرياني

ولايكتفي الكاتب بايراد الكتب المتخصصة بتوثيق الطقس السرياني فحسب  بل عني ايضا بتبيان  انماط اخرى من المخطوطات  المقترنة بالعلوم المعرفية الاخرى  لاسيما حينما مثلت اللغة السريانية وهجا  اشعاعيا اقتبس منه الشي الكثير بما يتعلق بنظيرتها اللغة العربية حيث برز في هذا الشان العديد من المترجمين الذين كان لهم شان عظيم كونهم نقلوا تلك المعارف للعربية واتاحتها امام الاكاديميين والباحثين ..قيمة الكتاب تمكن في تصنيف المخطوطات والاشارة الى موقعها البديل او  ابراز نكبات اخرى تضاف الى موجات استهداف البشر حينما تم الاشارة  الى ما تم حرقه من مئات المخطوطات لا لشيء الا لاختلافها مع الاخر الذي اقدم على تلك الافعال  لمحاولته تشويه الحقائق وطمسها  وما  من هذه الافعال ما برز حتى يومنا هذا برغم اختلاف المحطات  وتاريخيتها واقترانها سواء بالعهود الغابرة او اللاحقة  ويقينا  نحن احوج الى طبعة جديدة  من هذا الكتاب او  سفر اخر يبرز ما تم فقده اثر غزوة تنظيم داعش  لاسيما  حينما ظهر  قبل عدة اشهر سفر  مهم ابرزه  المطران مار ميخائيل نجيب عبر جهوده التي كللها بارشفة الكثير من المخطوطات للعديد من كنائس الموصل لينقذ بذلك ارثا مهما  عمره عشرات القرون ويقف وراءه نساخون وكتبة بذلوا جهدهم وعصارة فكرهم ووقتهم في سبيل ابراز مثل تلك النفائس واتاحتها  سواء للمؤمنين او للاخرين لاسيما بما يتعلق  بذوي العلم وارباب المعرفة.

كما لابد من الاشارة الى العهد المعاصر  وخصوصا في حقبة  الاربعينيات والخمسينات قد شهدت بروز مكتببين مسيحيين عرف عنهم ولعهم بالكتب  ورفدهم لتلك الكتب كمصادر ونذكر منهم على سبيل المثال يوسف غنيمة اضافة لكوركيس عواد وشقيقه ميخائيل ممن عدوا من  نخب الادب والثقافة العراقية اضافة للمكتبة  العامرة التي وظفها العلامة الراهب انستاس الكرملي وكلها  جيرت في نهاية المطاف لصالح مركز المخطوطات العراقية في العاصمة  كما  لايسعني في هذا المقام الا التذكير بمكتبة  مهمة  كانت في  الطابق السفلي لكاتدرائية مار افرام بحي الشرطة بالجانب الايسر من مدينة الموصل والتي واكبت بداياتها في  منتصف الثمانينات على يد  الشماس عامر اسكندر الذي اضحى فيما بعد الاب بولس اسكندر والذي غيبته يد الارهاب الاعمى في تشرين الاول ( اكتوبر ) من عام 2006 بمدينة الموصل وكان  للاب المذكور بصمات واضحة في تاسيس مكتبة الكلمة التي  كانت عبارة عن نواة صغيرة سرعان ما توسعت بمبادرة من مطران متقاعد هو النائب البطريركي  لكنيسة السريان الارثوذكس في القدس المطران الراحل مار ديونسيوس بهنام ججاوي الذي قام بالتبرع بمكتبته  وتم نقلها لتحتل رفوف مكتبة الكلمة وقام شباب الكنيسة بتصنيف الكتب التي تربو اعدادها على الالاف العناوين  ويتم فرزها اضافة لمئات المطبوعات من مجلات ودوريات مختلفة  فكانت تلك الكتب بحق مصادر مهمة ساعدتني شخصيا على اعداد كتاب موسع حول تاريخية كنائس الموصل  وقد قام مطران ابرشية الموصل للسريان الارثوذكس  مار غريغوريوس صليبا  بالايعاز لي باستلام المكتبة واتمام تصانيف كتبها بعد نحو اكثر من عام من رحيل مؤسسها  الاب بولس  فكنت  اداوم فيها بشكل اسبوعي مطلعا على العناوين التي  تحفل بها المكتبة  حتى  سيطرة التنظيم على مدينة الموصل وقد تسنى لي زيارة جناح المكتبة فاطلعت على عدم وجود اي شي خاص بالمكتبة بعد قيام عناصر التنظيم باحراق كل الكتب والمجلات التي تحتويها اضافة لتخريب الكنيسة والكثير من الحواضر المرفقة بدار العبادة المذكورة وللامانة فقد وثق  المطران مار ميخائيل نجيب الذي يتولى اليوم  ابرشية الموصل الكلدانية  مهمته بالحفاظ على الكثير من المخطوطات الكنيسة الخاصة بكنيسته وهي كنيسة الاباء اللاتين او ما يعرف شائعا بام الاعجوبة في سياق كتابه الذي صدر بنسخته العربية للعام الماضي  تحت عنوان (انقاذ فكر وبشر) والذي ساهم باعداده باللغة الفرنسية الصحفي  رومان كوبرت بينما قام باعداد الترجمة العربية  الخوري نوئيل فرمان السناطي وصدر عن دار نجم المشرق  الثقافي ..والكتاب بحق شهادة  واقعية عما عاشه المسيحيين  خصوصا بعد ان تواصلت مع الاب نجيب قبل سيامته للحصول على تلك الوقائع فتعذر مرارا  دون ان تسنح الفرصة لاجراء مقابلة موسعة عما قدمه  سواء بالاهتمام بانقاذ المخطوطات التي تمثل هوية وتراث المسيحيين في المدينة الى جانب جهوده في مساعدة العوائل النازحة الى بلدة عنكاوا حيث  نجح بتهيئة  مباني سكنية قيد الانشاء لايوائهم بعد ان طردوا من مناطقهم في مدينة الموصل وسهل نينوى.

مرتكز روحي

وقد اخذ القسم الكبير من الكتاب المذكور  باتجاه محاولات المطران المذكور بارشفة المخطوطات التي كانت تشكل عماذ الكنائس ومرتكزها الروحي في ربط الماضي بالحاضر في اغلب كنائس مدينة الموصل  من خلال  ما تزخر به تلك المخطوطات من الصلوات الخاصة بالاعياد والمناسبات التي كان مسيحيو الموصل يحتفلون بها ..كما لابد من الاشارة في هذا السياق لفكرة راهب كان يقيم بدير مار بهنام حينما اخفى مخطوطات الدير الواقع في ناحية الخضر والبساطلية بالقرب من مركز قضاء الحمدانية (28 كم شرق مدينة الموصل ) حيث اخفى راهب جميع المخطوطات الخاصة في رواق ضيق وببراميل معدنية  حيث قام بوضعها في ركن صغير قبل ان يعمد لبناء جدار مخفيا اياها عن اعين عناصر التنظيم وتم استردادها بعد تحرير المنطقة  وتوثيق ذلك عبر وسائل الاعلام التي تناقلت هذه الاخبار .


مشاهدات 696
أضيف 2022/01/14 - 4:33 PM
آخر تحديث 2024/07/15 - 3:52 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 349 الشهر 7917 الكلي 9369989
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير