الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
 الخيانة العظمى في إدارة الثروة

بواسطة azzaman

 الخيانة العظمى في إدارة الثروة

 

حسين فوزي

 

كان البيان الصادر عشية خلع النظام الشمولي من جمع كبير من الشخصيات السياسية العراقي مشروعاً وطنياً لبناء دولة العراق المدنية الديمقراطية الاتحادية، وقعته قوى سياسية إسلامية شيعية وسنية ومدنية محافظة وأخرى ديمقراطية وثالثة يسارية، لكن الجميع اتفقوا على صياغة مشروع وطني عراقي يؤكد قيم المواطنة.

هذا البيان الذي اصطلحت جريدة النهار اللبنانية على تسميته بـ"البيان الشيعي" بعث الأمل في نفوس مضطهدي الداخل بوجود رؤيا "مؤتمر وطني" يوحي بالتماسك لإنقاذ العراق من حقبة قبضة كان فيها "المخبر" "العلني" يقود إلى درب "الصد ما رد" عبر محكمة "الثورة" قاطعة الرؤوس مثل محاكم روبسبير.

اليوم نحن أمام تراكم خطير لأزمة انعدام العدالة في توزيع موارد الدولة، انعدام العدالة في تقديم الخدمات للمواطنين، انعدام العدالة في معالجة مشاكل محافظات ترزح تحت خط الفقر في غالبية سكانها، ومحافظات تقدم غالبية موارد العراق لكنها مهملة، أو بالأقل لم تعد كما كانت قبل عام 1980 وعاشت مأساة استحواذ المسلحين على مصائرها بعد 2018 وقد تكون البصرة والناصرية إنموذجين صارخين.

نعم الحشد الشعبي قوة وطنية، شاركت في لحظة حرجة في الدفاع عن تراب العراق ودولته المدنية وقدموا الشهداء بجانب القوات المسلحة والشرطة الاتحادية البطلة، وما زال كثر منهم في السواتر، ووجودهم الذي ينبغي أن يكون خارج المدن حصراً، جزء من مستلزمات الأمن الداخلي لاستئصال داعش وأخواتها.

قدرات مسلحة

ووجود الشرطة المحلية في أرجاء مدننا مسنودة من الشرطة الاتحادية ومؤطرة بقدرات قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية والظهير الحشد الشعبي، هو منظومة تضمن الأمن الداخلي والوطني على حد سواء،

المطلوب إنصاف كل المضحين، والمطلوب تجنب استسهال الاتهامات، فكل عمل كبير فيه أخطاء وتحدث تجاوزات، لكن الصورة الرئيسة هي الإيجابيات، التي لا يجوز طمسها بتضخيم السلبيات، طالما هناك التزام بضوابط عمل القوات المسلحة، طالما أن السلاح موجه إلى داعش وأخواتها، وطالما أن عقل حاملي السلاح يعي أن وطنيته وإيمانه بمبادئ آل البيت تعني احترام شريعة الدولة الدستور، وتطبيقاته القانون، حيث المواطن ومصلحة الوطن هي العليا، وكفالة حرية تعبير العراقيين عن رأيهم وتظاهرهم السلمي، وأي تصرف بالسلاح خارج هذا المنظور من قبل أي طرف مسلح، بغض النظر عن كل شعاراته، هو تحقيق لمشروع داعش والقوى الأخرى المتربصة بالعراق، تحت مسميات مبتكرة لتمرير المؤامرة ذاتها المستهدفة للعراق والعراقيين. بالأخص عندما يتم اختزال خلافاتنا إلى شخصنة تنحصر في قضية السيد قاسم مصلح، مع كامل التقدير للحرص على قانونية أي إجراء، لكن ينبغي عدم تغليب الجزء على الكل وحشر الموضوع في التفاصيل بعيداً عن قضية سيادة القانون في ضمان سلامة المواطنين، ضمنهم المحتجون السلميون. إن مشاكل سوء إدارة الثروة الوطنية، عوائد النفط والكمارك والسياحة الدينية والضرائب وتملك الأرض والعقارات وتهريب السلع التالفة من دول الجوار لتصريفها "برأس"، العراقيين ومنع استرجاع قدرات العراق لإنتاج السلع الاستهلاكية والوسيطة خدمة لتصريف منتجات الجوار التالفة وغير التالفة واستيراد المخدرات بحجة تحريم "المنكرات"، هي العوامل الكامنة في تسخين انتفاضة العراقيين بدءاً من عام 2011 وحتى انتفاضة تشرين 2019  وهي حالة لن يوقفها اغتيال الناشطين، كون أسبابها قائمة، والاغتيالات قد تؤخر حسم الموقف لكنها لن تحول دونه في الأخير، تماماً كما كان أسلوب قمع النظام الشمولي لتطلع المواطنين إلى التغيير، سبباً ليس فقط في توفير مبررات التدخل الخارجي، إنما في خلعه "بسهولة" غير متوقعة دون أية مقاومة شعبية واسعة، إلى أن بدأت الطائفية وفق مخطط أميركي لمنع مقاومة استمرار الاحتلال، الاحتلال الذي كان المرحوم احمد الجلبي أول من طالب بإنهائه، فكان موضع سخط الإدارة الأميركية، كونه في الأصل ظن "حساباته" إمكانية انسحاب "المحررين" بعد "التحرير" لإقامة سلطة وطنية عراقية خالصة ، برغم انه عالم الحسابات الرياضية، لكن الوقائع بينت أننا صرنا دولة محتلة وليس محررة.

إن حكومة السادة برهم صالح ومجلس الوزراء برئاسة مصطفى الكاظمي تواجه كل المتراكم من إخفاقات ما بعد نيسان 2013  وهو تراكم صار حالة نوعية: الفساد بات ظاهرة، المحسوبية معيار وليس الكفاءة، قيم المواطنة مذكورة في الدستور فقط للتباهي، والعدالة تواجه تهديدات مسلحة لن يستطيع معها القضاء حماية نفسه، وما جرى من تظاهرة مسلحة أخيرا مجرد عينة.ما العمل؟  إن جميع القوى المعنية بالحفاظ على العراق دولة قادرة على تخطي الفشل ومطالبة اليوم بضرورة تشخيص حقيقة أساس وهي أن مفتاح مسيرة الإصلاح هو احد حلين:

- تعطيل الدستور وتعليق عمل مجلس النواب، والعمل بمراسيم يصدرها مجلس "سيادة" يضم الرئاسات الأربع لمدة سنة لحين إزاحة كل عراقيل البرنامج الحكومي، ثم إجراء انتخابات عامة.

قوات نظامة

وهذا حل صعب طالما أن هناك قوى لديها اذرع مسلحة تعتقد أن مثل هذا المشروع يستهدفها، في ظل حقيقة ان المسلحين يقاربون تعداد القوات المسلحة النظامية، وما لم تكن الفكرة تعريض العراق لحمام دم غير ضروري، فأن هذا الحل مستبعد لعدم القدرة على ضمان تطبيقه على طريقة السيسي، سواء أكان "سيسينا" عسكرياً أم مدنياً، بجانب أن توفير فرص الإصلاح والتغيير السلميين تلغي هذا الخيار طالما انه مازال بالإمكان.

- صياغة تحالف فاعل متخط للطائفية يتبنى مشروع خطوات عملية لتطبيق البرنامج الحكومي بفقراته المشتركة من حكومات السادة العبادي وعبد المهدي والكاظمي، يوثق في مذكرة موقعة من قادته يوضع في عهدة السادة رؤوساء الجمهورية ومجلس الوزراء والنواب والمحكمة الاتحادية، ويعلن في اجتماع شعبي حاشد يتصدره زعماء القوى السياسية المعنية ببناء عراق مدني ديمقراطي اتحادي، تكون إرادة شباب الانتفاضة وبقية العراقيين رقيب لدعم مسيرة تنفيذه بعيداً عن المزايدات وانعدام الوعي بقيمة الحزبية في هذه المرحلة من حياتنا، شريطة برنامج البناء والنزاهة والشفافية يعمل على تنفيذه نخبة من المسؤولين المشهود لهم بالنزاهة، أو بالأقل ممن  لم يعرف عنهم التلوث بمغريات السلطة وما تأتيه من "منافع" تحت الطاولة.

عانت كل أطياف الشعب العراقي، بعربه وكرده وتركمانه وبقية العراقيين من قبضة الشمولية، وهي تعاني اليوم من قبضة الفساد وعدم الكفاءة المحمية بالسلاح المنفلت، ولا مخرج إلا بمبادرة سياسية مسؤولة تشكل قوة ضغط عظيمة تلجم مطلقي الشعارات الفارغة، توعي المسلحين "المتحمسين"، الذين يظنون أن حملهم السلاح هو ضمانة التغيير المطلوب في تحقيق العدالة، بالمسار المطلوب لإنصافهم ضمن عملية ضمان حقوق مواطنة كل العراقيين وليس التخندق ضد أخوتهم المنتفضين السلميين، بما يؤدي لعزل من يريدون تدمير هذا الوطن لمصلحة قوى رأس المال الأجنبي الإقليمي والعالمي في زمن العولمة... فيما هناك ظروف إقليمية ودولية يمكن تجييرها لمصلحة مشروعنا الوطني الجامع.المطلوب توفير ظروف طبيعية لتوظيف ريع النفط وبقية الموارد لإعادة البناء في بقية الزمن من الفرصة التي باتت تضيع، في ظل التأزيم المستمر لوضعنا الداخلي، ليستمر نهب مواردنا من قبل إطراف دولية ومحلية، فاستمرار الحالة الراهنة من التأزيم يعني ترك الوطن خراباً بلا موارد في حقبة لاحقة قصيرة، وهي الخيانة الكبرى لأبنائنا وأحفادنا...إنها الخيانة العظمى.

 


مشاهدات 321
أضيف 2021/06/06 - 4:35 PM
آخر تحديث 2024/06/22 - 8:13 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 226 الشهر 226 الكلي 9362298
الوقت الآن
الإثنين 2024/7/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير