سوار الذهب الرئيس العربي الوحيد الذي سلم السلطة للمدنيين

عندما ماتت الوحدة في العراق

محسن حسين

ذكرتني الوحدة بين ليبا وتونس التي ماتت بعد  يوم واحد بحكاية طريفة تتعلق بالرئيس عبد السلام عارف وكان من المنادين بالوحدة العربية بعد ثورة 14 تموز 1958 التي كان احد قادتها.

 كانت (الوحدة العربية) الشغل الشاغل للعراقيين منذ ثورة 14 تموز  وفي سبيلها او لمناهضتها سقط الالاف من القتلى والجرحى وخسائر مادية لا تعد ولا تحصى وانتهت تلك المعارك الى النهاية البائسة مشاريع التقسيم للكيانات الموجودة بدلا من توحيدها.

وملخص الحكاية  التي حدثت في الايام الاولى من تولي  الرئيس عبد السلام عارف رئاسة الجمهورية صادف ان سائق سيارة في وكالة الانباء العراقية (واع) يدعى (خماس سفيح) رزق بثلاث توائم بنات اطلق عليهن اسماء (وحدة، حرية، اشتراكية) وفي حينه نشرنا الخبر ضمن اخبار الوكالة فاتصل الرئيس بنا ومنح السائق هدية.

في اليوم التالي اتصل الرئيس هاتفيا وسالني عن وضع التوائم فقلت له للاسف توفيت احداهن فما كان من الرئيس حتى قال : اكيد اللي ماتت هي الوحدة.

***

وفي تاريخ امتنا الحديث يتمسك حكامنا العسكريون والمدنيون بالسلطة ولا يتخلون عنها  لكن واحدا فقط  برتبة مشير هو الرئيس السوداني سوار الذهب الذي سجل له التاريخ انه الرئيس العربي الوحيد الذي سلم السلطة للمدنيين.

مثل الاساطير او الافلام الخيالية وصل القائد العسكري سوار الذهب إلى رئاسة دولته بانقلاب عسكري كبير، وبعد أن هدأت الأوضاع، تخلى عن السلطة واعتزل العمل السياسي بالكامل، وفضَّل الاتجاه إلى العمل التطوعي.

هذا الرجل واسمه الكامل المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب  كان خامس رئيس للجمهورية السودانية منذ عام 1985 عندما تسلّم السلطة أثناء انتفاضة نيسان / أبريل 1985 بصفته أعلى قادة الجيش وبتنسيق مع قادة الانتفاضة من أحزاب ونقابات، وحتى تسليمه السلطة للمدنيين عام  1986اي بعد عام واحد فقط في الحكم.

كان يشغل منصب رئيس هيئة أركان الجيش السوداني ثم وزير الدفاع، وذلك في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري، تقلد عدّة مناصب في الجيش السوداني حتى وصل به المطاف إلى وزارة الدفاع كوزير معين. لكنه أُبعِد عن الخدمة (تعسفيا) في العام 1972 وأرسل لدولة قطر.

كان سوار الذهب قد استلم السلطة في السودان عقب انتفاضة أبريل / نيسان 1985 التي أطاحت الرئيس جعفر نميري، بوصفه أعلى قادة الجيش، وبتنسيق مع قادة الانتفاضة من أحزاب ونقابات، قبل أن يسلم السلطة للحكومة المنتخبة في العام التالي. بهدوء قل مثيله سلم سوار الذهب مقاليد السلطة للحكومة الجديدة المنتخبة برئاسة رئيس وزرائها الصادق المهدي، ورئيس مجلس سيادتها أحمد الميرغني، وبعدها اعتزل العمل السياسي فاعطى مثالا رائعا في بلداننا العربية  للنزاهة والزهد في الحكم والديمقراطية.

** ماذا فعل في قطر؟

في  قطر عمل بها مستشارا للشؤون العسكرية عند الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني حاكم قطر آنذاك. وكان بمثابة قائد للجيش والشرطة، وهو أول من فرز الأرقام العسكرية وحدد أرقامًا منفصلة للشرطة وأرقامًا أخرى للجيش، ومن ثم قام باستبدال الزي العسكري والبزات العسكرية ببزات جديدة، وتحديد كل سلاح على حدة بفصل الجيش عن الشرطة وتأسيس كيانين مستقلين هما شرطة قطر والقوات المسلحة القطرية.

** تفرغ للاعمال الاجتماعية والتعليمية

شارك “سوار الذهب” بفكره وخبرته في كثير من المؤتمرات المحلية، والإقليمية، والعالميـة، المهتمَّة بالعمل التطوعي والدعوة الإسلامية، وكان له دور كبير بدعم التعليم، والعمل الصحي، والاجتماعي، في بلاده، فهو رئيس مجلس أمناء جامعة كردفان، التي منحته درجة الدكتوراة الفخرية تقديرًا لدوره في قيامهـا، ومؤسس كلية شرق النيل الجامعية، وأحد المساهمين في تأسيس جامعـة أم درمان الأهلية.

ورأس “سوار الذهب” عددًا من جمعيات أصدقاء المرضى، إضافة لكونه رئيسًا للصندوق القومي للسلام في السودان، ورئيسًا لهيئة جمع الصف الوطني التي تُعنى بإيجاد الحلول للقضايا السودانية وفي مقدّمتها قضية دارفور. وقدم بحوثًا في مؤتمرات كثيرة عن الإسلام والدعوة إليه، والتحديات التي تواجهه على المستويين المحلي والعالمي، وهو عضو في إحدى عشرة مؤسسة إسلامية عالمية.

في عام 2004 فاز بجائزة الملك فيصل العالمية المخصصة لمن قدم خدمات جليلة للدين الإسلامي، وقالت وكالة الأنباء السعودية حينئذ إن سوار الذهب قد اختير بين 13  شخصية إسلامية عامة رشحت للجائزة في ذلك العام، وإن الاختيار جاء بناء على "العمل النبيل الذي كان محل افتخار للعالمين الإسلامي والعربي

توفي في مـــــــثل هذا اليوم  / 18 أكتوبر 2018) بالمستشفى العــــــــسكري بالرياض بالمملـــــــكة العربية السعودية عن عمر ناهز الـ84 عاما، ودفن حسب وصيته في المدينة المنورة.

الى رحمة