الإشاعة بداياتها وأنواعها وكيفية التصدي لها
سامي الزبيدي
المقدمة
1 .الإشاعة عبارة عن خبر أو حكاية مفبركة يجري تداولها بين الناس دون معرفة المصدر الحقيقي لها ودائما ما يكون لها مساس بحياة الناس والأوضاع العامة للمجتمع والبلد لذا فهي تنتشر بسرعة حيث تجد المكان الملائم للانتشار بين الناس السذج والبسطاء وذوي النفوس الضعيفة ويعمل على انتشارها أشخاص متفننون في هذا الأمر,وفي السلم تؤثر الإشاعة على الحياة المعيشية للناس ومشاكل الحياة الاجتماعية كازدياد نسب الجريمة والسرقات والاختطاف وسوء الخدمات والسرقات الكبرى وكما يحدث في مجتمعنا هذه الأيام حيث اختلطت الإشاعة مع الحقائق فأصبح تأثيرها أكبر على حياة الناس , وفي الحرب والمعارك يصل تأثيرها الى القوات المسلحة وهنا تتعقد المشكلة لان الأمر يتعلق بأمن الوطن وأمن القوات المسلحة ويصبح لزاماً على الجهات المختصة وكافة المواطنين محاربتها والتصدي لمروجيها حفاظاً على أمن البلاد وسلامة قواتنا المسلحة وهذا ما يهمنا في بحثنا هذا لان جيشنا وقواتنا الأمنية تخوض معارك تحرير مدننا من عصابات داعش وهناك بعض ضعاف النفوس والعقول ممن يروجون للإشاعات للتأثير على سير المعارك ومعنويات القطعات . كيف تبدأ الإشاعة
2. من الصعب معرفة بداية الإشاعة ومصدرها لان البادئ بها لا ينسبها لنفسه فالإشاعة دائما ما تكون مسبوقة بكلمة يقال أو يقولون ولكن من هو القائل والقائلون لا أحد يعرف وتولد الإشاعة وتتكون في حالات عديدة أهمها: أ. من خبر غير صحيح
ب . من تلفيق خبر فيه بعض الصحة
ج . من البالغة والتهويل لخبر فيه شئ من الصحة
3. ان كل حالة من الحالات أعلاه تشكل خطر كبير على أمن القوات المسلحة وسلامتها وعلى معنويات المقاتلين ومعنويات الشعب أيضاً لذا يجب على شعبة أو مديرية الحرب النفسية في القوات المسلحة فتح دورات وإلقاء محاضرات على منتسبي القوات المسلحة ويركز في هذه الدورات على مواضيع مهمة وهي كيف تبدأ الإشاعة ولماذا تنتشر وكيف يتم مكافحتها وهذا الأمر يتطلب وجود أشخاص متخصصين في هذا الجانب يعرفون مستويات تفكير المشاركين في الدورات لغرض إيصال المعلومات لهم كل ضمن مستوى تفكيره .
أنواع الإشاعة
4 . يصنف علماء النفس الإشاعة الى ثلاثة أنواع هي : أ . إشاعة الخوف وهي الإشاعة التي يعتقد سامعوها ان ما يسمعونه حقيقة ولها تأثير مهم على القوات المسلحة وعامة المجتمع ومن أمثلتها ان العدو وصلت إليه أسلحة متطورة وتعزيزات كبيرة والغرض من هذه الإشاعة إضعاف المعنويات وإثارة الخوف في صفوف المقاتلين وقد يتعدى تأثير إشاعة الخوف القوات المسلحة ليشمل المجتمع كله كان يقال ان تفجيرات كبرى ستضرب العاصمة أو مدن محددة أو مناطق معينة أو ان بعض الإرهابيين سيشعلون حرائق كبيرة في الأسواق التجارية والمناطق السكنية المزدحمة وتسبب هذه الإشاعة نزوح الناس عن المناطق المرشحة في الإشاعة مما يولد الخوف والهلع والإرباك والخطر, ان نقل هذه الإشاعات في أول الأمر تبدو وكأنها من المحتمل حدوثها ثم يتطور أمر الإشاعة وكأنه أمر متوقع حدوثه ثم يتحول الى الحالة الأكثر تأثراً وهي ان الأمر واقع لا محالة وهذا هو خـــــــطر الإشاعة الأكبر .
ب . إشاعة الأمل والتفاؤل وهي بالضد من إشاعة الخوف وهي الإشاعة التي يرجو الجميع أن تكون حقيقة كقرب القضاء على داعش وهروبه من ما تبقى من المدن التي احتلها بعد هروب قادته وهذه الإشاعة تخفف التوتر والقلق عن المجتمع وترفع معنويات المقاتلين وأخبار مثل هذه يتم تداولها بسرعة ويكثر سامعيها حتى تصبح إشاعة أمل ويجب الانتباه هنا إذ أن خبراً لا وجود له أو لا يمكن تحقيقه سيكون تأثيره عكسي على المجتمع والقوات المسلحة فتؤثر على الحالة المعنوية لهم , وإشاعة الأمل قد يلجأ إليها العدو كما يفعلها الصديق فالعدو يشيع إشاعة الأمل الكاذب الذي تظهر حقائقه لاحقاً فينقلب الأمل والفرحة الى يأس بينما الصديق يلجأ الى إشاعة الأمل لتخفيف معاناة الناس وإسعادهم بأخبار مفرحة ولرفع معنويات المقاتلين وشحذ هممهم .
ج . إشاعة الحقد وهي أخطر أنواع الإشاعات وخطورتها تكمن في أنها تتعلق بأمور لها علاقة بمصير الأمة والشعب وهي سريعة الانتشار وكبيرة التأثير ومن أمثلتها التي تؤثر على الأوضاع الحالية للشعب العراقي كأن يقال ان الحكومة ستلغي البطاقة التموينية بشكل نهائي أو أنها ستقلص رواتب الموظفين والمتقاعدين ومعهم أبناء القوات المسلحة الى النصف بسبب الضائقة المالية التي يمر بها البلد , ان الغاية من هذه الإشاعة الخطرة هو زعزعة ثقة الشعب وقواته المسلحة بالحكومة وبث الكراهية في نفوس الشعب ضد الحكومة والدولة لذا يجب تحصين المجتمع وأبناء قواتنا المسلحة من مثل هذه الإشاعة ويجب على المواطنين عدم تصديقها لأنها تفزع الشعب وتربك والقوات المسلحة وتولد نوع من عدم الثقة بين الشعب والقوات المسلحة والحكومة تكون نتائجها مضرة بمعنويات الشعب والقوات المسلحة وبالتالي تؤثر تأثيراً كبيراً على العمليات العسكرية والأمنية وعلى مجمل الأوضاع العامة في البلد .
متى وكيف تنتشر الإشاعة
5 . تنتشر الإشاعات وتجد المناخ الملائم لتروجها ويكون من السهولة تداولها ونشرها عندما تضطرب الأوضاع العامة للبلد خصوصاً الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية وعندما تستمر الحروب والمعارك فترات طويلة كما يحصل في بلدنا هذه الأيام فتكون أعصاب الناس متوترة والشعب قلق من حالة تردي الأوضاع المعيشية والأمنية وهنا يكون الأمر سهلاً للترويج للإشاعة والشعب في وضعه المضطرب على استعداد تام لتقبل كل إشاعة وهنا يتطلب الأمر من الحكومة والشعب ان يكونوا واعين لمثل هذه الإشاعات الخطرة وعلى مستوى المسؤولية الكبيرة للتصدي لمروجيها من أعداء الشعب وعلى الحكومة تحصين الشعب من مثل هذه الإشاعات بإجراءات وتطمينات ملموسة تفند كل إشاعة خطرة تمس الحياة العامة للمجتمع وللقوات المسلحة .
كيفية التصدي للإشاعة وإيقافها
6 . ان عملية التصدي للإشاعة ومنع انتشارها وإيقافها يتطلب عمل كبير ومشترك بين الحكومة وأجهزتها المختلفة خصوصاً الأجهزة الأمنية والاستخباراتية والمؤسسات التي تعني بعلم النفس ووسائل الإعلام الحكومية وبين مؤسسات المجتمع المدني والوسائل والإمكانات التي تتمتع بها بالإضافة الى وسائل الإعلام الغير حكومية فتتضافر جهود كل هذه العناوين مع جهود أبناء الشعب للتصدي لكل إشاعة والوصول الى مروجيها وتكذيبها بحقائق ملموسة وسريعة لمنع انتشارها .
ان الذي يهمنا هنا كيفية التصدي للإشاعة التي تتعلق بعمل قواتنا المسلحة وهي تخوض معارك تحرير مدننا من قبضة عصابات داعش الإرهابية لان خطر هذه الإشاعة في هذه الظروف التي يمر بها بلدنا وقواتنا المسلحة لا يؤثر على القوات المسلحة وأدائها ومعنوياتها فقط بل يمتد تأثيرها الى الشعب العراقي بأكمله فعلى المؤسسات العسكرية والأمنية التي تعني بعلم النفس العسكري ومديرية التوجيه المعنوي ومديرية الاستخبارات العسكرية واستخبارات الداخلية أن تشكل فريق عمل متخصص ويجري التنسيق الكامل بين كل جهاته للوصول الى الوسائل المهمة للتصدي للإشاعة وإيقافها عند حدها ومنع انتشارها بل وتكذيبها ويمكن لهذا الفريق إتباع الإجراءات التالية لتسهيل مهمته وإنجاحها :
أ . التصدي للإشاعة المتناقلة وطبعها على وسائل إيضاح وفي النشرات وتذكر إزائها الحقائق التي تدحض هذه الإشاعة وتوزع هذه النشرات في جميع التشكيلات والوحدات العسكرية والأمنية.
ب. عمل لوحات كوسائل إيضاح لتوضيح خطر الإشاعة وأسباب ترويجها وكيفية التعامل معها وتوضع في جميع التشــــــكيلات والوحدات .
ج . طبع كراس صغير عن الإشاعة وخطورتها وكيفية التصدي لها ويوزع على جميع الوحدات والتشكيلات .
د . إلقاء محاضرات من قبل الآمرين وضباط التوجيه المعنوي وضباط الاستخبارات عن خطر الإشاعة وأسباب ترويجها وكيفية محاربتها.
ه. تذكير المقاتلين بعدم إفشاء أية معلومات عند تمتعهم بالإجازة عن أماكن انفتاح القطعات وأماكن أسلحتها ومعداتها ومهامها المقبلة قد يستغلها العدو وعملائه لبث إشاعات مغرضة .
و . يجب اطلاع الضباط والمقاتلين عن الحقائق دوماً فالحقيقية تفند الخبر الكاذب والإشاعة المدسوسة .
ز . مراقبة العناصر التي تثرثر كثيراً فهي الأنسب للترويج للإشاعة ونشرها وتوضيح خطورة عملهم ومحاسبتهم. الخاتمة .
7. ان عملية صناعة الإشاعة والترويج لها عمل خطير وخطره جسيم يهدد أمن القوات المسلحة وأمن الوطن ويضعف معنويات المقاتلين ومعنويات الشعب لان الإشاعة تجعل من الأكاذيب أشبه بالحقائق التي تجد المناخ والأرضية المناسبة لشيوعها وذلك عندما يكون المقاتل والمواطن غير محصن من الإشاعة وعندما تسوء الأوضاع الأمنية و الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية فيصبح من السهولة تقبل الإشاعة وانتشارها لذا على أبناء شعبنا خصوصاً المقاتلين منهم في مختلف القوات العسكرية والقوات الأمنية تحصين أنفسهم ضد الإشاعة المغرضة و محاربتها والتصدي لها و لمروجيها والإبلاغ عنهم وعلى الأجهزة الحكومية المخابراتية والإعلامية وغيرها وعلى القوات المسلحة والقوات الأمنية وأجهزتها الاستخباراتية التنسيق المستمر والعمل الجاد لتحصين المقاتلين من خطر الإشاعة ومنع انتشارها والتصدي لها ومحاسبة مروجيها حفاظاً على أمن القوات الأسلحة وأمن البلاد .