ما بعد الحلم لسالم ناشي .. تدفق زمني لتشظي الرؤيا
محمد يونس محمد
الرؤيا المتشظية
منذ ما قدم لنا فوكنر رواية الصخب والعنف اصبح من اللزوم تغير الشكل الروائي, وليس هذا فقط بل كان على الواقعية أن تنحى نحو الاختلاف على نفسها, أو بتعبير ادق أن تعارض نفسها, وتلك ليست سياقات تعارض السياق العام التاريخي, بل هناك تطور طبيعي لبنية الرواية, وصراحة دور فريجينا وولف وبيكيت وجيمس جويس يعتبر بأهمية كبرى لتحول الرواية, والدور الاكبر هو ما جماعة الرواية الجديدة في فرنسا, من مثل كلود سيمون والان روب غرييه وناتالي ساروت, حيث الرواية الجديدة قلبت الموازين, فحين كان الإنسان هو المركز والهرم, فتحولت كبديل له الاشياء, وتلك القضية اثرت على افكار الرواية, وليس اصبح الإنسان في هزيمة مخزية, لكن تحولت الرواية من الحبكة نحو الموضوع, وهذا ما اتاح للكتابة تنفتح على مجالات عديدة, وكما إن السرديات الكبرى هنا انحدرت بانحدار الإنسان, وتحولت الرواية من تمثيل العالم نحو تمثيل الذات, والذات هنا ليس الشخصية بل الوعي والعقل والثقافة, وتلك التغيرات نفس فرنسي, بالرغم من رواية امريكا الجنوبية استعارت الفكرة بطريقة مختلفة, ويبقى النفس الفرنسي في التفرد كما يرى تودوروف, وفي الانفتاح بنظرية الرواية نحو تلك الفكرة قد ارتفعت نسب الاساليب نحو معنى روائي ليس كحدث بل كموضوع روائي يحرك التفاصيل, وفي رواية – ما بعد الحلم – لسالم ناشي الصادرة من دار الورشة نجد الرؤيا قد تشظت, أو يمكن القول ثلمت الدلالة واعيد انتاجها .
ليس من السهولة فصل عن الكم الهائل أن تجد رواية تسعى نحو الاهمية بعد تطوير اللغة والتقنيات والمضامين, وقد تمكنت رواية – ما بعد الحلم – فهي ليست سعت فقط بل حققت نقطة مهمة, فتمكنت من ان تكون الرؤيا أو فلسفة المؤلف أو المنظور الروائي, ليست كما كانت سابقا, حيث تشظت تلك الرؤيا, وتحولت نحو رؤية متعددة, حيث تنتقل عملية القراءة في لحظة من رؤية نحو أخرى, وذلك العمل يحتاج إلى طاقة لغوية من جهة, ونباهة في الكتابة مستمرة, حيث ليس هناك حدث متسلسل, بل هناك موضوع أو اكثر يحتمل عدة تفاصيل حتى مختلفة, والمتن ليس بنفس واحد, ولا تفاصيل معينة تكتسب تفاصيل مثيلة لها, فالتفاصيل في الرواية سرعان ما تتخلى عن نفسها لتفاصيل أخرى, وتلك كذلك ويستمر الاسلوب بالتحول من معنى روائي نحو آخر, وهناك منعرج غادمير يلغي هيمنة السياقات, فأي نوع من التفاصيل يمكن أن يستعاد, ونلاحظ في الرواية قد استعيدت تفاصيل الجامعة أكثر من مرة, ونوع المنعرج الغادميري يمكن الرواية من استعادت التفاصيل من جديد, وهذا ما اكسب الرواية المتعة المعرفية, حيث عملية القراءة لا تستمر بسياق احادي من البداية نحو النهاية, بل يأتي سياق آخر يكون كبديل لذلك السياق, وهنا تكون الكتابة في نشاط نوعي, وكما أن الخيال بطاقة خلق يكون متحررة من السياق الاحادي وهيمنته على التفاصيل .
التسريع ووحدة الزمن
تشكل التغيرات السريعة في آخر مراحل الحداثة من وحدة الزمن, والتي مرت بتسريع جامح, دعمت الكتابة الروائية في تحقيق عوالم لم تمر بالتفكير الاجتماعي, ويمكن القول بأن ما بعد الحداثة جعلت الرواية أن تتحول من الحبكة الحدث الاحادي نحو عوالم تحتاج ادراك منا, والتسريع في الرواية استغل من قبل الكتابة الروائية في امريكا الجنوبية, والت ليست فقط قامت بمحاكاة النفس الفرنسي في الرواية الجديدة, بل اكتسب الرواية صورة أخرى مثيرة جدا, وتمكن يوسا من اقلاق العالم الروائي, فحطم السياقات العامة في رواية – مديح الخالة – حيث بدلا من تلك الازمنة البائسة القديمة انتج وحدات زمنية جديدة, وتلك الوحدات الزمنية في نشاط بشري مختلف, ويمكن القول بأن رواية – ما بعد الحلم – قد استفادت من ذلك التغير الزمني المثير, ففي الرواية نجد هناك وحد زمن تستغل ميلان وحدة زمن أخرى نحو العدم فتحل محلها, وبذلك ستحل تفاصيل محل تفاصيل سابقة, وتلك الوحدة الزمنية لم تأتي بعد تواصل زمني عضوي مستمر, وقامت بقطع استمرار ذلك الزمن, بل إن نسق الكتابة الجديد, في ظروف الكتابة داخل التفكير التحول من افكار نحو أخرى, لكن ليس هناك صياغة قسرية, بل هناك تمهيد من خلال افكار أو تفاصيل, الذهاب من سائق السيارة والحوار خارج المألوف, تكشف لنا التفاصيل اللاحقة عن تغيرات وجودية, ومسألة تحول الاجرة إلى ثلاثة اضعاف, هي غاية للمؤلف سالم ناشي لتجاوز المدرك والمعرف بنفسه, وها مهم في الكتابة الرواية من هكذا نوع مختلف جدا .
تشكل فكرة الزمن في بنية الرواية أحد الجوانب التي تحتاج إلى تفسير موضوعي, ومن المؤسف بأن النقد التقليدي لا يصل لتحليل وحدات الزمن وأبعادها, ونحن نقر بأن ودة الزمن ليست بذات الاهمية اتي يمتلكها الحدث, لكن الحدث هو من نصيب القارئ العام وليس ذلك الذي يمتلك خصوصية فكرة ازاء الرواية, ونحن هناك امام رواية – ما بعد الحلم – حيث العنونة تبتعد بنا حت عن الحلم, فما الذي تبقى لنا في الرواية غير تلك الافكار المترادفة بوحدات زمن ليس بعضوي, كي تسعى لنتيجة, وكل النتائج التي تحتاج لتفسير بالرواية هي نسبية بمؤشر منخفض جدا, وعلينا استيعاب هذه الفكرة التي تواجهنا اكثر من مرة, وحتى ذلك الاسلوب الذي تجاوز من التداول للفصول بتفسير احادي, فكانت هناك عتبات ما أن ينتهي متن احداها حتى نواجه متن أخرى, وكانت تلك الغرف وما تميزت به من وحدات زمن, وهي وجهة نظر اسلوبية ترتبط بكون الرواية هي من حققت مبدأ تداخل الاجناس, واستثمرت ذلك رواية – ما بعد الحلم – حيث لك غرفة نفس وجودي, وتلك العتبات التي بدأت في الفصل الحادي عشر, هي تحتم فكرة الميتا نص, لكن وحدة الموضوع والتزام المؤلف والراوي والسارد بها تبعدنا نسبيا عن تلك الفكرة .
امتياز لساني للغة
عندما تواجه رواية افكار فمن الطبيعي ستحتاج إلى استدلال لساني, وحتى في الكتابة العابرة علينا دراسة اللغة عبر المعرفة اللسانية واستهداف نسق الجمل, وفي التحليل اللساني للغة الكتابة يكون هناك ابعاد نسبي للشخوص إذا كانوا في مدار واحد للغة, وفي التحرر من المدار الاحادي يمكن فصل لغة شخصية عن شخصية أخرى, وفي رواية – ما بعد الحلم – هناك نسبة كبيرة للغة تميزت في البعد الصوتي للراوي السارد, لكن تلك اللغة ما كانت بنمط تفسير احادي, بل تعدد انماط اللغة, وهذا ما يعطي للغة من امتيازات لسانية, وتلك الانماط تحتاج إلى فصل لساني من نمط إلى آخر, ففي الفصل الأول ما بعد المستهل نجد التعبير اللغوي – احاول إماطة اللثام ما تبقى مني – وهنا اللغة تحتمل التجاوز للشكل الاجتماعي, وتقترب من الحس اكثر, وذلك ما يرفع نسب الشاعرية في الرواية, وبالرغم من ذلك الاغتراب الواضح, والشعور بالخوف والقلق في الفصل السادس, حيث ينحبس السارد في رواية – المسخ – لكافكا, وهذا ما يستوجب وجود التفسير اللساني المختلف, وعلى المستوى النفسي للغة يختلف الشعور اعابر عن شعور مقلق ومرعب, وتلك السمات في الامتياز اللساني جعلت الرواية وحدة زمن لغوية دائرية, وفرضت علينا الاستمرار معها في الدوران .