الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
من فوردو إلى نيويورك: ماذا لو عاد القرار 2231

بواسطة azzaman

من فوردو إلى نيويورك: ماذا لو عاد القرار 2231

طالب محمد كريم

 

لم تكن الجولة الأخيرة من التصعيد مجرّد مواجهة عسكرية تقليدية، بل لحظة فارقة في تاريخ الشرق الأوسط الحديث. فالحرب، على قِصر مدتها، عمّقت إرهاق الأطراف، وأعادت رسم خطوط جديدة لما يُسمّى (الردع)، وكشفت حدود القوة والقدرة على المناورة. ومع إعلان وقف إطلاق النار، لم تبدأ مرحلة السكون، بل مرحلة الأسئلة الكبيرة: ماذا بعد؟ من خرج منتصراً فعلاً؟ ومَن يكتب سردية النصر؟ وكيف سيتعامل الإقليم مع تداعيات انفجار كاد أن يتوسّع إلى ما هو أوسع من مجرد مواجهة محدودة؟

في زمن تتداخل فيه السياسة بالنار، والدبلوماسية بالبارود، بدا واضحاً أن ميزان القوى لم يعد يُقاس فقط بعدد الطائرات والصواريخ، بل بقدرة كل طرف على تحصين مصالحه، وفرض حضوره، وإقناع الداخل والخارج بأنه رقم لا يمكن تجاوزه في أي معادلة قادمة. الشرق الأوسط، الذي عاش لعقود في ظل (توازن رعب)هش، يبدو اليوم وكأنه يقترب من نموذج جديد: (توازن المصالح)، حيث الحسابات لم تعد فقط أمنية أو أيديولوجية، بل اقتصادية واستراتيجية، تسير بحذر على خيط مشدود بين الحرب والسلام، بين الرغبة في التصعيد والخوف من تكاليفه.

ما بعد وقف إطلاق النار، لا يعني أن الحرب قد انتهت، بل إنها غيّرت جلدها. فالمعارك الكبرى تُخاض اليوم على طاولة المفاوضات أكثر مما تُخاض في الميدان. القرار الأممي 2231، الذي شرعن الاتفاق النووي في 2015، ظل حبيس الرفوف بعد انسحاب ترامب منه عام 2018، مدفوعاً بضغط اللوبيات الصهيونية ومبدأ الانسحاب من إرث أوباما. ثم جاء بايدن، يحمل وعد العودة، لكنه اصطدم بواقع معقد، وداخل أمريكي منقسم، وعناد متبادل من الطرفين. الإصلاحيون في إيران الذين كانوا أكثر انفتاحاً للتفاوض، تم تهميشهم بفعل الضغط المتبادل، فيما المحافظون عزّزوا خطاب المواجهة، ما عقد المشهد.

الفرصة التي ظهرت بعد الجولة الأخيرة ليست في التلويح بالحرب، بل في ترميم إمكانية التفاوض بشروط جديدة. لا سيما في ظل الموقف العربي الخليجي، الذي وقف بشكل لافت – إعلامياً ودبلوماسياً – إلى جانب طهران في وجه الضربات الإسرائيلية، وهو ما يُعدّ تحولاً مهماً، إذا ما أحسن استثماره، في كسر العزلة الإقليمية التي طالما عانت منها إيران.

أما السيناريوهات القادمة، فهي تتوزع بين:

١- سيناريو التصعيد المؤجل: حيث تبقى الجبهات مفتوحة سياسياً واستخبارياً، دون اندلاع حرب شاملة، مع استمرار الضغط الاقتصادي والإعلامي.

٢- سيناريو التفاوض المرحلي: حيث تبدأ جولات غير مباشرة، بوساطات عُمانية أو قطرية، تُمهّد لصفقة شاملة أو تجزئة الملفات.

٣- وسيناريو إعادة ترتيب التحالفات: حيث تجد دول الخليج وإيران فرصة لإعادة بناء جسور الثقة، بعيداً عن لعبة المحاور التقليدية.

 

في فلسفة التاريخ، لا تُقاس أهمية الأحداث فقط بما يُنجز على الأرض، بل بما يُروى عنها لاحقاً. الحرب ليست لحظة انفجار فقط، بل لحظة ولادة سردية جديدة. وكما يقول إدغار موران، فإن التاريخ لا يُصنع فقط من الوقائع، بل من كيفية تفسير تلك الوقائع، ومن يملك أدوات تأويلها، ومتى يُعلن نهايتها.

لقد علّمتنا هذه الجولة، أن امتلاك الصواريخ لا يعني امتلاك الرواية، وأن إسقاط الطائرات لا يُسقط الشرعية أو يعيد تشكيل ميزان القوى ما لم يُترجم إلى سردية مقنعة، تُقنع الحلفاء قبل الخصوم، والشعوب قبل النخب.

اليوم، إيران أمام اختبار مزدوج: أن تُحسن إدارة ما بعد المعركة كما أدارت صمت ما قبل الرد، وأن تتحول من (الردع المقاوم) إلى (المفاوض القوي). وأن تستثمر التبدل العربي الظاهر – ولو إعلامياً– لصالحها، لا أن تخسره بسلوك انفعالي. كما أن على المجتمع الدولي، إن أراد حقاً تثبيت الاستقرار، أن يُعيد تفعيل قرارات مثل القرار الأممي 2231، لا أن يتركه عرضة لمزاج الرؤساء، كما فعل ترامب حين انسحب منه دون بديل، وفشل بايدن في إعادته رغم وعوده.

هنا فقط، يمكن للمنطقة أن تنتقل من دائرة التصعيد المستمر، إلى لحظة نادرة: لحظة تقاطع الممكن السياسي مع الحكمة التاريخية. وهي لحظة لا تأتي كثيراً … لكنها إذا جاءت، تصنع فارقاً لا تصنعه آلاف الطلقات والصواريخ.


مشاهدات 131
الكاتب طالب محمد كريم
أضيف 2025/07/01 - 2:20 PM
آخر تحديث 2025/07/02 - 9:45 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 242 الشهر 863 الكلي 11154475
الوقت الآن
الأربعاء 2025/7/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير