قياديو تحرير الشام في مراكز القرار
محمد علي الحيدري
تشهد سوريا تحولا بارزا مع تداول أنباء عن تعيين قياديين من هيئة تحرير الشام في مواقع عسكرية وأمنية ضمن السلطة الجديدة التي تتشكل بعد تراجع النظام السابق.
هذه الخطوة، التي تأتي في سياق إعادة ترتيب المشهد السياسي والأمني، تثير جدلا عميقا حول أهدافها الحقيقية وتداعياتها على مستقبل البلاد. هيئة تحرير الشام، التي كانت لسنوات أحد أبرز الفصائل المسلحة ذات التوجه المتشدد، أصبحت فجأة جزءا من معادلة السلطة، في تحول يرى فيه البعض خطوة براغماتية لتطويع الهيئة واستثمار نفوذها، بينما يراه آخرون إشكالية كبرى تهدد تطلعات الشعب السوري نحو دولة علمانية مدنية ديمقراطية.المعارضة العلمانية السورية، التي رفعت راية الثورة ضد النظام المستبد منذ بدايتها، ترى في هذه التعيينات انعكاسا لانحراف المسار السياسي. فإشراك هيئة لها تاريخ طويل من القمع والإقصاء في إدارة الدولة يُعد، بالنسبة لهذه المعارضة، امتدادا لمنهجية السيطرة العسكرية، وإن تغيرت الوجوه. هذه المخاوف تعززها تجربة الهيئة في إدارتها لمناطق نفوذها، حيث ارتبط وجودها بتقييد الحريات وتطبيق سياسات أيديولوجية صارمة.على الجانب الآخر، يبرر المؤيدون لهذا التوجه هذه الخطوة بضرورات الواقع، مشيرين إلى أن هيئة تحرير الشام أظهرت قدرة على فرض النظام الأمني والاستقرار النسبي في المناطق التي تسيطر عليها، مما يجعلها شريكا واقعيا في المرحلة الانتقالية. ومع ذلك، يظل السؤال مفتوحا حول قدرة الهيئة على التحول من فصيل عسكري إلى جزء من مشروع سياسي وطني جامع.دوليا، تضع هذه الخطوة السلطة الجديدة في سوريا أمام تحديات كبيرة. الدول الغربية التي دعمت المعارضة لن تنظر بعين الرضا إلى إشراك هيئة ما زالت مصنفة إرهابية في دوائرها. إقليميا، يثير صعود الهيئة إلى مواقع القرار قلقا من تأثير ذلك على استقرار المنطقة، خاصة في ظل انعدام الثقة في تخليها عن أجندتها الأيديولوجية. يبقى الأهم أن هذه التعيينات تعيد فتح النقاش حول مسار سوريا الجديد: هل يتم توجيه السلطة نحو توافق وطني يشمل الجميع، أم أنها تتبنى خيارات قد تؤدي إلى تعميق الاستقطاب وزيادة تعقيد المشهد السياسي؟ التجربة السورية أثبتت أن أي محاولة لتهميش أطياف واسعة من المجتمع، سواء من خلال النظام أو المعارضة، تنتهي دائما إلى إعادة إنتاج الأزمات.في المحصلة، تبدو هذه التعيينات كخطوة محفوفة بالمخاطر. قد تكون جزءا من ترتيب سياسي ضروري لملء الفراغ الأمني والسياسي، لكنها في الوقت نفسه تثير شكوكا كبيرة حول إمكانية تحقيق استقرار حقيقي ودائم في سوريا. الأيام المقبلة ستكشف ما إذا كانت هذه التعيينات مقدمة لمرحلة جديدة، أو أنها مجرد فصل جديد من فصول الأزمة السورية الراهنة.