قانون الموازنة بين طاولة الحكومة وإدراج البرلمان
كَوفند شيرواني
يحتدم النقاش والجدال في نهاية كل عام عندما يحين وقت تشريع قانون الموازنة العامة للعراق. والموازنة العامة, وكما عرفها قانون الادارة المالية الاتحادية رقم (6) لسنة 2019, هي خطة مالية تعبرعما تعتزم الدولة القيام به من برامج ومشاريع, وتتضمن جداول لتخمين الإيرادات والنفقات بجزئيها النفقات الجارية و النفقات الاستثمارية لسنة مالية واحدة). وتنظم الموازنة العامة للدولة بقانون يشرع عادة كل عام ويصبح نافذا بعد نشره في الجريدة الرسمية (الوقائع العراقية). ويعبر قانون الموازنة عن السياسة المالية والاقتصادية وبرامج التنمية, وعليه فجميع الدول تحرص على تشريع قانون الموازنة قبل بداية السنة المالية التي تخصها الموازنة.
خطوات اعداد الموازنة
أوجزت مواد قانون الادارة المالية الاتحادية (المواد 2-10) الخطوط العامة والمراحل والتوقيتات الزمنية التي يفترض أن يمر بها إعداد الموازنة ويمكن تلخيصها كالآتي:
* يتم اعداد تقرير عن أولويات السياسة المالية والاستراتيجية والبرنامج الحكومي وذلك من قبل وزارتي التخطيط و و المالية في بداية شهر آذار للسنة التي تسبق الموازنة, (المادة 3-أولا). وتقوم اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء بدراسة التقرير ويرفع بعدها إلى مجلس الوزارة لإقراره ويكون أساسا لمسودة قانون الموازنة (المادة 3-ثانيا).
* تبين وزارتا المالية والتخطيط المعالم الاقتصادية الرئيسية لخطة التنمية وأهداف السياسة المالية في ضوء التقرير المقدم وذلك خلال شهر مايس من كل سنة (المادة 4-ثالثا).
* خلال شهر تموز من السنة التي تسبق الموازنة, ترسل الوزرات مقترحاتها وتقديراتها مرتبة في جداول تفصيلية الى وزارة المالية التي ستدرس وتضمن هذه المقترحات في مشروع قانون موازنة السنة اللاحقة (المادة 6-أولا). وتقدم تقديرات كلف المشاريع الاستثمارية والنفقات التشغيلية لها بصيغتها النهائية بحلول شهر تموز (المادة 6-ثالثا).
*وفي مطلع شهر آب, يقدم مشروع قانون الموازنة بصيغته النهائية الي مجلس الوزراء للمصادقة (المادة 8).
مصادقة مجلس النواب
بين قانون الادارة المالية الاتحادية (المادتان 12 و 13) مراحل المصادقة أو اقرار الموازنة وكما مبين في أدناه :
* مشروع قانون الموازنة العامة تتم مناقشته في مجلس الوزراء قبل منتصف شهر تشرين الأول من كل عام ثم يرسل إلى مجلس النواب (البرلمان) (المادة-11).
* يناقش مجلس النواب مشروع قانون الموازنة وله صلاحية اجراء المناقلات بين أبواب وفصول المشروع, وكذلك تخفيض أو زيادة إجمالي النفقات (المادة 12). على أن يتم إقرار المشروع قبل نهاية السنة السابقة للموازنة.
* وفي حال تأخر إقرار الموازنة حتى نهاية شهر كانون الأول, تقوم وزارة المالية باصدار أعماما باعتماد الصرف بنسبة يعد قانون الموازنة فاعلا (نافذا) ويتم تطبيق مواده بعد نشرالقانون في الجريدة الرسمية (جريدة الوقائع العراقية).
تأخر أم تاخير إقرار الموازنة
الموازنة العامة للدولة هي بمثابة المحرك الأساسي للسياسة المالية والاقتصادية في البلاد, وبناء على ذلك تعمل الحكومات على تمرير هذا القانون وتشريعه قبيل حلول السنة المالية الجديدة, تلافيا للتبعات والنتائج السلبية للتأخير على كفاءة وأداء مؤسسات الدولة والحركة الاقتصادية والمالية في البلاد.
غير أن مشاريع قوانين الموازنة العامة في العراق ولجميع السنوات السابقة كانت تتأخر (أو ربما يتم تأخيرها) دائما في التشريع. فعلى سبيل المثال فالقانون الحالي (قانون رقم 13 لسنة 2023 , قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنوات المالية 2023-2024-2025) نشر في الجريدة الرسمية يوم 26-6-2023, أي بدأ تنفيذه في النصف الثاني من العام 2023 ! وبالتالي, تأخر ارسال التمويل اللازم للعديد من المشاريع القائمة والجديدة لسنة 2023, وتلكأ بالتالي العمل في تلك المشاريع.
ولاحظ المتابعون للشأن المالي والاقتصادي, أن من الاسباب التي سجلت (ولا تزال) لتأخير اقرار الموازنة في مجلس النواب, المناقشات والمجادلات المطولة التي تجرى بشأن مواد القانون المختلفة, وهذه المناقشات أغلبها تكمن ورائها مصالح وأجندات سياسية أو منافع حزبية ومناطقية أو فئوية لا تعود بالنفع للصالح العام بل وتعمل على الأضرار به. ومن الاسباب الاخرى في التاخير, هو المبالغة في تمويل بعض المشاريع الواردة في مشروع الموازنة والضغط على المجلس لتعجيل صرف المبالغ لها, و في أحيان أخرى, تكون هنالك عراقيل غير مبررة لمشاريع استثمارية أخرى لها أهميتها عجالتها.
وتعتبر موازنة العام القادم 2025 متأخرة منذ الآن, رغم أن قانونها صادر منذ العام 2023 (قانون الموازنة الثلاثية للاعوام 2023-2024-2025) حيث يفترض أن تكون معظم مواد الموازنة محل اتفاق والتغيير المطلوب يكون فقط في جداول الموازنة لعام 2025 والتي لم ترسل بعد (والى وقت كتابة هذه المقالة) من الحكومة الى البرلمان.
قامت رئاسة الوزراء بارسال تعديل مقترح لمادة في قانون الموازنة لتتم مناقشته, وهي المادة (12) وتتعلق باحتساب كلف إنتاج ونقل النفط في اقليم كردستان. وكان جليا أن رئاسة الوزراء أرسلت هذا التعديل بهدف معالجة عقبة كبيرة كانت ولاتزال وراء توقف تصدير نفط الإقليم وجزء من نفط كركوك لمدة (21) شهرا مما ألحق خسائر بالاقتصاد العراقي تجاوزت (23) تريليون دينار. ورغم أهمية هذا التعديل المقترح, الا أن البرلمان أجل قراءته والتصويت عليه لحين عرضه على اللجنة المالية, وهذا يعني ترحيل مناقشته إلى الشهر الأول أو الثاني من العام 2025 . والذريعة الأخرى لهذا التأجيل كانت انتظار وصول جداول الموازنة من الحكومة. ومؤخرا, صدرت تصريحات من اللجنة المالية ترجح الموافقة على المقترح الحكومي للتعديل.
ومهما تكون الأسباب والدوافع والمسوغات وراء تأخير الموازنة, فأن ذلك سيلحق أضرارا بالاقتصاد العراقي و يعطل تنفيذ البرامج الحكومية و بصدارتها الخدمات الاساسية و تنفيذ المشاريع الاستثمارية التي يعول عليها كمسار مهم لزيادة الإيرادات العامة و توفير فرص عمل جديدة لمئات الآلاف من العاطلين في بلد غني قاربت نسبة البطالة فيه (16بالمئة). كما ينظر المواطن الى الموازنة باعتبارها السبيل إلى تحسين الخدمات العامة التي تردت منذ عقود في مجالات لا تشتكي منها بلدان أخرى فقيرة وهي الكهرباء والماء والصحة والتعليم وغيرها. حفظ الله بلادنا وبارك بالمخلصين من أبنائه الذين يعملون بجد وتفاني في خدمة الوطن والمواطن.
استاذ جامعي وخبير نفطي