الفنانون السوريون بين مطرقة النظام وسندان الشعب
خيري بوزاني
شهدت الساحة الفنية في سوريا والعراق محطات متباينة من الإبداع والجدل السياسي، ما يعكس تداخلاً عميقاً بين الفن والسلطة. في سوريا، تألق الفنانون في حقبة الدراما الذهبية، حيث قدموا أعمالاً وصلت إلى مصاف العالمية. لكن في ظل النظام السوري، لم يسلم هؤلاء الفنانون من سهام النقد اللاذع بسبب تصريحات أو مواقف أظهرت ولاءً أو مدحاً لرأس النظام. هذا المدح، الذي قد يكون في بعض الأحيان مجرد إجراء احترازي لضمان الاستمرار في العمل ضمن منظومة قمعية، جُعل ذريعة لتشويه سمعتهم واتهامهم بالارتهان للسلطة.
على النقيض، في العراق خلال الثمانينيات، كان الفنانون ينخرطون في الدعاية المفرطة للحرب مع إيران، مرتدين البزات العسكرية والحزبية، ومرددين شعارات تخدم النظام البعثي. لم تكن تلك المواقف خياراً حراً في معظم الأحيان، بل كانت جزءاً من منظومة سياسية قسرية. ومع ذلك، عندما سقط النظام البعثي في عام 2003، لم تُفتح ملفات الفنانين العراقيين بالحدة نفسها، ولم يتعرضوا لحملة مقاطعة أو تشويه كالتي يتعرض لها نظراؤهم السوريون اليوم.
يثير هذا التباين تساؤلات عن المعايير المزدوجة التي تحكم تعامل الشعوب مع رموزها الفنية. لماذا عفا العراقيون عن فنانين كانوا في يوم من الأيام جزءاً من آلة النظام البعثي، بينما يلاحق السوريون فنانيهم رغم مساهماتهم البارزة في إثراء الدراما والثقافة؟
الفنانون ليسوا بمعزل عن السياق السياسي والاجتماعي الذي يعملون فيه. فهم يعيشون في ظل أنظمة قد تُجبرهم على اتخاذ مواقف معينة لضمان بقائهم. وفي الوقت نفسه، يُتوقع منهم أن يكونوا صوت الشعب وضميره. هذه الازدواجية تجعلهم عرضة للنقد من كل الأطراف: السلطة تتهمهم بالخيانة إن خرجوا عن خطها، والشعب يتهمهم بالتواطؤ إن التزموا الصمت أو أظهروا الولاء.
بدلاً من تحويل الفنانين إلى كبش فداء للصراعات السياسية، ربما يجب النظر إليهم كجزء من منظومة أكبر تفرض عليهم قيوداً وتحديات. إذا كان العراقيون قد اختاروا التسامح مع فنانيهم بعد سقوط النظام، فلماذا لا يختار السوريون النهج نفسه؟ الرحمة التي تُظهرها الشعوب تجاه رموزها الفنية قد تكون خطوة اولى نحو التعافي الوطني.