سرقة ممنهجة للمال العام
ثامر مراد
تعد قضية رواتب رفحاء واحدة من أكبر مظاهر الفساد والاستغلال غير المشروع في تاريخ العراق الحديث. هذه الرواتب، التي تُصرف بلا وجه حق قانوني أو شرعي، تمثل سرقة علنية من أموال الشعب العراقي الذي يعاني من الفقر والبطالة وسوء الخدمات. إنها جريمة مكتملة الأركان، ارتكبها نظام سياسي فاسد لتحقيق مكاسب شخصية على حساب الملايين من العراقيين.
بعد سقوط النظام السابق، أُقرّ قانون يمنح رواتب وتعويضات لأشخاص كانوا ضمن اللاجئين في مخيم رفحاء في السعودية خلال تسعينيات القرن الماضي.
هذا القانون، الذي وُضع بحجة «تعويض الضحايا»، تحول بسرعة إلى وسيلة لنهب المال العام. فقد شملت الرواتب أعدادًا كبيرة من الأشخاص الذين لم يعيشوا في المخيم سوى لفترة قصيرة، أو لم يكونوا فيه أساسًا، مما فتح بابًا واسعًا للتزوير والتحايل.
في الوقت الذي تعيش فيه أغلبية الشعب العراقي تحت خط الفقر، تُصرف مبالغ خيالية على هذه الرواتب.
تحسين خدمات
هذه الأموال، التي كان ينبغي أن تذهب إلى تحسين الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية، تُهدر على من هربوا من البلاد في وقت الأزمات، بينما يترك المواطن العادي ليعاني وحده من تداعيات تلك الأزمات.
هذا الفساد لم يقتصر على استنزاف المال العام، بل أضر أيضًا بالثقة بين الشعب والحكومة. فقد أصبح قانون رواتب رفحاء رمزًا صارخًا لانعدام العدالة وتفشي المحسوبية والفساد في العراق.
إن الحكام الذين شرعوا هذا القانون يتحملون وزرًا عظيمًا أمام الله وأمام الشعب. فالسكوت عن الظلم هو مشاركة فيه، وكل من ساهم في تمرير هذا القانون أو التواطؤ معه يُعد شريكًا في هذه الجريمة. وكما يقول الحديث الشريف: «من سنَّ سنةً سيئةً فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.»هذا القانون لم يكن فقط تعديًا على المال العام، بل خيانة للأمانة التي حملها الحكام تجاه الشعب.
ومن هنا، فإن المطالبة بإلغائه ومحاسبة المسؤولين عنه واجب وطني وأخلاقي.
إن الاستمرار في دفع هذه الرواتب هو استمرار للظلم والسرقة. على الشعب العراقي أن يرفع صوته للمطالبة بإلغاء هذا القانون فورًا، وإعادة الأموال المنهوبة إلى خزينة الدولة. كما يجب أن يخضع كل من استفاد من هذه الرواتب غير المشروعة للمساءلة القانونية.
إلى المسؤولين الشرفاء، إن كنتم حقًا تحملون هموم هذا الوطن، فإن أولى خطوات الإصلاح تبدأ بإلغاء هذه الرواتب الظالمة وإيقاف نزيف المال العام. التاريخ لن يرحم، والشعب لن ينسى.
نرفع أيدينا بالدعاء: اللهم حطم كل من شارك في تشريع هذه الرواتب، وكل من أكل من المال الحرام، واجعلهم عبرةً لكل من تسوّل له نفسه التعدي على حقوق الشعب.
كما نطالب بتحقيق العدالة ومحاسبة جميع المتورطين، فالعراق يحتاج إلى قيادة تحترم حقوق شعبها وتعمل على بناء مستقبل أفضل لأبنائه.
رواتب رفحاء ليست مجرد خطأ إداري، بل هي جريمة بحق الوطن والمواطن. إلغاؤها ومحاسبة المتورطين فيها هو أولى خطوات الإصلاح في عراق يئن تحت وطأة الفساد والظلم. وعلى الشعب أن يبقى يقظًا، فالمعركة ضد الفساد لا تنتهي إلا بإرساء أسس العدالة والمساواة.