الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الحوكمة من منظور سياسي

بواسطة azzaman

أفكار بين شقي الرحى

الحوكمة من منظور سياسي

عامر حسن فياض

 

تمثل الحوكمة تطوراً من تطورات التعددية المعاصرة وهي عبارة استخدمت في وصف صناعة السياسة العامة وتقديم المنافع العامة وتطوير أداء الإدارة العامة في الدولة الحديثة وإصلاح القطاع العام وفهم علاقة الدولة بالمجتمع المدني. وتشمل عبارة الحوكمة، كما التعددية، طيفاً واسعاً من الأداء ونطاقاً من التخصصات المختلفة في العلوم السياسية وفي المنظور السياسي فان المقدمة الأساسية لوضع الحوكمة هي إن الدولة المركزية لم تعد القوة المهيمنة في تحديد السياسة العامة ويمكن إرجاع الحكومة إلى التعدديين، ففي أوائل ستينات القرن الماضي شاعت مطالبة من التعدديين مفادها إن ليس هناك مركز وحيد للحكم بل يوجد مراكز كثيرة سواء على المستوى المحلي أو الوطني أو فوق الوطني.

وظهر مفهوم الحوكمة أول مرة في علم الاقتصاد، وكان يعني به أداء الشركات والاستثمار الأمثل للموارد. وهذا الظهور جاء بسبب فشل الرقابة المالية وعدم الإفصاح والشفافية وضعف أساليب العمل.

حوكمة رشيدة

ففي ظل أنظمة الحكم الشمولية يقوض الطغيان الحوكمة الرشيدة حيث تستبدل الكفاءة بالولاء وتنخر الدولة من الداخل وتصبح الدولة حبيسة القلة وينغلق الحكام على ذواتهم في دائرة الشرعية المزيفة المستمدة من القمع بدلاً من الرضا والقبول الشعبي فيعتمد الحاكم على شبكة الزبائنية السياسية التي تخدم الوصوليين وتتيح لهم احتكار الموارد والمناصب مقابل خضوع يكرس للسلطة الشمولية المركزية.

علي صعيد السياسة الداخلية فإن الاستبداد يقوض مفهوم الحوكمة حيث تستبدل الكفاءة بالولاء الأعمى فتنخر الدولة من الداخل عبر فساد مؤسسي يضعف بنيتها. أما خارجياً فإن غياب الحوكمة الرشيدة يولد قابلية للاستعمار الجديد حيث تستغل القوى الخارجية الإقليمية والعالمية هشاشة الدولة لتحقيق مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية.

عليه فالاستبداد ليس انحراف سياسي بل هو حالة وجودية تتسم بالانهيار المؤسسي حيث ينهار العقد الاجتماعي ويسحق الفرد بين مطرقة الاستغلال الداخلي وسندان التبعية فيصبح الطغاة شركاء غير معلنين في تحطيم أسس الدولة وسيادتها الوطنية.

وهكذا يرى المدافعون عن الحوكمة إن إصلاح القطاع العام والخصخصة افرغا الدولة من الداخل فيما قيدت التطورات الجارية في المجتمع المدني وعولمة الاقتصادات الدولة من الخارج الأمر الذي يحتاج إلى نظام سياسي تعددي حيث لا تقدر أي مجموعة مصالح وحيدة الهيمنة على العملية السياسية.

        وعن أهم تطورات مفهوم الحوكمة المتعددة المستويات تشير الملفات إلى وجود عملية حوكمة معقدة على نحو متزايد حيث تعمل دائرة القرار بين مستويات مختلفة تتفاعل هذه المستويات مثل باقي مدرسة الحوكمة وان السلطة موزعة بعيداً عن الدولة المركزية وهناك مواقع متعددة لصنع القرار يشمل كل منها جهات فاعلة ومصالح مختلفة. وهنا أيضا تتبنى الحوكمة المتعددة المستويات افتراضات التعددين في شأن طريقة توزيع السلطة والقيود التي تحد الدولة.

افتراضات بسيطة

إن المشكلة في توصيف الحوكمة لإصلاح الدولة وتطويرها إنها أي الدولة تعول على الافتراضات البسيطة للتعددية التقليدية، وتخلط أيضاً بين التعدد والتعددية وتتجاهل صور عدم تكافؤ السلطة التي يمكن وجودها ولو في العلاقات الشبكية. لكن المشكلة الرئيسية ربما تكون في طريقة افتراض الحوكمة إن الدولة المركزية خسرت السلطة، في حين يوجد كم وافر من الأدلة العملية التي تثبت بقاء الكثير من الموارد والسلطة في حوزة الدولة المركزية.لقد حلت المؤلفات التي تتحدث عن الحوكمة جزءاً من مشكلة التعددية بتقديمها تفسير نظري للدولة خصوصاً الدولة القائمة في سياق عالمي جديد. وهي مع ذلك تصر على خطأ التعددين في عدم طرح تساؤلات عن الدولة. وهنا ينظر أيضاً إليها على إنها قوة حميدة اعتراها ضعف شديد وتواجه اليوم تحديات من مراكز قوة متعددة الشيء الذي تشير إليه فعلاً هو كيف إن العلوم السياسية الحديثة لا تزال متأثرة بالتصورات الأمريكية للدولة بأنها تنظيم مجزأ وضعيف الأمر الذي يجعل لمراكز القوى دولة عميقة داخل الدولة لتصبح الدولة في الغرب، على وفق الرؤية الأمريكية للتعددية دولة تعدد مصالح محكومة بالدولة العميقة وفي الشرق دولة تعدد مكونات تقليدية محكومة من الخارج بأنظمة وتقنيات حوكمة لا تنتجها.

 


مشاهدات 66
الكاتب عامر حسن فياض
أضيف 2024/12/23 - 4:50 PM
آخر تحديث 2024/12/25 - 7:42 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 143 الشهر 10725 الكلي 10066820
الوقت الآن
الأربعاء 2024/12/25 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير