لا تخبرني بموعد الغياب
ثامر مراد
ما الذي أملكه أصلًا سوى ظلي الذي يرافقني بصمت، ويداي اللتان لا تقبضان إلا على الريح؟ تذكرة السفر حلم بعيد المنال، حلم أثقل كاهله ثمنه الباهظ، وأنا أسير في الطرقات كمن ضلّ طريقه، أجمع فتات الوقت الذي يتناثر بلا اكتراث. على جدران الليل أرسم أبوابًا، لكنها تبقى مغلقة، بلا أمل في أن تُفتح.
هناك عند الحافة، رأيت موظف المحطة. عيونه باردة كلوحة بلا حياة، وأوراقه صماء لا تحمل كلمات. قال لي بصوت خافت إن الطريق طويل، وإن النهايات بعيدة. لم أجد ما أرد به، اكتفيت بالصمت. حقيبتي أثقلها ما حملت من خيبات، أما النقود؟ آه، لم أملكها يومًا!
من بعيد، تصلني أخبارك، لكنها تصل مشوشة. الحي الذي أعيش فيه بلا جرائد، الطرقات صامتة كأنها نسيت صوت البشر، والمارة يحملون أوزارهم في صمت، كلٌّ منهم يجرُّ ظله وكأنه عبء. حتى بائع الجرائد ممنوع من الدخول، كأن الحروف أصبحت جريمة، والكلمات باتت منفية مثلنا.
لا أريد شيئًا سوى هذه اللحظة. لا يهمني الغد، فهو غريب عني، ولا أجد لي فيه مقامًا. الزمن، ككرة صغيرة، يتدحرج على هامش الذاكرة، يسقط في فجوات القلب، ثم يتوارى دون أن يعود.
أيها الغائب الحاضر، أكتب إليك من نافذتي الصغيرة. العالم الذي أراه من هنا لا يتسع إلا لغيابك. الرياح تحمل صوتك، لكنه يصلني مشوشًا، كأنها لا تقوى على حمله إليّ بوضوح. أحاول التقاطه، لكن قلبي أثقله السير في طرقات مجهولة.
هل تسمعني؟ هل تعرف أنني هنا؟ أنا عالق بين ما كان وما سيكون، أبحث عن «الآن» الذي أضعته معك. أخبرني، كيف يمكننا شراء زمن جديد؟ كيف نهدم الجدران التي تفصل بيننا؟ وكيف يصبح الحلم سفينة تحملنا إلى حيث النور؟
أبقى هنا، أرسم على أطراف الوقت أغنيتي. أنتظر، ربما يأتي السفر، ربما ينكسر هذا الصمت الثقيل، وربما أدرك أخيرًا أن الحزن لم يكن يومًا وجهة.