السياسة فعل والسياسي أداتها
عمار العزاوي
وسطَ غابةٍ من المتناقضاتِ يجوز فيها كل شيءٍ ويعيش في وسطها كل شيء ،يعتقدُ الكثيرون ان السياسة ممارسةٌ لا فعلٌ وارادةٌ وقرار، في أحيانٍ كثيرةٍ تَجِدُ المبررات قبلَ المبرهناتِ حاضرةً وراسخة ، رغمَ ان الاعتقادَ يؤلدُ دائماً بشكلٍ غير صحيح، فالسياسةُ والسياسيّ كلمتينِ تحملُ معاني واقعيةٍ وصفات عديدة ،فالسياسة دوماً هي صدقٌ بامتياز ، لأن الصدق يحمي من الشبهات ، ويحمي المقدرات ويكشفُ العيوب قبل استفحالها وتضخمها، وهذا لايفهمهُ او يعيهِ الكثير .
فالصدقُ يمنع التلاعب ويوقف الهدر ويسلطُ الأضواء على الجميع ، فيكشفُ المقصّر ويظهر المجدّ المخلص،في الفعل والممارسةِ ، فالصدق يدفعُ الجميعَ للاعتراف بأخطائهم والاعتذار عنها وبالتالي حدوثِ الإصلاح الحقيقي دائماً، وفي مختلف المستويات .. اما عند الحديث عن أن السياسة فنّ الممكن وليست الكذب والتلوّن ، وفنّ الممكن هو أن نسلكَ كلّ الطرق الممكنة التي تجلب الخير والمنفعة وتحقق مصالح الناس .
فن الممكن في الحوار والتحاور واخذ الحقوق بالطريقة الصحيحة والاسلوب السهل الممتنع ، السياسة فن التعامل والتواصل وعدم خلقِ الاعداء والعداوات، السياسةُ كيف تعطي وتأخذ بنفس المقدار ،، اما السياسي فهو الذي يجيدُ ويعمل على تحريكِ السياسة بالاتجاهِ الذي يريد ويعمل عليه وفق مفهومِ الادراك والفهم الواضح لا المستتر الغامض؟؟
صنع الحدث
السياسي هو الذي يستطيع التأثيرَ ولا يتأثر بما يحيطه وانما يبني ويعملُ على بناء مايريد وبدرجةٍ تحقق النجاح ،والسياسي دوماً يُعرفُ بالسلوك الذي يميزهُ ويتميز به في مختلف المجالات، ورجل السياسة هو الذي يصنع الحدث والتاريخ ويؤطرها بالمواقف الثابتةِ والافعال المؤثرة ،بما يمتلكه من قوة الحجة وبراعةِ التعبير والقدرة على التواصل مع الجميع، بالنتيجة التي نريد ان نقوله ان العمل السياسي يشكلُ عماد بناء المجتمع، و تبدو الحاجة ملحّةٍ للحفاظ على العمل السياسي نقيّاً من كل شائبة، لان المسؤولية تترتّب على الجميع، ويتجلّى ذلك بتضافر الجهودِ على المستويات الفكرية والشعبية والرسمية كافّة لبلوغ المرتجى بشكل يقارب اليقين ، لا سيّما وأنّنا بأمس الحاجة أكثر من أيّ وقت مضى لسياسيينَ حقيقين يعرفون معنى العمل السياسي والممارسة السياسية بصورة غير تقليــــــــدية، فلم نعد نتحمّل التجارب والحلول المجتزِئة أو المبادرات الفردية القائمة على تعميم تجارب سياسيةٍ لا تتناسب مع الزمان والمكان ،
فلا يجوز لممتهنِ السياسة إلاّ أن يتقنها، ويجيد فنونها وأدواتها واستعمالاتها ،ولا ننسى أن أساسيات ومتطلبات العمل السياسي الناجح تقضي بالتوقف قليلاٍ عند مفهوم السياسة، لأن الوعي بالمفاهيم من أهمِ شروط عوامل النجاح, فالسياسة في أبسط مفاهيمها منظومةٌ من الإجراءات والطرق التي تؤدي إلى اتخاذ قرارات من أجل المجموعات والمجتمع و مع أن كلمة سياسة يمكن أن تستخدم أيضاٍ للدلالة على تسيير أمور أي جماعة, و قيادتها, ومعرفة كيفية التوفيق بين التوجهات الإنسانية بصفة عامة ووفقاٍ لهذا المفهوم خصوصأ وأن العمل السياسي الناجح هو الذي يتحركُ في إطار المبادئ والثوابت الوطنية, ويصيغ أهدافهُ من حركة المجتمع وتطلعاته, مدركاٍ أنه ضمن منظومة بنيوية متكاملة يجبُ احترامها والإيمان بحقها في الشراكة, فهو الذي يستطيع إدارة واستثمار كافة الإمكانات والقدرات وتوظيفها التوظيف الأمثل للارتقاء بمستوى الحياة العامة على كافة الاصعدة
والسياسي هو أيضاٍ من يملك الخبرة والمهارة الكافية لأن يصل إلى أهدافه عبر تلال من الرمل دون أن يثير الغبار من حوله، وهو أيضا من ينظر إلى كل الأطراف من مسافة واحدةٍ من منظورِ شركاء لا خصوم , ولديهِ القدرة على قراءة الواقع ومعطياته بشكل يجعله قادراٍ على استباقِ الحدث ، فالسياسة الناجحةُ ترتبط دوماً بالسياسي الذي يمثلها ويجيد العمل بها بكل الظروف والاتجاهات ،لكي تكون هناك سياسة حقيقية قادرة على المضي وتحقيق النتائجِ المنشودة والمرجوةَ لكي يتحقق مبدأ السياسية فعلٌ حقيقي و فنٌّ متطور والسياسي هو الاداةُ التي ترسمُ وتحقق هذا الفعل بالصورةِ التي نريدها ونبحث عنها.
رئيس مركز اليرموك للدراسات والتخطيط الاستراتيجي.