الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الزعيم الوطني جعفر أبو التمن.. تاجر إجتذبته السياسة

بواسطة azzaman

قامات عراقية خالدة

الزعيم الوطني جعفر أبو التمن.. تاجر إجتذبته السياسة

صلاح عبد الرزاق

 

الأسرة والتربية

ولد محمد جعفر جلبي بن محمد حسن بن الحاج داود أبو التمن عام 1881 في بغداد لأسرة شيعية ثرية تنحدر من قبيلة ربيعة العربية. ولد في محلة صبابيغ الآل التي سميت بهذا الاسم لأنها كانت تشتهر بصناعة خيوط القز بالألوان لاسيما اللون الأحمر. وعائلة أبو التمن معروفة في أوساط بغداد الثقافية والسياسية والتجارية والاجتماعية. وكان جده الحاج داود أبو التمن تاجراً معروفاً بتجارة الحبوب لاسيما الرز (التمن) ، وكان يملك مخزناً كبيراً للحبوب يعرف باسم خان داود في وسط بغداد ، لذلك لقب أبو التمن. عاش جعفر في كنف جده داود لأن وكان أبوه محمد حسن يعمل مع أبيه في محل تجاري واحد ، وهو أكبر أولاد الحاج داود الثلاثة ، أما الآخران فهما سلمان وكاظم. وقد رزق محمد حسن بولدين هما محمد جعفر وداود. وبسبب خلافات مع والده غادر محمد حسن سافر العراق إلى كرمنشاه بايران وتزوج إيرانية تاركاً زوجته الثانية وأولاده تحت رعاية جدهم ، وانقطعت أخباره. وهذا الحادث العائلي لم يمر دون أن يترك أثره في نفسية جعفر أبي التمن دفعه فترة من حياته إلى تجاهل اسم والده في تواقيعه والإشارة إلى أنه (حفيد الحاج داود) تعبيراً عن تضامنه مع جده في ذلك الخلاف. (1) أما والدة جعفر السيدة زهرة الأطرقجي وهي من عائلة نبيلة فكانت سيدة متدينة ذات نزعة نحو الخدمة الاجتماعية واهتمام خاص بالفقراء حيث كان جعفر شديد التعلق والاعجاب بها وكانت مصيبته كبيرة حينما توفيت عام 1893 نتيجة اصابتها بمرض الهيضة ( الكوليرا) الذي اصابها بسبب اختلاطها بالفقراء لمساعدتهم.

 وكان جده يرعاه ويهتم به لما كان من ذكاء ونباهة ، وأشرف على تعليمه وتثقيفه. واشتغل جعفر بالتجارة مهنة عائلته ، فلم يهتم بالوظائف الحكومية في العهد العثماني. وأتيح له وهو في سن الصبا أن يصاحب جده في الحضور إلى المجالس التي تنعقد في بيوت الوجهاء والأعيان ، وأن يصغي إلى ما يدور فيها من أحاديث ونقاشات ذلك الوقت وتمس حياتهم اليومية ، ومنها تصلهم من أخبار التطورات السياسية في الدولة العثمانية والدول المجاورة. لقد صقلت تلك المجالس ثقافة أبو التمن ، إضافة إلي مطالعة ما يقع تحت يده من كتب ومطبوعات. كما أن العمل التجاري كان يتيح له الاتصال بمختلف طبقات المجتمع العراقي. وكان جعفر شخصية معروفة في اوساط بغداد الاجتماعية والتجارية والثقافية حيث عمل في حقل التجارة وجمع ثروة لا بأس بها من خلال تجارته بالحبوب والمواشي والابل وكذلك السفن الشراعية . تزوج من ابنة عمه الحاج سلمان ، ورزق منها بثلاث بنات وثمانية ابناء توفي ستة منهم في مرحلة الطفولة ابنه الاكبر عزيز ولد عام 1927 وتوفي عام 1959 في ظروف غامضة وكان يساري النزعة والاخر عبد الكريم اطال الله عمره فهو رجل اعمال.كان جعفر أبو التمن تاجراً كبيراً، حوّل خبرة السوق لصالح وطنه والدفاع عن مصالحه، وهذه الشفافية التي طبع فيها جعلت التجار يدعونه لتأسيس غرفة تجارة بغداد فحصل على عضويتها ونيابتها 1929-1935 ورئاستها 1935 – 1939. كان يمتلك عقلا اقتصاديا حاول ان يقدم من خلاله بعض ما يستطيع لإصلاح الواقع الاقتصادي والاجتماعي، فقد رأس مجلس ادارة شركة تجارة وحلج الاقطان العراقية ورأس مجلس ادارة شركة استخراج الزيوت النباتية ، وهو ايضاً اشترك في تأسيس هاتين الشركتين وهما قاعدة الصناعة العراقية وكان اول من قال وركز علي نظرية حرية التجارة فبدونها لا نضمن للعراق استمرار التقدم والرخاء الاقتصادي.وبما ان للمسلم الشيعي ان يختار مقلده بمجرد ان يصل سن التكليف فاختار محمد جعفر ابو التمن لنفسه ستة مقلدين مختلفين وفي أوقات مختلفة من حياته وهم الشيخ محمد طه نجف والسيد كاظم اليزدي والسيد محمد سعيد الحبوبي والشيخ مرزا محمد تقي الشيرازي وشيخ الشريعة الاصفهاني والشيخ محمد حسين ال كاشف الغطاء. وحينما بدأ محمد جعفر ابو التمن حياته السياسية اختار السيد محمد سعيد الحبوبي أحد اصدقاء جمال الدين الافغاني. إن طبيعة عمله كتاجر يتطلب منه حسن المعاملة وقدرة على الإقناع ومهارة في التفاوض . كما يستطيع كسب الناس إلى جانبه لما يتحلى به من أمانة وصدق ونزاهة. وهذه الصفات جعلت أبو التمن يميل في مطلع شبابه إلى الحركات الإصلاحية الإسلامية التي بذرها جمال الدين الأفغاني ، أو الحركات الديمقراطية التي دعت إلى إنشاء حكم دستوري برلماني يقوم على أساس الشورى ويلغي الحكم المطلق الذي كان يمارسه السلطان في الدولة العثمانية والشاه في إيران. فكانت ثورة الدستور (المشروطة) في ايران عام 1905 وما رافقها من دموية النظام قد ترك أصداءه في العراق. ووجدت تلك الدعوة الدستورية تأييداً لها من كبار العلماء في النجف الأشرف مثل السيد كاظم الخراساني. وبعد ثلاث سنوات جاءت جماعة الاتحاد التركية لتفرض على السلطان دستور 1908 فبعث الأمل في الشباب التواقين للحرية والعدالة والمساواة. ولأن الشيعة كانوا محرومين في العهد العثماني من المساواة والانصاف وحق التعيين في مناصب الدولة في العراق ، فلا قضاة ولا رؤساء بلديات ،  ولا مدراء مدارس ، ولا قادة جيش أو جندرمة من الشيعة. فكانت تجتذبهم هذه الحركات والدعوات لأنها تعني أن حكماً جديداً سيوفر لها ما حرمت منه في النظام الحاكم من مجالات التقدم والتطور.

دراسته العلمية

درس جعفر أبو التمن العلم الإسلامية على يد الشيخ شكر البغدادي (1855-1938) ، كما درس الأدب والشعر والبيان في مجالس آل الصدر في الكاظمية فكتب الشعر في شبابه . وفي أواسط عمره حرر المقالات الاقتصادية في مجلة غرفة التجارة . ونوه بشعره ونثره الجميل محمد مهدي البصير في كتابه (سوانح1976) وأشاد بثقافته الفقهية القاضي توفيق المالكي قائلاً: كان جعفر يحل اعقد المسائل الفقهية والشرعية.حتى عام 1908 كان عدد المدارس الرسمية في بغداد يبلغ (54) مدرسة تضم (3910) طالباً ، من بينهما (5) مدارس للإناث تضم (300) طالبة. أما المدارس الأهلية (الإسلامية والمسيحية والأجنبية) تبلغ (21) مدرسة ، والمدارس اليهودية تبلغ (58) مدرسة تضم (6676) طالباً و (2013) طالبة. يلاحظ أن عدد المدارس اليهودية أكثر من مدارس المسلمين والمسيحيين ، وعدد الطلاب اليهود ضعف عدد الطلاب المسلمين والمسيحيين معاً. (2)

لقد خرّجت المدارس اليهودية آلاف الكوادر الماهرة تجيد اللغات الأجنبية مما دعا إدارة الاحتلال البريطاني عام 1917 الاستفادة منهم في المؤسسات والدوائر الجديدة. كما ساهموا في بناء مؤسسات الدولة العراقية الحديثة ، إضافة إلى خريجي المدارس الإسلامية والمسيحية. وكانت تلك المدارس تقوم بتخريج كوادر ماهرة تعرف اللغات الأجنبية ولديها مهارة في الأعمال الكتابية والحسابية والقانونية والترجمة. وهو ما تحتاجه الشركات والتجار والمكاتب الإدارية في إدارة أعمالها. وأمامها فرص للعمل في القطاع الخاص أو في القطاع الحكومي العثماني أدرك أبو التمن أن التعليم وحده سيساهم في تنشئة سباب شيعة يتعلم العلوم الحديثة ويتقن اللغات. وقد وافقه عدد من الوجهاء والمثقفين الشيعة ، فبادر إلى فكرة تأسيس مدرسة عصرية. يقول علي البزركان : بعد إعلان الدستور العثماني عام 1908 والمناداة بالحرية والعدالة والمساواة، قلت للحاج سلمان : هذا زمن الحرية ، ويجب علينا أن نجاهر بآرائنا حول فتح المدرسة المذكورة !!  وافق الحاج سلمان أبو التمن على فتح المدرسة بشرط مفاتحة العلامة السيد محمد سعيد الحبوبي (1849- 1915) الساكن في الكاظمية. فذهبنا إليه سوية ، وبعد جلسة قصيرة  ، وقف العلامة على الفكرة والغاية من إنشاء هذه المدرسة ، فسر بها سروراً كبيراً وقال: إنها لفكرة ضرورية ، وهي ليست من الكفر بشيء ، بل هي حياة لنا ، ثم قال (من تعلم لغة قوم أمن مكرهم) بالنسبة لتعلم اللسان الأجنبي. ثال قال الحبوبي (رحمه الله): من أجل أن أفحم كل من يعارض هذه الفكرة سأنزل ضيفاً على الحاج داود أبو التمن وأقابل المعارضين لإقناعهم).

ويضيف البازركان (وقد برّ بوعده فعلاً. وراجت الفكرة وأخذ يعمل لها جماعة من الوجهاء والعلماء المعروفين منهم السيد عبد الكريم الحيدري (1869- 1944) والشيخ جواد التويج ، وكذلك جماعة من الشباب، فأصبحت الأذهان متهيأة لها. لذلك عقد اجتماع لهذا الغرض وانتخبت هيئة تألفت من كل من:

1 -الحاج سلمان أبو التمن 2 – الشيخ شكرالله 3 – السيد عبد الكريم الحيدري 4 – جعفر الملائكة 5 – السيد جعفر السيد هاشم 6- السيد علي مهدي البغدادي 7 – عباس أغا عليوف 8 – الحاج عبد المجيد الصفار 9- مهدي الخاصكي 10 – الحاج محمد حسن الجوهر 11 – اسطة علي العينه چي 12 – الحاج عبد الحسين البحراني 13 – الحاج أمين الچرچفچي 14 – الحاج جودي قنبر أغا 15 – الحاج حسين علاوي 16 – الحاج حسين الشهربنلي 17 – الحاج عبد الغني كبة 18 – الحاج جعفر أبو التمن. وتألفت الهيئة الإدارية من : الشيخ محمد مهدي البصير ، كمال قاسم مدير المدرسة وجعفر حمندي ورؤوف البحراني والحاج عبد الحسين الازري وعباس شكارة وكاظم شكارة. (3) بعد المداولات قرر المجتمعون كتابة طلب إجازة لفتح المدرسة من والي بغداد وكالة عبدالله باشا ،  فلما قرأ الطلب سأل: لماذا فتح مدرسة أهلية للجعفرية؟ وهناك مدارس حكومية كثيرة؟ فقال البازركان: لا يوجد أي جعفري في المدارس الحكومية !! التفت الوالي إلى المكتوبچي (السكرتير) وسأله عن صحة قول البازركان، فلما أجابه بالإيجاب ، وافق الوالي على منح الاجازة بشرط تسميها باسم (مكتب الترقي الجعفري العثماني). وهذا يؤكد أن سياسة العثمانيين كانت تمنع أبناء الشيعة من دخول المدارس الرسمية. وبناء على تلك الموافقة أصدرت مديرية المعارف كتاباِ في 5 كانون الأول 1908 جاء فيه: بناء على الطلب المقدم بالعريضة المرقمة 1324 من قبل السيد جعفر أبو التمن (1881- 1945) والسيد علي البازركان فقد سمحت الولاية بفتح وتأسيس (مكتب الترقي الجعفري العثماني) ، وطلبت تبليغ المستدعين لمراجعتها لتلقي التعليمات بشأن ذلك. وبذلك انتهت معاملة تأسيس المدرسة.

انتدبت الهيأة المؤسسة للمدرسة جعفر أبو التمن لتوضيح سبب هذه التسمية ، فقام بدوره أحسن قيام، وأقنع الوالي بأنّ هذه التسمية لا تستهدف إثارة النعرات الطائفية ، بل قصد من ورائها إقناع أبناء الشيعة بأنّ هذه المدرسة منهم وإليهم ليقبلوا عليها ويرسلوا أولادهم إليها ، فوافق الوالي وأمر بمنح الإجازة. فتحت المدرسة في 12 كانون الأول 1908 ، وهي مدرسة لتعليم اللغات والعلوم العصرية ومسك الدفاتر.

هيئة ادارية

ولغرض الإشراف على سير التدريس فيها انتخبت هيأة إدارية مؤلفة من 15 عضواً ، ابتدأت الدراسة في بادئ الأمر بصفوف ابتدائية ثمّ رشدية (متوسطة) وتوسعت إلى إعدادية ، وكان الإقبال على هذه المدرسة كبيراً ، إذ بلغ عدد الطلبة فيها بعد مضي سنة واحدة على تأسيسها ما يزيد على الثلاثمائة طالب.

كانت بعض الأوساط الشيعية المتدينة تجد دخول المدارس العثمانية حراماً لأنها تفسد تدين وأخلاق أولادهم. وانسحب التحريم على كل المدارس عموماً. وهذه الظاهرة بحاجة إلى معالجة تأخذ الطريق الديني والفتوائي كما اعتادت هذا الأوساط على الاتكاء على الدين في تبرير مواقفها وسلوكها.

لذلك سعى جعفر أبو التمن لإقناع الشيعة للالتحاق بالمدرسة ، فقام بالاتصال بعدد من علماء الدين في النجف وكربلاء فتمكن من الحصول على فتاوى تجيز الالتحاق بالمدرسة الجعفرية. وقد نشر رسالة بعنوان (فتوى بجواز دخول الجعفريين المكاتب للتعليم جاء فيها:  (جواز دخول أولاد الجعفرية إلى المكاتب لتعلم العلوم والمعارف واللغات المختلفة التي تمس الحاجة إلى تعليمها وتقتضي الضرورة بعدم جهلها ، مع التحفظ على القواعد الإسلامية … لذا ان علماء المسلمين المجتهدين في النجف وكربلاء دفعاً للشبهة الواقعة في أذهان الجهلة قد كتبوا لعموم الجعفرية يحثونهم ويشوقونهم على تأسيس وتشييد هكذا مكاتب حاوية للشروط المتقدمة، وذكروا ذلك يعد أفضل الأعمال الخيرية). (4)

المدرسة الجعفرية والحركة الوطنية

لم يكن مؤسسو المدرسة وكادرها التدريسي بعيدين عن التوجهات الوطنية خاصة بعد الاحتلال البريطاني للعراق الذي بدأ باحتلال الفاو عام 1914 وانتهت باحتلال بغداد في 11 آذار 1917. فمن المعلوم أن المرجعية الدينية كانت قد أصدرت توجيهات بمواجهة قوات الاحتلال البريطانية. فقد أصدر المرجع الأعلى السيد كاظم اليزدي فتوى الجهاد الدفاعي عام 1914 ، وتبعه المرجع الأعلى الشيخ محمد تقي الشيرازي الذي أفتى باستخدام كل السبل في مواجهة قوات الاحتلال عام 1920 التي كانت إيذاناً باشتعال ثورة العشرين في 29 حزيران 1920. وكل تلك الفتاوى ساهمت في تحريك الشعور الوطني لدى العراقيين ، خاصة وأن بعض المؤسسين هو من الزعامات الوطنية المعروفة. عندما بدأ الغزو البريطاني للعراق في تشرين الثاني 1914 وصدور فتوى الجهاد الدفاعي من قبل السيد كاظم اليزدي سرعان ما استجاب لها الشعب العراقي.

إذ تطوع أبناء العشائر والمدن يقودهم علماء الدين للذهاب إلى جبهات القتال في الجنوب. وكان السيد محمد سعيد الحبوبي أول المتقدمين للصفوف، وكان يجد المشاركة واجباً شرعياً ووطنياً. كما أرسل السيد الحبوبي رسائل وبرقيات إلى زعماء الفرات الأوسط يدعوهم فيها للتطوع والجهاد للدفاع عن العراق، ومنهم محمد مهدي القزويني ، السيد نور الياسري ، الشيخ مبدر الفرعون وعبد الواحد سكر وغيرهم. وكان للسيد الحبوبي دوراً في تأسيس المدرسة الجعفرية، وبقي تأثيرها في هيئتها وكادرها وطلابها.

في تشرين الثاني عام 1918 شرعت الإدارة البريطانية باستفتاء لمعرفة رغبة العراقيين بشأن مستقبلهم ودولتهم. أرسل الحاكم المدني آرنولد ويلسون رسالة إلى عبد الرحمن النقيب الكيلاني ، وإلى القاضي الجعفري الشيخ شكر الله يطلب فيه أن يختار كل منهما (25) شخصاً من طائفته للمشاركة في الاستفتاء. كما طلب من اليهود والمسيحيين ترشيح (10) أشخاص من كل طائفة لتمثيلهم كمندوبين.

عقد الشيعة اجتماعهم في المدرسة الجعفرية واختاروا ممثليهم ، من بينهم الحاج عبد الغني كبة ، وابن عمه عبد الحسين كبة. وأرسلت الأسماء إلى العقيد بلفور حاكم بغداد السياسي والعسكري.

أبرز خريجي المدرسة الجعفرية

درس في المدرسة الجعفرية طلاب وتخرجوا منها وأصبحوا شخصيات مشهورة ومسؤولين في الحكومة منهم : الصحفي والكاتب أحمد فياض المفرجي (1936- 1996) ، الدبلوماسي والأديب والحقوقي أحمد زكي الخياط (1897- 1974) ، الباحث والمترجم وماجستير علوم من أمريكا جعفر الخياط (1910- 1973) ، الحقوقي والمتصرف والسياسي والقاضي جعفر حمندي (1894- 1952) ، الشاعر والحقوقي  المصرفي جليل شعبان الحميري (1937- 2021) ، الحقوقي والمفتش العدلي عبد الحميد مهدي ، الناشط السياسي والنائب في مجلس النواب ذيبان الغبان ، الحقوقي والسياسي ومن وزراء المالية البارزين

رؤوف البحراني (1897- 1963) ، الحقوقي والسياسي والوزير والصحفي والنائب صادق البصام (1897- 1960) ، رئيس وزراء العراق (1947-1948) القاضي والنائب ، وكان وزيرا للعدل والمعارف والخارجية والمالية  الداخلية صالح جبر (1896- 1957) ، الناشط سياسي، وزير المعارف ، الاقتصاد، المواصلات، المالية، الخارجية عباس مهدي (1898- 1961) ، السياسي والمحامي ووزير الأشغال والمواصلات عبد الرزاق الأزري ، وزير للصحة عبد الأمير علاوي (1912- 1998) ، العلامة اللغوي والأديب والمؤرخ الموسوعي والأستاذ بجامعة بغداد مصطفى جواد (1904- 1969) ، خيري العمري (1926- 2003) ، كامل حسن البصير (1933- 1987) ، النحات خالد الرحال (1926- 1986) والفنان طه سالم  (1930- 2018). (5)

وعيه السياسي

في عام 1917 تم تأسيس لجنة تعليمية من قبل أحد المصريين المعارين للتدريس في العراق تضم خمسة من وجهاء بغداد اختير ابو التمن من بينهم وتضم الاب أنستاس ماري الكرملي وحمدي بابان وشكري الالوسي وابن عمه قاضي الشريعة الحاج علي الالوسي والشاعر جميل الزهاوي. وكانت مهمة اللجنة استشارية تحت اشراف الانكليز لذلك اعترض ابو التمن على هذا الاشراف وقدم استقالته في حزيران 1919 لأنه أصر على وجوب اعطاء اللجنة صلاحيات تنفيذية. (6)

في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى شهدت منطقة الشرق الأوسط حركات تحررية . ففي عام 1918 تأسس حكم عربي في سوريا على أنقاض الحكم العثماني . وفي مصر اندلعت ثورة عام 1919

بزعامة سعد زغلول ضد الإنكليز.

في عام 1918 أصدرت السلطات البريطانية في العراق قانون المجلس البلدي في محاولة لتطمين الرأي العام الذي يؤمن بممارسة الحكم الذاتي. فانبرى جعفر أبو التمن وهو عضو في المجلس البلدي بمعارضة القانون ، كاشفاً عما به من عيوب تجعله قاصراً عن مجاراة الحركة الوطنية وتحقيق هدفها في الوصول إلى الحكم الذاتي المنشود.

وجرت بن أبو التمن والكولونيل بلفور مناقشة حامية أدت إلي وقف تنفيذ القانون في بغداد رغم أنه نفذ في الألوية الأخرى. كان ذلك الموقف الذي وقفه أبو التمن أثار السلطات المحتلة لأنه أول تحد سافر لها ، فراحت عيون العملاء تراقب حركات أبي التمن وترصد تنقلاته. وأوعزت السلطة إلى أحد رجالها أن ينقل رغبتها إلى أبي التمن بمغادرته العراق إلى إيران. وتصادف أن أحد رجال الدين الإيرانيين كان بضيافة الحاج داود أبو التمن وأنه بصدد العودة إلى بلاده ، فلما علم بالأمر أعرب عن استعداده لاستصحاب جعفر كضيف عنده في إيران. ويتوقع أن الحاج داود قد أقنع حفيده بمرافقة الرجل تحاشياً من غضب السلطة من جهة ، ورغبة في انتهاز الفرصة للاجتماع مع أبيه محمد حسن هناك وتسوية بعض المسائل العائلية من جهة أخرى. سافر جعفر إلى إيران ووصل إلى طهران 25 تشرين الأول 1909 .

لم تطل فترة مكوثه في إيران طويلاً فعاد إلى بغداد وانضم إلى حزب (حرس الاستقلال) عضواً في الهيئة الإدارية ، وبرز نشاطه وجهاً لامعاً في الحزب ، ولعب دوراً في دعم الوحدة بين الطائفتين الشيعية والسنية لمواجهة الاحتلال. وكان الانكليز يعتقدون آن الخلافات بين الشيعة والسنة تعود إلى أكثر من ألف سنة ، وأنهم لن يجتمعوا على كلمة توحدهم ضد الانكليز.

وقد لعب أبو التمن دوراً في ترشيح فيصل لعرش العراق . وقد اعتمد عليه فيصل في تقوية علاقته مه علماء الشيعة الذين لهم تأثير على الشعب. وقد تم تتويج الملك فيصل في 23 آب 1921 . وفي 2 نيسان 1922 عقد مؤتمر كربلاء الذي تحول إلى تظاهرة سياسية لمصلحة الملك فيصل على حساب وزارة عبد الرحمن النقيب ، وينتزع قراراًِ من المؤتمر يؤكد على (الثقة بسياسة الملك فيصل).

ولا شك أن هذا المؤتمر عزز موقف الملك وأضعف مركز النقيب يحي أثر على الوزارة ، فاستقال عدد من أعضائها ، فجرى تعديل في 15 نيسان 1922 ودخل أبو التمن إلى مجلس الوزراء لتطمين الأوساط الوطنية ، والتخفيف من حدة معارضتها للمعاهدة البريطانية العراقية. لقد دخل أبو التمن الوزارة وهو في الأربعين من عمره. وكان ذلك بلا شك كسباً لفيصل ودعم لمركزه . (7)

أبو التمن والمعاهدة البريطانية

لم يكن أبو التمن مؤيدا للمعاهدة العراقية البريطانية ، وحاول بعد دخوله الوزارة التوفيق بين الآراء المعتدلة في معارضة المعاهدة كما هو موقف الملك فيصل ، وبين الآراء المتشددة الذي يمثله الشيخ مهدي الخالصي الكبير .

في 22 مايس 1922 في اجتماع لمجلس الوزراء رفع أبو التمن مذكرة يعرب فيها عن عقد المعاهدة بحيث يجري الاعتراف فيها بمصالح بريطانيا من جهة وتلغي الانتداب من جهة أخرى. إذ جاء في المذكرة:

 (إن جل آمال مجلس الوزراء هو الإمكان من القيام بخدمة البلاد وإسعادها والنهوض بالأمة العراقية إلى مصاف الأمم الراقية ، مع حفظ مصالح حكومة جلالة ملك بريطانيا. وباعتقادنا أن الوصول إلى هذه الغاية يتوقف على أن تعتقد كل من حكومة جلالة ملك العراق وحكومة جلالة ملك بريطانيا بأن المصلحتين مرتبطتان لا انفكاك لإحداهما عن الأخرى ، وأن من أحسن الوسائل التي تكفل مصالح بريطانيا في العراق ، أولاً اعتراف حكومة جلالة ملك بريطانيا بأن الدولة العراقية مستقلة ذات سيادة ، وبهذا يطمئن الشعب ويهدأ روعه ، وحينئذٍ يمكن عقد معاهدة حرة تبنى نصوصها على قاعدة إلغاء الانتداب). (8)

وقد وصفت المس بيل موقف أبي التمن في اجتماع مجلس الوزراء في 22 حزيران 1922 لمناقشة المعاهدة فقالت:

(تمت قراءة المعاهدة في الجلسة ، ثم طلب عبد المحسن السعدون وزير العدلية الموافقة عليها ، فأجاب توفيق الخالدي وزير الداخلية بأنه يوافق عليها لأن المسألة مهمة ولكن غالبية أبناء البلاد ضد المعاهدة التي تتضمن الانتداب. ثم تحدث جعفر أبو التمن ، الذي نعتته المس بيل بالوغد ، وكان الجميع يراقبونه من طرف عيونهم عدا عبد المحسن السعدون وساسون حسقيل وزير المالية. قال أبو التمن: إن هذه المسألة لا يمكن للمجلس أن يقوم بها ، بل يجب أن تُعرض على البرلمان. إن السادة علماء الدين وأعمدة الإسلام ضد أية معاهدة إطلاقاً. اعترض عليه ساسون حسقيل بأن الانتخابات تستغرق عدة أشهر ، واقترح أن يقوم المجلس بشيء ما قبل انعقاد البرلمان ويوقع المجلس المعاهدة ويكون موضوع الابرام في البرلمان. وقد استمر النقاش ساعتين دون التوصل إلى نتيجة ، وتقرر تأجيل الاجتماع إلى السبت).

حاول فيصل إقناع أبي التمن بعدم حضور جلسة مجلس الوزراء التي ستعقد يوم السبت 24 حزيران 1922 ، بعد أن يئس من حمله على التراجع عن موقفه وأخبره بأن وزارته ستلغى من قبل لجنة كنديس. واقترح عليه أن يتذرع بحجة المرض ويسافر للراحة. استجاب أبو التمن لمقترح فيصل ، وأرسل إلى مجلس الوزراء رسالة يعتذر فيها عن حضوره جلسة يوم 24 حزيران 1922 بسبب مرضه. وعندما بلغة في اليوم الثاني موافقة مجلس الوزراء على المعاهدة ، حضر أبو التمن إلى مجلس الوزراء وأعرب عن رأيه في معارضة المعاهدة التي انطوت على بنود تثبّت الانتداب على العراق، ثم قدم استقالته في 26 حزيران 1922 التي نصت:

(بما أن مبدأ الحاجز لا يوافق المبدأ الذي عليه هيئة الوزراء العظام كما تشهد به مناقشات وقرارات مجلس الوزراء الموقر في جلسته المنعقدة في 25 حزيران 1922 ، أقدّم إلى فخامتكم استقالتي من وزارة التجارة ، راجياً قبولها ، ولفخامتكم من مزيد الاحترام.

عبدكم وزير التجارة ، جعفر مفيد الحاج داود ) (9)

الأحزاب السياسية

برز اسم أبو التمن كأحد العناوين الوطنية مع بدء الاحتلال البريطاني للعراق إذ كلف بعد سفر جده إلى ساحة الحرب في البصرة مجاهدا ضد الغزاة البريطانيين بمهمة تزويد المجاهدين بالمؤن والأموال اللازمة للجهاد، وعندما التحق بالخدمة العسكرية لبلوغه السن القانونية بقي في بغداد ليقوم بمهمة الارتباط بين السلطات العثمانية والمجاهدين ومع اكتشاف العراقيين لزيف الوعود البريطانية اشتدت المطاليب الوطنية المنادية بالحرية والاستقلال وظهر جعفر أبو التمن أحد أبرز قادة الحركة الوطنية فله الفضل الكبير في توحيد الطائفتين الشيعية والسنية ونبذ الخلافات الطائفية، وعرف عنه مقته الشديد لها.

وبهذا الصدد يقدم عنه حنا بطاطو الصورة المعبرة الآتية (يعود إليه الفضل في المقام الأول، فضل الجمع بين الشيعة والسنة عند ذلك المفصل التاريخي (ثورة العشرين) وتحويل رص الصفوف المؤقت هذا إلى حقيقة سياسية دائمة إذا لم يكن هنالك في رأيه سبيل أخر إلى كسر شوكة الانكليز.

في اواخر شباط 1919  قام الوطنيون العراقيون بتشكيل  جمعية سرية سميت (حرس الاستقلال) بزعامة السيد محمد الصدر وتضم علي البزركان وجلال بابان ومحمود رامز ثم اصبحت اكثر نشاطاً حينما انضم اليها اخرون مثل يوسف السويدي وناجي شوكت وسامي شوكت ومحيي الدين السهروردي والشيخ باقر الشبيبي وعبد الغفور البدري وعبد المجيد كنة وكذلك جعفر ابو التمن بعد عودته من طهران في تشرين الاول عام 1919 الذي انتخب امين سر عام. ويقول ناجي شوكت في مذكراته ان جعفر كان القائد الفعلي لحرس الاستقلال التي نادت بالاستقلال التام للعراق الذي كان يضم ثلاث ولايات هي بغداد والبصرة والموصل. (10)

اتجه أبو التمن إلى تأسيس حزب سياسي ، فعقد اجتماعات متعددة للتداول. ومع أن الملك فيصل عارض هذا الاتجاه ، وحاول صرف النظر عنه ، وأرسل فهمي المدرس كبير الأمناء في محاولة لإقناع أبي التمن ورفاقه بالتريث برأيه في تأليف الأحزاب إلا أن أبا التمن مضى في طريقه حتى ظهر الحزب الوطني إلي الوجود في 2 شباط 1922.

وقد قام الحزب الوطني الذي تولى أبو التمن رئاسته مع حزب النهضة بشن حملة واسعة النطاق ضد الانتداب البريطاني وذلك في يوم 23 آب 1922 بمناسبة مرور عام على تتويج فيصل. نظم الحزب تظاهرة جماهيرية كبيرة كان جعفر أبو التمن يتقدم صفوفها. طالب بشجب الانتداب البريطاني وإقالة وزارة عبد الرحمن النقيب ، وعدم عقد أية معاهدة قبل تأليف المجلس التأسيسي ، أقلق تلك المطالب دار الاعتماد ، وأسرع السير بيرسي كوكس المندوب السامي بعد أن تعرض إلي هتافات معادية ، وقد راعه هذا المد الشعبي إلى الحزبين المذكورين (الحزب الوطني وحزب النهضة) . تم اعتقال قادة الحزب وفي مقدمتهم جعفر أبي التمن ، وإبعادهم إلى جزيرة هنجام وذلك في 26 آب 1922 .

بعد عدة شهور سمحت السلطات البريطانية لقادة الحزب بالعودة إلى العراق لكنها استثنت أبو التمن. في 3 آذار 1923 اقترح المعتمد السامي البريطاني على مجلس الوزراء الموافقة على سفر ابي التمن إلى أية نقطة شاء في أوروبا. وافق مجلس الوزراء على أن يؤذن له بالعودة إلى العراق لعدم تمكنه من العيش في أوروبا ، وعدم وجود محذور من عودته على أن تؤخذ منه وثيقة كالتي أخذت من بقية المنفيين.

لم يصادق الملك فيصل على القرار بسبب معارضة السير دوبس الذي كان يتولى مهام المندوب السامي بالوكالة. وأن ذلك الإجراء قد تم من قبل السيز برسي كوكس نفسه ، وأن الأمر يتطلب إعادة النظر فيه من قبله ، فضلاً عن أن الملك فيصل كان شديد القلق من تزايد شعبية أبي التمن. وبسبب ذلك تأخر السماح لأبي التمن بالعودة إلى وطنه إلى ما بعد رجوع السير برسي كوكي إلى بغداد في 31 آذار 1923 ، بحيث لم يصل أبو التمن إلى بغداد إلا في 10 مايس 1923. ولم يقدم أبو التمن تعهداً خطياً مثل الذي أخذ من رفاقه المنفيين. بعد ذلك ابتعد أبو التمن عن العمل السياسي قرابة خمس سنوات ، متجاهلاً زيارة الملك فيصل في المناسبات التي اعتاد الساسة القيام بزيارته.

في عام 1928 تقرر إجراء انتخابات ، وفوتح أبو التمن لترشيح نفسه فكتب له إبراهيم صالح شكر يدعوه للمشاركة فيها للخروج من عزلته الكئيبة . وتوالت الوفود على أبي التمن تطالبه بالمشاركة وتلبية نداء الشعب لتمثيله. وقد أسفرت تلك المحاولات عن ترشيح نفسه لملء أحد المقاعد الشاغرة في منطقة بغداد ، وبالفعل فقد فاز به.

دخل جعفر أبو التمن البرلمان لأول مرة وكان نائباً معارضاً يرتفع صوته في معارضة الحكومة في الإجراءات التي تمس حقوق الشعب. وتمكن بعد فترة قليلة من تكوين كتلة نيابية داخل البرلمان تضم بعض النواب الذين يشاركونه آراءه ومواقفه .

ذلك شجع أبو التمن على إعادة نشاط الحزب الوطني بطلب بعض الشخصيات الوطنية. في 28 أيلول 1928 افتتح الحزب أبوابه بعد أن تشكلت هيئته الإدارية من جعفر أبو التمن ، مولود مخلص ، بهجت زينل ، مهدي البصير ، أحمد عزت الأعظمي ، علي محمود الشيخ علي ، عبد الغفور البدري .

مضى الحزب بمواصلة نشاطاته السياسية والذي بلغ أوجه عام 1930 عندما ألّف نوري السعيد وزارته الأولى ، وأخذ يهيئ الجو لعقد معاهدة جديدة مع بريطانيا. وقد ارتابت الأوساط السياسية من موقف نوري السعيد ، فمضى الحزب يترقب خطواته حتى إذا أعلن المعاهدة في 18 تموز 1930 ، وحل مجلس النواب بقصد تشكيل مجلس يضم أكثرية تضمن تصديقها.

أستوزر أبو التمن مرتين الأولى في وزارة عبد الرحمن النقيب الثانية وزيراً للتجارة والمرة الثانية في وزارة الانقلاب (انقلاب بكر صدقي) عام 1936 التي رأسهم حكمت سليمان حيث أصبح أبو التمن وزيراً للمالية ولكنه استقال عام 1937 . أتهم بتأييده للشيوعية فرد على متهميه بالقول: إذا كانت الشيوعية تسعى لترفيه الفقير ومساعدة المحتاج وتنظيم المجتمع بشكل مفيد أؤيدها، وهذه هي شيوعيتي.

خرج جعفر أبو التمن من تجربته في العمل السياسي بخيبة أمل بمعظم الأشخاص الذين عمل معهم فقد كانوا يريدون اتخاذ المبادئ سلماً للوصول إلى مآربهم الشخصية بينما كان هو رجل مبدأ يريد عن طريقه تحقق خدمة البلاد.

دوره في ثورة العشرين

لعب ابو التمن دورا مهما في ثورة العشرين حيث انضم الى مناطق الثورة في كربلاء والنجف إذ رحب به كزعيم بغدادي مشهور وممثل المرجع الشيخ محمد تقي الشيرازي وعامل ارتباط بين حركة الاستقلال في بغداد والكاظمية وبين العلماء في المدن المقدسة. وكان يلقي خطابات في الناس حول الثورة مشجعا اياهم علي الاشتراك، كما شارك مع مثقفين اخرين امثال علي البزركان وعارف حكمت في مقالات افتتاحية في صحف الثورة في النجف وخاصة الفرات التي كان يديرها محمد باقر الشبيبي.

كان جعفر ابو التمن احد الشخصيات العراقية التي وصلت الى مكة يوم 9 اذار 1921 وهم السيد نور الياسري والسيد علوان الياسري والسيد محسن ابو طبيخ والسيد هادي المكوطر ومرزوق العواد وشعلان الجبر ورايح العطية والد الدكتور غسان العطية وعلي آل بزركان الذي اصدر كتابا بعنوان ( الوقائع الحقيقية في الثورة العراقية) وصلال الفاضل وعلوان الحاج سعدون . كما التحق بهم المرزا احمد الاخوند الخرساني ومحمود رامز وزكي امين المدفعي وشاكر القره غولي للالتقاء بالشريف حسين والطلب منه تعيين ولده عبد الله ملكا على العراق فرحب بهم واخبرهم بانه والحكومة البريطانية يفضلون الامير فيصل الا ان جعفر بقي مصرا على مبايعة الامير عبد الله وبالرغم من ذلك فقد كانت العلاقة وطيدة بين الامير فيصل وابو التمن حيث اعتاد فيصل ان يلتق في بيت ابو التمن الذي كان ينزل فيه في مكة او في قصره وخاصة في ليالي رمضان ومع ذلك ظل ابو التمن رافضا مبايعته بعبارات مهذبة. وحينما عاد ابو التمن الى بغداد في16 ايلول 1921 جرى له استقبل حافل شارك فيه محمد مهدي البصير وباقر الشبيبي وجلال بابان عند البصرة فيما تجمع المواطنون في بغداد لاستقباله يهتفون بالاستقلال والحرية ومنذ عودته وهو يعمل من اجل الوحدة الوطنية والحصول على الاستقلال الذي كان يشغله اكثر مما تشغله قضية اختيار فيصل لعرش العراق واخذ يتحرك باتجاه التعاون مع العناصر السياسية العراقية لصالح الوحدة الوطنية. وبذلك عارض جعفر المعاهدة البريطانية العراقية عام 1924 واعتبرها مجرد مكيدة للإبقاء على الانتداب ومن اجل معارضة المعاهدة قام بجولة في منطقة الفرات الاوسط وعلى الرغم من نجاحه واصحابه في اثارة الحماس ضد المعاهدة الا انه فشل في الاجابة على القضايا الخطيرة وخاصة في كيفية حماية حدود العراق ودخول عصبة الامم كدولة ذات كيان مستقل.(11)

 نموذج الوطنية العراقية

جعفر أبو التمن وعى خطورة التكتلات الطائفية على الوطن، فبادر بالرفض القاطع لمحاولات ضمه في نشاط سياسي على اساس طائفي، بل إنه، ورغم تدينه، كان من دعاة التمييز بين الدين والسياسة. وقد اتصل المجتهد الشيعي البارز محمد حسين آل كاشف الغطاء بأبي التمن في كانون الثاني 1927، وحثه على الانضمام إلى التكتل الشيعي، غير أن أبا التمن رفض بصلابة، لأنه (لم يرغب بإدخال الدين في السياسة) ويرجع التعاون بين الشيعة والسنة في ذلك المنعطف التاريخي الى الوضع الناشئ عن الاحتلال الإنجليزي خاصة أثناء ثورة العشرين 1920، غير أن الفضل في الفعل الواعي وراء هذا التعاون يرجع بالأساس ، الى جعفر أبو التمن. وقد ركز فكره ونشاطه لتحويل هذا التعاون الظرفي الى واقع سياسي دائم. إذ لم يكن هناك، برأيه، من سبيل آخر لكسر النفوذ الإنجليزي وقد حاول بعض السياسيين من طائفته جره مراراً، الى النشاط على اساس طائفي، فأدار لهم ظهره بإصرار. وكرس جعفر أبو التمن جهود الحزب الوطني لتحقيق هذين الهدفين المترابطين، وهما وحدة النسيج الاجتماعي والوطني بكل مكوناته وتصفية النفوذ الإنجليزي.

ولعب الشبيبي الحزب الوطني دوراً هاماً خلال العشرينيات، والنصف الأول من الثلاثينيات في ترسيخ الوعي الوطني العراقي كان جعفر حلقة الوصل بين الزعامات الدينية في الطائفتين (قاضيا بغداد السني والشيعي) في كانون الثاني 1919، وعمل على تقريب وجهات نظرهما حيث تحدث في الاجتماع الذي ضمهما مع ممثلي الطوائف المسيحية واليهودية، داعيا إلى عراق موحد بحكومة عربية وحاكم مسلم)، مما عمق دوره في تكريس الوحدة الوطنية العراقية.

كان للدور الوطني الذي لعبه البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني أبلغ الأثر في نفوس الوطنيين من أمثال جعفر ابو التمن حين دعا البطريرك يوسف الى تأسيس حكومة وطنية عراقية والذي على اساسه تشكلت أول حكومة عراقية سنة 1921م ، حيثُ كان الإنكليز يراهنون على المكوّن المسيحي لاتخاذه أحد الأسباب لاحتلالهم العراق ، وقاوم البطريرك الاحتلال الإنكليزي ورفض طلبهم له بمناشدتهم لحماية المسيحيين، فكان هذا الموقف كفيل بتآزر كل القوى الوطنية مع البطريرك حين قرر الإنكليز نفيه الى البصرة، لكن قوة الاحتجاجات منعتهم من تنفيذ هذا النفي. (12)

ووفقا ما أوردته جريدة الاستقلال في عددها الصادر بتاريخ27 تموز1932، ذكرت إن الوطنيين استغلوا عيد الجسد عند الطائفة المسيحية فذهبت إليهم وفود من المسلمين وزعمائهم وكان في مقدمتهم جعفر أبو التمن إلى الكنائس يقدمون التهاني لإخوانهم المسيحيين في عيدهم، وقد القيت الكلمات التي تحث على الوئام والوفاق.

جماعة الأهالي

حينما تأسست جماعة الاهالي بزعامة حسين جميل وكامل الجادرجي وعبد الله اسماعيل ومحمد حديد وعبد الفتاح ابراهيم كانوا يتطلعون الي عرض القيادة على جعفر ابو التمن الذي اعتزل العمل السياسي بعد وفاة الملك فيصل الأول لما شاهده من فساد ونفاق، ووافق ابو التمن على الانضمام الي الاهالي بعد ان تأكد من انها لم تكن منظمة سياسية الا انه فيما بعد انشأ تنظيما سريا هو الشعبية واختير جعفر رئيسا له ويضم جماعة الاهالي التي ساهمت مساهمة مباشرة في الانقلاب العسكري الذي قاده الفريق بكر صدقي وضرب عرض الحائط كل الافكار الديمقراطية التي كان يدعو لها ابو التمن الذي اصبح وزيرا للمالية في حكومة الانقلاب برئاسة حكمت سليمان مما اضطره في الاخير الي تقديم استقالته واعتزال السياسة نهائيا حتي وفاته.

يقـول روفائيـل بطـي “ إنّ جريـدة صوت الأهـالي أخـذت تأدية واجبـها الوطـني الصحافي في الدفـاع عن حقوق الشـعب وإفهـام الجمهور مصلحته و تنبيهـه إلى ما يراد به، وطابعها الانتصار للطبقة الكادحة. وكانت الجريـدة تنهج نهجا تقدميـا في سياساتها، فقد انتصرت لزعامة جعفر أبو التمن وأيدته و آمنت بإخلاصه.

اعتزاله السياسة

بعدما توفي الملك فيصل الاول في 8 ايلول 1933 قدم رشيد عالي الكيلاني استقالة حكومته في اليوم التالي الا ان الملك غازي الذي خلف والده كلف الكيلاني بإعادة تشكيل الوزارة مرة ثانية. وعندها شكل الكيلاني وزارته الثانية التي تضم معظم الاعضاء في (حزب الاخاء الوطني) الذي ينتمي اليه الكيلاني والقى كلمة بالمناسبة قال فيها: ان سياسته الاستمرار على السياسة التي سار عليها بالاعتماد على الصداقة بين العراق وبريطانيا دون اي تغيير. الامر الذي ولّد خيبة امل خاصة لدى الحزب الوطني العراقي الذي يتزعمه محمد جعفر ابو التمن الذي اصدر بيانا في 11 ايلول قال فيه: ان الحزب الوطني لم يتوقع هذه السياسة التي مقتها حزب الاخاء نفسه. وأضاف ابو التمن انه من المناسب ان نؤجل بيان الحزب بهذا الموضوع الى ما بعد ايام الحداد على الملك فيصل .

وحينما انتهت ايام الحداد لم يذع الحزب بيانه المنتظر الا ان الراي العام فوجئ في اول تشرين الثاني ببيان شخصي اذاعه معتمد الحزب جعفر ابو التمن قال فيه ( لقد اضطررت والاسف يملأ قلبي الى ان اعتزل السياسة وانا واثق بان التطورات في نهضات الامم امثالنا قد علمتنا بانها سوف تضطرنا الى العودة متى حان وقت الكفاح).

على اثر اعتزال ابو التمن انعقد مؤتمر الحزب وانقسم اعضاؤه الى قسمين الاول يؤيد ابا التمن في اعتزاله السياسة ويضم محمد مهدي كبة وجماعته الذين ارسلوا مذكرة الى وزارة الداخلية يؤكدون فيها تعطيل اعمال الحزب السياسية حتى تتهيأ الظروف التي تمكنهم من استئناف ممارسة الاعمال السياسية . والثاني يضم مولود مخلص الذي يطالب بعدم الاعتزال واعتبر موقّعي المذكرة خارجين على النظام الداخلي للحزب لمخالفتهم احكامه ، واعلن مخلص رفضه للقرار وفصل موقعي المذكرة من عضوية الحزب ، وارسل الى وزارة الداخلية نيابة عن هيئة الحزب اكد فيها استمراره بالعمل الحزبي وفصل الجناح الاول من الحزب. الا انه تعرض الى ضغوط خارجية من قبل الحكومة فاضطر مخلص الى تعطيل الحزب نهائيا من ممارسة نشاطه السياسي العراقي.

عاد أبو التمن للعمل السياسي عام 1936 عندما أصبح وزيراً للمالية في حكومة الانقلاب، ولم ينسجم معها فاستقال عام 1937 ، واعتزل الحياة السياسية نهائياً ، ثم أمضى بقية عمره منعزلا حتى وفاته عام 1945.

وفاته

توفي جعفر أبو التمن في 20 تشرين الثاني 1945 اثر اصابته بمرض السحايا (التهاب أغشية الدماغ).

وكان الحاج عبد الحسين الأزري يزوره في مرضه فذكر: أن أبا التمن غفا وهو على فراش الموت ينتظر منيته إغفائتين فاق بينهما واتجه اليه ببصره حيث كان يجلس بجواره وقال بصوت ضعيف متهدج

: (إذا كنت متأسفاً لشيء واحد في حياتي ، فلأنّي أودع دنياي دون أن يكتب لي أن أشهد جلاء الانكليز عن هذه البلاد.  أنه آسف لأنه لم يعش ليرى القوات البريطانية تغادر الأراضي العراقية). وكانت آخر كلماته نطق بها ، بعدها أغفى إغفائته الأخيرة في الساعة الخامسة من صباح الثلاثاء المصادف 20 تشرين الثاني 1945. (13)

ولوفاته عم الحزن شوارع بغداد والعديد من المدن العراقية الأخرى، وقد شيعت جثمانه جماهير غفيرة من داره الواقعة في شارع أبو نواس إلى جسر الخر ومنها إلى مدينة النجف الأشرف حيث دفن هناك. وتكونت لجنة في بغداد من ممثلين عن الاتحادات العمالية والمنظمات المهنية والأحزاب السياسية للقيام بحفل تأبيني يليق بمكانة ((ابو التمن)) وتاريخه. وقد عقدت اجتماعات في المدارس والمعاهد والمنظمات وغرف التجارة للرثاء والمواساة.

دفن جعفر في النجف بمراسيم دفن مهيبة تدل على شعبيته الواسعة كقائد سياسي وطني من طراز خاص.

قالوا فيه

  • يقول عنه حميد المطبعي: كان فيصل الاول يقول له سراً، (كم يعجبني حوارك مع التاريخ).
  • بينما برسي كوكس يجمع الخصوم ويقول لهم:

(هل من طريق لإزاحة ابي التمن من الساحة؟؟)، حتى الوثائق البريطانية الاخرى لم تستطع ان تطعن برجل كأبي التمن.

  • قال عنه شاعر ثورة العشرين مهدي البصير: كان هو هو لا يتغير ولا يتبدل ولا يعتريه ضعف ولا وهن، ولا تشوبه شائبة وتعلق به ريبة، ولا تلين حصاته ولا تغمز قناته.
  • وقال عنه كامل الجادرجي: (كان من الاشخاص القلائل الذين لم توجه اليهم الطعون كما وجهت الى كثير من رجال الثورة، ولعله كان ابرز شخصية من بين اهل المدن العراقية).
  • وقال الجواهري من قصيدة يرثيه:

طالت ولو قصرت يد الاقدار***لرمت سواك عظمت من مختار

الهوامش

1- خيري أمين العمري (شخصيات عراقية من العهد الملكي) ، ص 168 ، الدار العربية للموسوعات ، بيروت: 2008

2- صلاح عبد الرزاق (السردية البغدادية التراثية) ، ج 2، (المدرسة الجعفرية رائدة التعليم الأهلي في العراق ص 315- 342 ) ، ص 317 ، دار روافد ، بيروت : 2024

3- صلاح عبد الرزاق (السردية البغدادية التراثية) ، ج 2، (المدرسة الجعفرية رائدة التعليم الأهلي في العراق ص 315- 342 ) ، ص 320 ، دار روافد ، بيروت : 2024

4- صلاح عبد الرزاق (السردية البغدادية التراثية) ، ج 2، (المدرسة الجعفرية رائدة التعليم الأهلي في العراق ص 315- 342 ) ، ص 322 ، دار روافد ، بيروت : 2024

5- صلاح عبد الرزاق (السردية البغدادية التراثية) ، ج 2، (المدرسة الجعفرية رائدة التعليم الأهلي في العراق ص 315- 342 )  ، ص 338 ، دار روافد ، بيروت : 2024

6- سيف الدين الدوري (محمد جعفر أبو التمن) ، موقع الكاردينيا https://www.algardenia.com/ بتاريخ 14 اذار 2023

7- خيري أمين العمري (شخصيات عراقية من العهد الملكي) ، ص 177 ، الدار العربية للموسوعات ، بيروت: 2008

8- خيري أمين العمري (شخصيات عراقية من العهد الملكي) ، ص 178 ، الدار العربية للموسوعات ، بيروت: 2008

9- خيري أمين العمري (شخصيات عراقية من العهد الملكي) ، ص 179 ، الدار العربية للموسوعات ، بيروت: 2008

10- موقع المعرفة https://www.marefa.org/

11- سيف الدين الدوري (محمد جعفر أبو التمن) ، موقع الكاردينيا https://www.algardenia.com/ بتاريخ 14 اذار 2023

12- موقع المعرفة https://www.marefa.org/

13- خيري أمين العمري (شخصيات عراقية من العهد الملكي) ، ص 226 ، الدار العربية للموسوعات ، بيروت: 2008


مشاهدات 201
الكاتب صلاح عبد الرزاق
أضيف 2024/12/07 - 2:43 AM
آخر تحديث 2024/12/12 - 6:11 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 453 الشهر 5121 الكلي 10061216
الوقت الآن
الخميس 2024/12/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير