الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المارد‭ ‬الأسود‭..‬ومافعله‭ ‬بالعرب

بواسطة azzaman

المارد‭ ‬الأسود‭..‬ومافعله‭ ‬بالعرب

محمد زكي ابراهيم

 

لا‭ ‬أشك‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬يشعرون‭ ‬بالغبطة‭ ‬لوجود‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬بلادهم،‭ ‬ويحمدون‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬تدفقه‭ ‬في‭ ‬أراضيهم‭. ‬ويتمنون‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬مكامنه‭ ‬اتسعت،‭ ‬وأسعاره‭ ‬ارتفعت،‭ ‬ووجوده‭ ‬في‭ ‬باطن‭ ‬الأرض‭ ‬امتد‭ ‬لآلاف‭ ‬السنين‭! ‬فقد‭ ‬تحولوا‭ ‬فجأة‭ ‬من‭ ‬شعب‭ ‬معدم‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬غني،‭ ‬وأصبح‭ ‬في‭ ‬وسعهم‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬منازل‭ ‬أنيقة‭ ‬والتجوال‭ ‬في‭ ‬سيارات‭ ‬فارهة،‭ ‬واقتنوا‭ ‬السلع‭ ‬الثمينة،‭ ‬وبنوا‭ ‬الجامعات‭ ‬والمشافي‭ ‬والأسواق‭ .. ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الأمور،‭ ‬لكنهم‭ ‬يدركون‭ ‬أنهم‭ ‬بسببه‭ ‬باتوا‭ ‬عرضة‭ ‬للحسد‭ ‬والغيرة،‭ ‬وأحياناً‭ ‬كثيرة‭ ‬للإثم‭ ‬والعدوان‭. ‬

‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬حاولوا‭ ‬رد‭ ‬الصاع‭ ‬لمستعمريهم‭ ‬القدامى،‭ ‬فمنعوه‭ ‬عنهم‭ ‬في‭ ‬الشتاء‭ ‬البارد،‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬السياسيين‭ ‬الغربيين‭ (‬أنبهم‭) ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬الألم‭ ‬قائلاً‭: ‬أنتم‭ ‬لم‭ ‬تصنعوا‭ ‬النفط،‭ ‬الصدفة‭ ‬وحدها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬جعلته‭ ‬بين‭ ‬أيديكم،‭ ‬فلماذا‭ ‬تحاربوننا‭ ‬به‭!.‬

‭ ‬وليس‭ ‬سراً‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحال‭ ‬ليست‭ ‬نافعة‭ ‬على‭ ‬الدوام،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬ضارة‭ ‬جداً‭ ‬أحياناً،‭ ‬فمثلما‭ ‬أن‭ ‬لديها‭ ‬جانباً‭ ‬مضيئاً،‭ ‬فإن‭ ‬لها‭ ‬آخر‭ ‬معتم‭ ‬أيضاً،‭ ‬وربما‭ ‬يصح‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬مشكلة‭ ‬العرب‭ ‬الحقيقية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬ظهور‭ ‬هذا‭ ‬المارد‭ ‬الأسود‭ ‬على‭ ‬حين‭ ‬غرة‭ ‬لديهم،‭ ‬وتحوله‭ ‬إلى‭ ‬المصدر‭ ‬الأول‭ ‬للطاقة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬فلم‭ ‬تعد‭ ‬التنمية‭ ‬همهم‭ ‬الأول‭ ‬لانشغالهم‭ ‬بإنفاق‭ ‬الأموال،‭ ‬وبناء‭ ‬الأبراج،‭ ‬واقتناص‭ ‬متع‭ ‬الحياة،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬الحسبان‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬زيادة‭ ‬الموارد‭ ‬النفطية‭ ‬لديهم‭ ‬إلى‭ ‬تكريس‭ ‬التجزئة،‭ ‬والتخلي‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬الوحدة‭.‬

‭ ‬وقد‭ ‬يعجب‭ ‬البعض‭ ‬لهذا‭ ‬الاستنتاج‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬محله،‭ ‬لكن‭ ‬إنكاره‭ ‬هو‭ ‬البرهان‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬هذه‭ ‬المقولة‭. ‬فالحقيقة‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬ارتفعت‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬السبعينات،‭ ‬وازدادت‭ ‬مساهمتهم‭ ‬في‭ ‬أصول‭ ‬الشركات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬لم‭ ‬يعودوا‭ ‬ميالين‭ ‬للتفكير‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬اسمه‭ ‬الوحدة،‭ ‬بل‭ ‬باتوا‭ ‬ينكرونها،‭ ‬ويتخوفون‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أنهم‭ ‬صرفوا‭ ‬النظر‭ ‬عنها‭ ‬تماماً،‭ ‬فلا‭ ‬يوجد‭ ‬الآن‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬تيار‭ ‬وحدوي‭ ‬يرفع‭ ‬صوته‭ ‬مطالباً‭ ‬بالتضامن‭ ‬والتآزر‭ ‬والتقارب،‭ ‬مثلما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬الحال‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬الأحزاب‭ ‬القومية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تصول‭ ‬وتجول‭ ‬وتتظاهر‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوحدة،‭ ‬ضعفت‭ ‬وانهارت،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬لها‭ ‬وجود‭ ‬يذكر‭ ‬في‭ ‬الساحة‭.‬

ومن‭ ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬كانوا‭ ‬يشعرون‭ ‬أنهم‭ ‬شعب‭ ‬واحد‭ ‬بالفعل،‭ ‬يوم‭ ‬كانوا‭ ‬فقراء،‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬سوى‭ ‬الزرع‭ ‬والضرع،‭ ‬والستر‭ ‬والعافية،‭ ‬وكانوا‭ ‬يؤمنون‭ ‬أن‭ ‬الغنى‭ ‬الذي‭ ‬تمتع‭ ‬به‭ ‬أسلافهم‭ ‬قبل‭ ‬مئات‭ ‬السنين،‭ ‬سيعود‭ ‬حين‭ ‬يلتئم‭ ‬شملهم،‭ ‬وتتوحد‭ ‬كلمتهم‭.‬

‭ ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬أخضعت‭ ‬البلدان‭ ‬والممالك،‭ ‬ونشرت‭ ‬العدل‭ ‬والمساواة،‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬ستكون‭ ‬طوع‭ ‬أيديهم‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬اجتمعوا‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬واحدة‭.‬

وقد‭ ‬أتى‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬العرب‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬الدهر،‭ ‬كانوا‭ ‬يقرنون‭ ‬فيه‭ ‬الإيمان‭ ‬بالعمل،‭ ‬والنظرية‭ ‬بالواقع،‭ ‬فلم‭ ‬ير‭ ‬العراقيون‭ ‬وقبلهم‭ ‬السوريون‭ ‬مانعاً‭ ‬أن‭ ‬يتولى‭ ‬أمرهم‭ ‬ملك‭ ‬من‭ ‬الحجاز،‭ ‬وسار‭ ‬على‭ ‬منوالهم‭ ‬الأردنيون‭. ‬بل‭ ‬أن‭ ‬وزراء‭ ‬وقادة‭ ‬جيوش‭ ‬عراقيين‭ ‬مثل‭ ‬ياسين‭ ‬الهاشمي‭ ‬ونوري‭ ‬السعيد‭ ‬كانوا‭ ‬يتولون‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬مثلما‭ ‬تولى‭ ‬أخوة‭ ‬لهم‭ (‬مثل‭ ‬رستم‭ ‬حيدر‭) ‬ذات‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وهكذا‭.   ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬متاحاً‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬النفط‭ ‬والوفرة‭ ‬المالية،‭ ‬وليس‭ ‬ثمة‭ ‬من‭ ‬يقبل‭ ‬به‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬المشرق‭ ‬والمغرب،‭ ‬فقد‭ ‬انبعثت‭ ‬الروح‭ ‬الإقليمية‭ ‬فجأة،‭ ‬وأخذت‭ ‬تدفع‭ ‬بهم‭ ‬للتشبث‭ ‬برقعة‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬وجدوا‭ ‬أنفسهم‭ (‬بالصدفة‭) ‬فيها،‭ ‬وربما‭ ‬كانت‭ ‬آخر‭ ‬تجربة‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السبيل،‭ ‬يوم‭ ‬أسندت‭ ‬وزارة‭ ‬الدولة‭ ‬إلى‭ ‬عدنان‭ ‬الباجه‭ ‬جي‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات،‭ ‬في‭ ‬عقد‭ ‬السبعينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تمتلئ‭ ‬خزائنها‭ ‬بأموال‭ ‬النفط‭ .‬

‭ ‬لقد‭ ‬قضى‭ ‬النفط‭ ‬على‭ ‬حلم‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭ ‬إذن،‭ ‬وبات‭ ‬مجرد‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬اللامعقول،‭ ‬أو‭ ‬الثرثرة،‭ ‬أو‭ ‬الهزل‭ ‬الصريح‭. ‬ولله‭ ‬في‭ ‬نفطه‭ ‬شؤون‭ !‬


مشاهدات 163
الكاتب محمد زكي ابراهيم
أضيف 2024/12/07 - 1:29 AM
آخر تحديث 2024/12/12 - 2:38 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 404 الشهر 5072 الكلي 10061167
الوقت الآن
الخميس 2024/12/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير