الذكرى الرابعة عشرة لوفاة المؤرخ الكبير عبد العزيز الدوري
أكاديمي أثرى المكتبة العربية بمؤلفاته الرائدة
الزمان
ا.د. عبد العزيز الدوري “رحمه الله”، أحد مؤرخي التاريخ والحضارة العربية الإسلامية، بحق دون ان يدعي التفلسف، على الرغم من أنه قدّم في أغلب مؤلفاته حساً فلسفياً ورؤية حضارية واضحة، جمعت بين الحقيقة التاريخية والرؤية الفلسفية في اختصاصه (التاريخ والحضارة). فقد نادى بضرورة إعادة بناء الحقيقة الحضارية العربية الإسلامية وفق منهج علمي يجمع بين التحليل والنقد والموضوعية التكاملية، وهو ينتقل في رؤاه للواقعة التاريخية من الحوادث الجزئية (أي الحقائق التاريخية) إلى تكوين نظرة فلسفية، وكذلك نتلمس الروح الفلسفية النقدية عنده في سياق تأكيده المستمر ضرورة أن يتشبث الباحث في التاريخ بالحقائق التي يتوصل إليها نقداً وتحليلاً، فلا يكاد يخلو كتاب أو بحث أو دراسة للدوري من هذه الرؤى الفلسفية في النصوص وما بين السطور.
وإذا أردنا أن نضع الدوري ضمن اتجاه معين من اتجاهات فلسفة التاريخ فسيجد موقعه ضمن (فلسفة التاريخ النقدي) أو قل (الفلسفة النقدية للتاريخ)، وهو ما اصطلح عليه
بـ منطق التاريخ حين وظف في أغلب مؤلفاته منهج التحليل الفلسفي لعلم التاريخ، أي اتباع أسلوب التحليل والنقد ومن ثم البناء الشمولي، اعتماداً على الحقائق الجزئية، حيث يقف (علم التاريخ) تاركاً للمنظور الفلسفي ممارسة صلاحياته أو دوره في الوصول إلى الحقيقة التاريخية.
مشاكل قومية
ومثلما أشار الدوري إلى تأثر الكتابة التاريخية بما تعانيه الأمة في الوقت الحاضر من مشاكل طائفية قومية شعوبية لاحظ أن معظم الذين تناولوا الكتب التاريخية لم يكونوا مؤرخين محترفين مثل طه حسين وغيره. فالذين كتبوا إلخ، لم يكونوا مؤرخين، الفتنة وعن عمر بن الخطاب وهارون الرشيد. ولم يكونوا متخصصين. وهو ما دعاه إلى التشديد على وجوب أن يتناول الدراسات التاريخية من يملكون تكويناً تاريخياً علمياً رصيناً.
يعتبر عبد العزيز الدوري إن #الإسلام وحد #العرب وحملهم رسالة وأعطاهم قاعدة فكرية أيديولوجية، وبه كوّنوا دولة.
وايضا الدكتور عبد العزيز الدوري “رحمه الله” رائد في الكتابة التاريخية العربية. لقد وسع مجال البحث التاريخي، فاهتم بما سكت عنه الآخرون. ذهب إلى بحث عن وقائع الماضي، لا في ما رواه المؤرخون، إنما بحث عنها في ما لم يكن معتاداً البحث فيه.
على أن مأثرة الدكتور الدوري الكبرى أنه فتح ميداناً دراسياً في البحث التاريخي، كان فيه رائداً ومرجعياً، هو التاريخ الاقتصادي. ولعل كتاب تاريخ العراق الاقتصادي في القرن الرابع الهجري يشكل نقطة انطلاق مهمة، لا في مسيرة الدوري العلمية فحسب، بل في مسار حركة التاريخ العربي المعاصر، فهو بداية تأسيسية ومبكرة الحقل جديد من حقول التاريخ.
وكان للدوري دور في خدمة المكتبة العربية، إذ صدر كتابه الشهير بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب، ففيه التقاط دقيق للحلقات التأريخية المرجعية الموصلة إلى النص التاريخي المدوّن، إضافة إلى إنجازه المنهجي المتمثل في اتساع استخدامه أنواعاً متعددة من المصادر.
أما في حفل التاريخ للإيديولوجيا والأفكار السياسية فقد كتب الدوري ثلاثيته المشهورة: الجذور التاريخية للقومية العربية والجذور التاريخية للشعوبية والجذور التاريخية للاشتراكية العربية وهي تشهد - بحق - على سيرة هذا المؤرخ المناضل الذي عرف كيف يمزج بين الذاكرة والتاريخ ونضج ثقافته القومية في رؤية الظاهرات الاجتماعية والسياسية الحديثة.
ثم جاز سجال «الجذور» وتجاوزه في نقلة معرفية تجلت في كتاب التكوين التاريخي للأمة العربية: دراسة في الهوية والوعي، معيداً بناء الأفكار السياسية العربية، في نظرة تاريخية تكوينية وتطورية، باحثاً عن سمة الاستمرارية في فكر الأمة عند العرب.
- ا.د. عبد العزيز الدوري: ولد سنة 1919 - توفي في 19 نوفمبر 2010، (91 سنة).
- درس في بغداد حيث أكمل دراسته الثانوية. ثم شارك في بعثة علمية إلى المملكة المتحدة، فسافر إلى لندن ونال شهادة البكالوريوس من جامعتها سنة 1940.
استمر في دراسته هناك وحصل على شهادة الدكتوراه عام 1942، وكانت أطروحة الدكتوراه بعنوان (تاريخ العراق الاقتصادي للقرن الرابع الهجري).
- بعد عودته درّس التاريخ في دار المعلمين العليا ثم كلية الآداب والعلوم قبل قيام جامعة بغداد.
- عمل مؤسسا وعميدا لكلية الآداب والعلوم وتولى رئاسة جامعة بغداد من 1963 إلى 1968 لينتقل بعدها للتدريس في الجامعة الأردنية.
- استطاع الدوري في مؤلفاته التاريخية أن يقدّم صورة جديدة للتاريخ العربي الإسلامي عن طريق دمجه لأصالة البحث التاريخي في مؤلفات المؤرخين العرب القدماء مع أدوات التحليل والبحث التي استقاها من الغرب.
صدرالاسلام
- كما استطاع الدوري في مرحلة مبكرة جدا، تحديدا عام 1945 أن يقدم لنا كتاب (مقدمة في تاريخ صدر الإسلام) وهي رؤية جديدة للتاريخ الإسلامي، جمع فيها رؤيته للعوامل المختلفة التي أسهمت في تطور التاريخ الإسلامي والذي يحددها بعوامل عقائدية إيمانية وعوامل قبلية عصبيّة وعوامل اقتصادية.
وبهذا جمع الدوري برؤية المسلم العربي مجمل العوامل الأساسية المؤثرة في التاريخ دون تحيز لنظرية معينة تضع أحد هذه العوامل أولا فَلَم يُعلِ من شأن الإيمان مهملا الاقتصاد، ولم يهمل العصبية ليركز على الاقتصاد. طبّق الدُّوري كل ذلك على مرويات التاريخ الإسلامي الوفيرة ليضع صورة أكثر وضوحا لأزمات التاريخ الإسلامي مثل فتنة مقتل عثمان ونزاعات الخلافة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان ومشاكل العراق الاقتصادية في تلك الفترة.
- كان كتابه “مقدمة في التاريخ الاقتصادي العربي” أحد الكتب الأولى وما زالت أحد الكتب النادرة التي تتحدث عن مراحل تطور الاقتصاد في بدايات الدولة الإسلامية.
- أهم الكتب التي قام بتأليفها :
* العصر العباسي الأول. بغداد 1945، ط2، بيروت 1989.
* دراسات في العصور العباسية المتأخرة، مطبعة الرابطة بغداد 1945.
* موجز تاريخ الحضارة العربية (بالاشتراك مع ناجي معروف) بغداد 1952.
* تأريخ العراق الاقتصادي في القرن الرابع الهجري، بغداد 1948.
* النظم الإسلامية، ج1، بغداد 1950.
* مقدمة في تأريخ صدر الإسلام، بغداد 1949 (ترجم إلى التركية).
* بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب، بيروت 1960 (ترجم إلى الإنجليزية).
* مقدمة في التاريخ الاقتصادي العربي، 1969 بيروت 1982 (ترجم إلى الألمانية والتركية).
* التكوين التاريخي للأمة العربية، نشر مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1983 (ترجم إلى الإنجليزية).
* الجذور التاريخية للقومية العربية، بيروت 1960.
*الجذور التاريخية للشعوبيّة، ط1، بيروت 1962.