بمناسبة التعداد العام للسكان

إحصاء 1957 .. إجراءات وتشريعات

محمد عبد المحسن

سيبدأ هذا الأسبوع التعداد العام لسكان العراق ، وهو حدث مهم تترتب على نتائجه آثار مهمة تتعلق بالوقوف على بيانات دقيقة عن السكان وما تقدمه هذه البيانات للإحصائيين من مؤشرات تبنى على أساسها عمليات التخطيط في القطاعات كافة وخطط التنمية المستقبلية . وفي هذه المناسبة نستذكر أهم إحصاء جرى في العراق وبنيت على أساسه خطط واعتمدت بموجبه إجراءات وتشريعات .

وسائل الكترونية

جرى هذا التعداد في 12 تشرين الأول 1957 في ظل العهد الملكي ، وبسبب تواضع الوسائل والأدوات التي كانت سائدة آنذاك قبل ثورة تكنولوجيا المعلومات وقبل انتشار الوسائل الألكترونية يظن المرء لأول وهلة أن الدقة لم ترافق عملية الإحصاء السكاني خلاله ، لكننا نفاجأ حين نقف على الإستعدادات الكبيرة واللوازم الحديثة التي هيّأتها الدولة لهذا الغرض من خلال وزارة الشؤون الإجتماعية التي كانت هي المسؤولة عن مديرية النفوس العامة ( الإسم السابق لدائرة الأحوال المدنية ) ، قبل ربط الأخيرة بوزارة الداخلية ، فقد قامت الوزارة بالإستعانة بشركة I.B.M الأمريكية المعروفة للحواسيب لتوفير أحدث الأجهزة في العالم آنذاك بغية تأمين السرعة والدقة في عمليات توفير الأرقام الإحصائية وخزنها ، كما أوفدت الشركة أحد خبرائها للقيام بتغذية العقل الألكتروني للحاسبة بالبيانات ، وفضلاً عن ذلك حرصت الحكومة على إجراء الإحصاء تحت إشراف الأمم المتحدة التي قامت بتكليف أحد خبرائها هو المصري البروفيسور محمد رياض الشنواني بوضع خبرته في خدمة الأجهزة المعنية بالتعداد ( وهو الذي طرح فكرة اعتبار الأول من تموز تاريخاً لميلاد الشخص الذي يجهل  اليوم والشهر اللذين ولد فيهما، ونفذت هذه الفكرة باعتبار يوم 7/1 تاريخاً للميلاد في هذه الحالة )، واستمرت عمليات تدوين المعلومات وتنظيمها في سجلاتٍ مدةً غير قصيرة صدر بعدها بيان باعتماد بيانات تعداد العام 1957 بدلاً من بيانات التعداد الذي سبقه ( الذي جرى عام 1947 ) ، وقد اعتمدت بموجب ذلك وثيقة للأحوال المدنية سمّيت (دفتر النفوس) وهو يتألف من ثماني صفحات وعلى غلافه اسم اللواء(المحافظة) الذي سجّل فيه حامله ، ولغرض تمييز دفتر النفوس حسب الجنس اختير اللون البني الفاتح لأغلفة دفاتر نفوس الذكور واللون الأزرق الفاتح لأغلفة فاتر نفوس الإناث ،وفي صفحات الدفتر يتم تأشير المتغيرات التي تطرأ على الحالة المدنية لصاحبه كالزواج أو ولادة الأبناء .

واعتمد الإحصاء نظام الأسرة في تخصيص صفحات السجل المدني حيث خصص صفحة لكل رب أسرة تسجّل معه فيه أسماء أفراد أسرته، واعتبر الأب ربّاً للأسرة، وفي حالة وفاته تحل الزوجة محله . وفي حالة زواج الإبن يتم نقل سجله إلى صفحة جديدة ضمن أسرة يكون هو ربّها وتضم زوجته وأبناءه وبناته ؛ وفي حالة زواج البنت يتم نقل سجلها إلى صفحة زوجها .

صدور قوانين

ورغم إجراء أكثر من تعداد بعد هذا التعداد وصدور قوانين متعاقبة لتنظيم شؤون الأحوال المدنية في ظل عهود مختلفة (قانون تسجيل النفوس والألقاب رقم 61 لسنة 1958 ثم قانون تسجيل الأحوال المدنية رقم 189 لسنة 1964 وبعده قانون الأحوال المدنية رقم 65 لسنة 1972 ) وإلغاء كل واحد من هذه القوانين القانون الذي سبقه فقد ظلت القيود المسجلة بموجب ذلك التعداد الخمسيني هي المعتمدة رسمياً كما ظلت القواعد العامة المتبعة في التسجيل هي ذاتها ، وبالتالي  ظل هو المعتمد في إصدار دفتر النفوس ثم بطاقة الأحوال المدنية، وشهادة الجنسية، العراقية، وجواز السفر، ودفتر الخدمة العسكرية، وبطاقة السكن، والتعريف بالشخص لأغراض التسجيل في المدارس والجامعات والتعيين في مؤسسات الدولة وفي التصويت في الإنتخابات على اختلافها والحصول على البطاقة التموينية ؛

ومما زاد في أهمية هذا التعداد القرار الذي صدر في العام 1982 القاضي بعدم السماح بتملك العقار في بغداد إلا لمن كان مسجلاً في سجلات الأحوال المدنية لإحصاء عام 1957 في بغداد أو الأقضية والنواحي التابعة لها وقت إجرائه .ولقد تلت ذلك تطورات في تنظيم تسجيل الحالة المدنية للمواطن العراقي ، منها استخدام الوسائل الألكترونية في العمل، واستخدام بطاقة الأحوال المدنية بدلاً من دفتر النفوس ، و إبدال اسم الدائرة المختصة وتسميتها بدائرة الأحوال المدنية بدلاً من مديرية النفوس العامة ثم البدء بإصدار البطاقة المدنية الموحدة ، ولكن رغم تبدّل العهود وتنوّع الظروف ظل هو الأساس المهم للأحوال المدنية حتى اليوم ودليلاً على رصانة ودقة ذلك التعداد رغم مضي سبعة وستين عاماً على إجرائه .