حول حُرية النشر
محمد الكرخي
كثيراً ما يُردد بعض المعنيين في وسطنا الثقافي العراقي رأيٌ مفاده: “أنه ولا بد من مرور الكتب بمختلف أشكالها وموضوعاتها على لجان لتقييم ما يصلح للنشر منها، وما يحصل اليوم في سوق صناعة النشر، مجرد فوضى ثقافية”.قد نتفق مع هذا الرأي عند قراءتنا العديد من المؤلفات الصادرة عن مختلف الدور والمؤسسات الثقافية العراقية، المؤسسات العامة والخاصة سواء، لما نلحظه في هذه المؤلفات من مثالب أدبية وفكرية وأسلوبية ولغوية وتصميمية وطباعية، إلا أن كل هذه المثالب؛ لا تبرر لنا الدعوة لمنع نشر المؤلفات دون المرور بلجان ثقافية خاصة والحصول على موافقتها للنشر، وذلك لعدة أسباب، منها مثلاً: أولاً: إن صناعة الثقافة في العراق لا تزال رهينة “المال السياسي”، وبالتالي فوجود لجان خاصة لفحص المواد المراد نشرها، يعني منع أي كاتب من حرية القول في ما يخالف الجهة السياسية “الممولة” للجنة تقييم النشر. ثانياً: ثقافتنا النقدية في العراق ذوقية-انطباعية أكثر منها علمية-مهنية، وهذا مما سيساهم أيضاً في منع المواد الجديدة والإبداعية والجميلة والصادقة والواقعية من النشر. النقد عندنا قائمٌ على العلاقات الشخصية والمجاملات، وهو محصور بين الناقد والمنقود بالدرجة الأساس، وليس موجه إلى عموم القراء. ثالثاً: المستوى المعرفي-الثقافي في عموم الوسط الثقافي يعتمد بالدرجة الأساس على التلقين وحفظ المعلومات والجدل دون إدراك لمنطق الموضوعات المختلفة، وبالتالي، فإن مؤلفات لا تصدر دون المرور في مثل هكذا أجواء معرفية-ثقافية، ستكون حتماً تقليدية في روحها وبالتالي لن تنفخ روحاً جديدة في واقعنا الثقافي العراقي. ولن أذكر عناوين العديد من المؤلفات، كأمثلة لما أذهب إليه، تلافياً للمماحكات الشخصية غير العلمية ولا المهنية. يسعى أصحاب هذا الرأي، لفرض الوصاية على الكُتاب وعلى القُراء، وسبب سعيهم هذا، يرجع لعدم قدرتهم على التخلص من تأثير ثقافتنا العراقية الشعبية والعالمة الخاضعة “لسلطة القوة” [القوة قد تكون سياسية أو دينية أو طائفية أو عسكرية أو حزبية أو عشائرية أو مالية أو وظيفية] لا “سلطة العقل” .الأولى بأصحاب هذا الرأي، أن يقدموا أعمالاً نقدية تقويمية للمؤلفات المنشورة غير المستحقة للنشر، لبيان أسباب لا استحقاقها النشر، وبالتالي وبالتراكم، سيُولد لنا جيلٌ لماح ومرهف وموهوب قادر على تأليف ما يستحق النشر.