كمين السلام
محمد ال طي
ماذا لو تخيلنا في إطار جدل فلسفي أن العالم أصبح يتبع دينا واحدا، أو قومية واحدة، أو مذهبا واحدا، أو أي نوع من الأفكار الأيديولوجية المحددة؟ هل سيؤدي ذلك إلى إنهاء الحروب والصراعات والدماء؟ أم سيكون هناك سلام دائم في العالم؟ هل الإنسان بطبعه يميل إلى العنف؟ أم أنه يسعى لتلبية احتياجاته عبر أخذ ما يملك الآخرين، حتى لو أدى ذلك إلى إيذائهم؟تحدثنا السردية الأريكيولوجية “الآثارية”، عن مذبحة مروعة جرت بين مجموعة من الصيادين وجامعي الثمار، وقد أطلق عليها اسم “مذبحة ناتاروك”. كانت دوافع هذه المأساة مادية بحتة، تتجه نحو نهب الثروات الطبيعية، تماما كما حدث بين عيلام وسومر اذا كانت دوافع الإنسان هنا مادية أيضا، وأؤكد أن الغالبية العظمى من الحروب التي حدثت منذ بداية وجود الإنسان وحتى الوقت الراهن كانت تهدف بالأساس إلى تحقيق مكاسب اقتصادية بحتة. وفي إطار السردية الدينية، تروي لنا القصص عن أبناء نبي الله آدم “قابيل وهابيل”، حيث نشب بينهما جدل عميق أسفر عن نهاية مأساوية، إذ أقدم قابيل على قتل هابيل لم يكن الدافع وراء هذا الفعل الإجرامي ماديا، بل كان دافعا نفسيا عميقا يعكس الصراع البشري الداخلي، وأنه كما يقال، الأنانية هي المصدر الأساسي لكل الشرور! فنجد أحيانا دولا أو مجموعات بشرية ليست بحاجة إلى شيء، لكنها تنغمس في خوض الحروب، وهذا لعمري أمر يثير الدهشة.! في إطار ما تم تناوله من قصص وروايات، نستخلص أن الكينونة الإنسانية تعكس نزعة نحو العنف كوسيلة لتحقيق رغباتها، كما تظهر أيضا ميلا نحو إشعال الحروب في سبيل الظفر بالهيمنة والقوة والنفوذ.في كلتا الحالتين، يظهر بجلاء أن الحرب تكتسب طابع الحتمية، ولا يمكن الفرار منها وحتى مع بروز الحضارة وتقدم الإنسان في مجالات عدة، نجد أن البشرية قد غدت أكثر وحشية وعنفا! وهذا التناقض لا يتماشى بتاتا مع ما حققه الإنسان من إنجازات، بينما العالم يرزح تحت وطأة تهديدات الحروب البيولوجية والنووية. ومنذ فجر الخليقة وجد هناك طرف يتسم بالقوة، وآخر يتسم بالضعف، حيث يسعى الطرف الضعيف دوما للدفاع عن نفسه بكل شجاعة وبكل ما يمتلكه من طاقة، حفاظا على ثرواته وما يعتز به من أفكار، حتى وإن تطلب الأمر خوض معارك طاحنة. ومن الرومانسية بمكان أن نعتقد أن الحرب ستتوقف طالما أن الإنسان موجود على كوكب الأرض، ورغم كل الجهود التي بذلت لوقف الصراعات، إلا أنها لم تحقق النجاح. وأصبحت الأدوات المستخدمة في هذا السياق مجرد وسائل للهيمنة والسيطرة، كما أن الدبلوماسية تحددها القوى المنتصرة بعد انتهاء الحروب، وليس قبلها.... انتهى...