وحدة الساحات.. خمسة ملايين إيراني
فاتح عبدالسلام
الحرب ليست نزهة، حتى لدى اقوى جيوش العالم ضد أضعفها على الاطلاق. وقد رأينا الجيش الأمريكي ومعه العالم عند احتلال العراق، وكان الجيش المقابل منهكاً بمعدات قديمة تحت حصار طويل وقيادة تتجاذبها عوامل التفكك وغلبة “الولاء” على حساب “الكفاءة والأداء” ، ومع ذلك سقط الجيش الأمريكي في حبائل أيام سوداء انهكته حتى انسحابه من البلد .
حتى هذه اللحظة لم يحسم الكلام في خلفيات القرار الأمريكي احتلال العراق بالرغم من انه كان بلدا ضعيفا محاصرا لا يملك في الاحتياطي النقدي أكثر من مليار دولار واحد، وليس له مصادر للتزود بالسلاح. وفي الجانب الاخر جرى اعدام صاحب قرار المواجهة المختلة من الرأس الى القدم مع الامريكان من دون ان تبحث المحاكمات العلنية في أسباب ذهابه بالبلد منذ سنوات وليس في سنة احتلاله الى الهاوية البشعة.
اليوم، هناك مَن يرى انّ قرار ادخال العراق بالحرب بيديه وحده من دون ان يدري الشعب أو سلطاته الرسمية، وهناك حجج وشعارات مُغلفة بكل ما هو حماسي وقومي وديني في خلط عجيب للأوراق، ضمن رؤية تابعة لدولة أخرى هي ايران تقود “محور المقاومة” الممتد من أول متر خارج حدود ايران حتى آخر متر في قطاع غزة، إذ يجري «عنوة» أو «خاوة» حشر العراق في اتون هذا الخيار وهو الذي لم يستعد حتى اليوم بناء جيشه وتسليحه.
من حق العراقي أن يعرف ماذا عساه ان يفعل إذا وجد نفسه ذات ليلة او نهار، في ظل التهديد المتبادل بين ايران وإسرائيل ساحة حرب مفتوحة، لا يمكن تحاشيها بتصريحات رسمية من حكومة او برلمان، لأنّ
هذه «الأنواع» من قرارات الحروب تبدو مفروضة على العراق بوصفه خاصرة رخوة، وهناك مَن يساعد في ابقائها خاصرة مطعونة وجريحة.
لا أحد يزايد على موقف العراق منذ العام 1948 من فلسطين، ومقبرة شهداء الجيش العراقي في “جنين” تشهد على ذلك وسط عشرات الأدلة لمختلف الحقب السياسية التي مرت بالبلد.
لكن في النهاية، هناك مسارات التزم بها العرب منذ مؤتمر القمة العربية بالرباط في العام 1974 وكان القرار راجحا لمَن يمثل الفلسطينيين في رسم الرؤية الخاصة بهم من دون ان يدفعهم العرب لخيارات اكبر من امكاناتهم، وأن يبقى العرب داعمين، غير ان اهواء الزعامات العربية أظهرت نزعات المزايدة الجوفاء، حتى جرى وصول ايران ولتقود قرار السلم والحرب بنفسها.
كانت القوات الإيرانية في الحرب مع العراق -1980- 1988- تدفع خمسة الاف من الحرس الثوري والباسيج والمليشيات على نقطة دفاعية عراقية من ثلاثين جنديا حتى تخرقها ولا تبالي لو فقدت الفين أو أربعة الاف من عناصرها.
لا ندري لماذا لم تشهد» نظرية وحدة الساحات» التي تمتد مباشرة من ايران الى لبنان تدفق أربعة أو خمسة ملايين مقاتل إيراني في سبيل الهدف الغالي، حتى لو وصل عشرة بالمائة الى الهدف بحسب نظرية قتالية مارسها الايرانيون في حربهم في ثمانينات القرن الماضي، ونجحت أحياناً؟