ماهي مفاتيح التغذية السياسية الآمنة لمجتمع متنوّع
أي الأسبقيات أجدى في التصدّي للتشرذم
أكاديمي عراقي يرسم مقاربات أثنية ضامنة للوحدة الوطنية
عادل سعد
يشغلني كثيراً التعدد الاثني في العراق لعدد من الاعتبارات على رأسها ، البحث عن اليات عادلة لتثبيت مفاتيح وطنية مشتركة لهذا التعدد واهمية ذلك على مستقبل العراق ضمن وعاء التشارك والتضامن ووحدة المواقف التي تكفل السيادة الوطنية وقيم العيش المشترك ، ومن الدراسات التي لفتت نظري حقاً دراسة للاكاديمي العراقي مصطفى محمود جلال جاءت بعنوان (المواطنة والتعدد الاثني في العراق)، لقد نال الباحث على هذه الدراسة درجة الماجستير من جامعة النهرين كلية العلوم السياسية (بتقدير جيد جداً عالي) ، اما الجميل الاخر في الامر انه اهدى بحثه إلى الحدباء ، نينوى مع ان الباحث هو من سكان محافظة كربلاء .
مفاهيم عامة
تضمنت الدراسة أربعة فصول ،فصل تمهيدي تطرق الى مفاهيم عامة تلبي احدثيات العنوان ، الفصل الاول ، الاثنيات العراقية والعملية السياسية في العراق بعد 2003 ، الفصل الثاني عوامل ضعف المواطنة وتنامي الاثنيات في العراق ونتائجها ، الفصل الاخير ، المواطنة وعلاقتها بالمجاميع الاثنية وتقاسمت الفصول الاربعة تسعة مباحث ، بشأن تحديد خصائص الاثنيات تناول مصطفى المؤشرات الآتية :
1 - تُحدد الجماعات العرقية لأنها ذات وضع سلالي خاص يميزها عن غيرها من الجماعات
2 - يتميز افراد تلك الجماعة بشخصية ذاتية مستقلة من خلال هويتهم وانتمائهم لها
3 - عضوية الجماعة العرقية هي عضوية اجبارية، بمعنى ان افراد هذه الجماعة يولدون فيها ويورثون خواصها العرقية ، ومن ذلك أصحاب البشرة السمراء في الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال لا الحصر ،موضحاً أن العرقية تتركز بشكل اساسي على الخصائص الموروثة التي تميزها عن الجماعات الاخرى ، وتوقف عند الاثنية وعلاقتها بمفهوم العرقية ، مبينا أن الاثنية لاتكتفي بالانحدار من اصل واحد كي يطلق عليها اسم جماعة أثنية ، بل ان البعد الثقافي من الخصائص المهمة الواجب توافرها ،بالمقابل تفتقد العرقية الى ذلك وتكتفي بالبعد الجيني الموروث
•هناك من يرى ان الفرق بين (الاثنية والعرقية) كبير جداً ،فالاثنية تنشأ عندما تختار الجماعة ان تنفرد بنفسها وتتحصن في فضاء هويتها الاثنية التي لا يمكن لأحد ان يأخذها منها أما العرقية فهي تظهر كطريقة لتأسيس التقسيم وتحديد الناس وفق معيار جيني ثابت ، ودخل الباحث الى المحطات.
الاثنيات العراقية و دورها في العملية السياسية بعد عام 2003 مستعرضاً تشكيل مجلس الحكم ، ورسم قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية ، وصياغة الدستور الدائم عام 2005 الذي ضمن الاعتراف بالتعددية القومية و اصدار تشريعات لتنفيذ حقوق و واجبات التعدد في العراق ، مسألة الفدرالية ، وإعادة بناء الهوية الوطنية على اساس من الشراكة الراسخة والحرص اللوجستي في تكوين مصدات ديمقراطية سياسية تحول دون عودة الدكتاتورية ،وتحقيق الاستقرار والتنمية البشرية المستدامة.
تطرق الباحث الى أربعة شروط تستمد حضورها من الابعاد ، الجغرافية ، النفسية ، الاقتصادية ، السياسية ، متحرياً المراحل التي مرت بها هذه التطبيقات والمحاولات الارهابية الظلامية التي أرادت تفكيك الشراكة لأقامة نفوذ الصراعات بينها.
في الفصل الثاني من الدراسة تم تكريسه للضعف الذي اصاب المواطنة وتنامي الانتماءات الاثنية على حساب ذلك منطلقاً من عاملين ،سياسي واجتماعي وكيف ان قوى اقليمية و دولية عملت على تكريس ذلك بتصنيع محركات تاريخية مشبوهة لتمويل هذا الضعف ، بينما تطرق في الفصل الثالث الى اهمية المواطنة ضمن اطارها المدني العام لتعزيز الوحدة والتداول السلمي للوظائف السياسية والآليات المجتمعية والحكومية لتعزيز الهوية الوطنية
ان ما جعل لهذه الدراسة الاكاديمية التي أنجزها الباحث مصطفى محمود جلال قيمة فكرية وتنفيذية يمكن اكتشافه ايضاً من الاستنتاجات والتوصيات التي اختتم بها بحثه فقد أستنتج :
ادارة التعدد
1 - ان المواطنة ليست نقيضاً للتعددية الاثنية في المجتمع العراقي مشيرا الى تجارب ناجحة في هذا شأن ومؤكداً ان المشكلة تكمن في كيفية ادارة التعدد
2 - ان غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق أســــهم الى حدٍ بعيدٍ في تكريس نوعٍ من النزعة الحصصية المقصودة سلفا بأستخدام (فرّق تسد) مما تسبب بأنحسار المعالم الوطنية الميدانية
3 - ان المقاربات التي تضمنت الاعتراف الدستوري بالتعددية لم تطبق على ارض الواقع ضمن تشاركية وطنية بل حصل بالخضوع للتمييز والتميزعلى منصة تقاسم حصص بين القوى السياسية الكبرى على حساب حقوق الاقليات التي أستمرت مظلوميتها تحت ضغوط مناوبة بين الاحتواء والتهميش
4 - أفرزت النزعة الحصصية إشكاليات ادت الى حالة من الشعور بعدم المساواة والتمايز بأن المجاميع الاثنية
5 - لجأ النظام السياسي الجديد الى ما أُصطلحَ عليه الديمقراطية التوافقية ، الوضع الذي ادى إلى ضياع المزيد من الوقت والجهد من دون ان تتبلور جسور موحدة لتطبيق ديمقراطية مدنية منصفة تسعى الى تكوين قواعد حكم وظل معارض يتصدى للاخطاء ويطالب بالتصحيح ، وقد أشرَّ الباحث هنا حقيقة ينبغي للدولة العراقية ان تأخذ بها لأزالة القصور الذي اصاب بناء المشهد الوطني .
لقد اقترح على مستوى الآليات التطبيقية • وضع سياسات تشريعية لتعزيز التعددية •أعادة النظر في بعض المواد الدستورية • تشريع قوانين اقتصادية لتحقيق التنمية العادلة ، جوهر الشراكة في الحياة الكريمة • ردم الهوة المعاشية الفاصلة التي مازالت سائدة بين العراقيين وتسببت بوجود طبقة فقيرة يحكمها العوز والاحباط
كما دعا الباحث الى تحديث المناهج الدراسية التربوية من أجل تعزيز المساواة ، ونشر قصص يمكن ادراجها ضمن المفهوم الذي يكفل المقاربة بين حب الوطن والانتماء الاثني ، كذلك طالبَ بالانتباه الى جدلية المواطنة والتعليم واهمية ان تكون المناهج قائمة على اغناء هذه الجدلية من خلال هوية الدولة المدنية ونشر قيم التسامح المغذية لأصول الاندماج وإنتبه الباحث بذكاء وطني إلى ضرورة تأهيل وتدريب الأساتذة والمعلمين بما يجعلهم على قدرة فذة لتطهير الجيل الجديد من الرواسب الطائفية والمناطقية،وبالتالي تطهير الرأي العام العراقي من تخلف القناعات المغلقة ،كما لم يغفل الباحث اهمية الاعلام في تكوين نسيج معرفي لدى الرأي العام العراقي في اطار التعرف على الاخر وتعـــــــــــزيز المشتركات لمواجهة الانقسام الذي تحرض عليه بعض وسائل الاعلام المغرضة ،واعطى الباحث اهميةً الى تبني مناهج لتمكين الاقليات العراقية من تعزيز هوياتها ضمن النسيج الوطني ،ورفض كل اشكال تصغيرها وأحتوائها الذي مازالت تمارسه قــــوى سياسية متنفذة .