نفثات
وجيه عباس
بلى إنّي على قَلَقٍ حسيرُ
وإنّي دون هامتها ظهيرُ
توزّعني الرياحُ على يديها
كأني في قيامتِها نشورُ
على أنّي وبعضُ الصبر داءٌ
على ظمئي، غدٌ فيهِ، بشيرُ
نفضتُ يدي من الدنيا عجولاً
وداعي الموت قال هناك: سيروا
*****
هي الدنيا، فدائرةٌ تدورُ
تفرِّقُنا، وتجمعُنا القبورُ
وتوقفُنا الحياةُ على صليبٍ
كأنّا فيه “عيساهُ” الأخيرُ
ويوقفُنا الجدارُ ولستَ تدري
إذا نطق الجدارُ من الجديرُ؟
بلى تمضي الحياةُ ونحن نمضي
ولكن كان يمنعُنا الظهورُ
بلى سَيُقالُ، لكن أوقفتنا
مقاديرٌ، ونحن لها حصيرُ
ستحطِمُنا وتذرونا رياحٌ
هشيمٌ سوف يجمعُهُ النشورُ
ولكنّا نكابرُ حيث عيّتْ
مصائرُنا، فليس لنا مصيرُ
*****
تقلِّبنا يداها وهي تدري
وجوهٌ أم بطونٌ أم ظهورُ
وتعلمُ أيَّ وجهيها تراءى
وتعلمُ بالمُعارِ ومن يُعيرُ
وتنزعُ أوجهاً كانت قديماً
مواريثاً، وأيُّهُما نذورُ
وتُلبِسُ أجبنَ الناسِ افتخاراً
ويُنزلُ من يكون بها جديرُ
ويكفيها بسالكها اغتراراً
يصاحبُها على سَفَهٍ، غَرورُ
ويوقفُني بأنَّ الحرَّ فيها
خفيضُ الصوت مفتَقِرٌ فقيرُ
وإنَّ العبدَ فيها أن تغالي
وتشهدُ أنَّه قزمٌ....كبيرُ!
وأفجعُ مايغيضُ الحرَّ قولاً
إذا غالى، فَمُحتَقرٌ حقيرُ
*****
تسائلُني خطاك وأنت أدرى
بخطوِك حين يستبقُ المصيرُ
ووجهُكَ حين تنكرُه وجوهٌ
وأنت بها الغريبُ المستجيرُ
وعيناك اللتان تنكّراني
كأنّي دون مارآتا بصيرُ
وَهَبْ أن الذين مضوا سراعاً
ستبقى بعدهم أبداً تسيرُ
ستوقفُك الليالي بيْدَ أنّي
إلى غايٍٍ سواهُ به أدورُ
*****
أقولُ وَرُبَّ هزلٍ كان جِدّاً
إذا ما الفيلُ في وطني يطيرُ
مُجنَّحةٌ قوادمُهُ ضِخامٌ
حواليهِ تطوفُ به النسورُ
وتمتليءُ السماءُ بهم نُباحاً
ويُحلبُ دونهم بقرٌ وثورُ
ويفتخرُ الحِمارُ هناك فخراً
بأنَّ القومَ كلُّهُمُ حميرُ
ومن لم يرضَ حكمَ بني حميرٍ
ستحكمُه الشويهةُ والبعيرُ
*****
بلى ترضى وإنَّكَ لستَ منهم
ولكن الكلابَ لها زئيرُ!
وأوهنُ مابخلدِكَ أنْ ستنآى
ويدنو منك بالظنِّ النذيرُ
تُقلِّبُ بالأكفِّ ولستَ تلقى
معاذيراً، ولكني كسيرُ
وحول فمي تُقيِّدني شفاهٌ
أبتْ ألا يكون لها زفيرُ
سأوقظُ في الحروف شواظ جمري
ولي لغةٌ بأجنحتي تطيرُ
ولستُ من الذين غفوا وناموا
ودلَّ على كهوفِهُمُ الشخيرُ
بلى إني غريبٌ غير أنّي
لَمُمْتَحَنٌ ومنعزلٌ أسيرُ
كلابُ الحي بعدك أنكرتني
وكنتَ وأنتَ في الدنيا أميرُ
وكنْتَكَ أعوراً لكنَّ قومي
بهم عميٌ، ولكنّي ضميرُ
*****
ويانفسي بلوتُ بكِ المنايا
وعَزَّ عليكِ في الدنيا نظيرُ
أقولُ لها أفيقي إنَّ يومي
غدٌ له كلُّ المواجع تستطيرُ
وإنَّكِ واحدٌ لكن بألفٍ
وإن عُدَّت قلائله كثيرُ
ولكنَّ القليلَ هناك أبقى
إذا ما عُدَّ قلته عذيرُ
ويا عبق التراب يلوحُ وجهٌ
إذا ماغاب حين يغيبُ خيرُ
ويامعنى العبير إذا تشهّى
فأورق دون إصبعِه العبيرُ
*****
أقولُ لها تأبّيْ لوأطالت
أصابعَها، فأنت لها نذيرُ
ولستِ من اليهود ولا النصارى
ولكن مسلمٌ فيها نصيرُ
ولستِ من الطويل هناك نهباً
ولكن طال بالقومِ القصيرُ
وعنك يُقالُ مُفتَقرٌ وأنى
بزهدك كيف يبتذلُ المُجيرُ
ومن كانت أصابعُهُ طوالاً
رآى كل الأصابع تستديرُ