الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
طال عمركَ.. عبدالوهاب الدايني 

بواسطة azzaman

طال عمركَ.. عبدالوهاب الدايني 

عبدالمنعم الاعسم

 

فنان وانسان ومحدّث.. من الفن علِمَ وعلّمْ، ومن الانسانية أخذ الوفاء وتفاصيل الحب والسخاء، ومن الحديث اعطى للعسل طعما، وعندما يذهب الناس الى النوم (يقول) ابقى صاحيا أتأمل ما حدث لنا» لا يندم، ولا يتأسى على خساراته التي يعدّها بمثابة تجارب حال تجارب ابناء جيله. يتنقل الآن بين سرير المستشفى في الامارات واسِرّة العائلة والاحفاد هناك، وفي حي تونس ببغداد.

ولدنا، عبدالوهاب الدايني وأنا، على بُعد دربونتين متجاورتين في حي السراي بمدينة المحمودية. هو يكبرني بسنوات قليلة، طال عمره  بالصحة والابداع، وكان صديقاٍ لأخي الكبير عبدالرزاق، وشريكه في نشاطات مسرحية محلية مبكرة. وسيم ، بل اكثر اقرانه وشباب تلك الايام وسامةً، فوق انه صاحب ارق ضحكة وتلويحات ولون شعرٍ، وكنا ، نحن فتيان المدينة والحي، نتمثله، بما يشكله بالنسبة لنا تجسيدا للفتى الحيوي الناجح، المحسود، كما كنا نشبّهه بالممثل المصري الجميل انور وجدي، مع انعدام معارفنا عن علم المقارنات، وفي مسموعاتنا (آنذاك) كانت بنات المنازل يتغزلن به ويترصدن مروره في «العصريات» عبر «شارع القائمقمقام» الذي كنا نسمّيه شارع الحب، وفي خريف (ربما) العام 1953  كان، كما لم يفارق ذاكرتي أبداً، محمولاً على الاكتاف في اول تظاهرة شهدتها المدينة، ما اثار ذهولنا، نحن جمهور طلاب المدارس وباعة البسطيات وأهالي وفلاحون يحتسون الشاي على قنفات المقاهي، واتذكر انه كان يهتف صارخاً : «نريد أكل الخبز لا الرصاص» فيما يشاركه في الهتافات فتيان يكبروننا من ابناء عائلات معروفة ونافذة مثل فاروق ذيبان ووحيد توفيق وحمزة داوود وضاري علي الدليمي.

وبعد عقود تقصيت عن خلفيات تلك التظاهرة فإذا هي مناهضة للحكومة، تضامنا مع طلاب جامعات العاصمة بغداد الذين كانوا يتعرضون الى القمع والرصاص.

وبعد ذلك العام، والاعوام اللاحقة عبرَ الفتى حاجز الاقدار الى ساحة الاضواء، ممثلا، في فيلم عروس الفرات الذي شغفنا به (ولا تسعده الاشارة لهذا الفيلم في سيرته الفنية) ثم مخرجا لأعمال رائدة، ثم طالب علوم السينما في ايطاليا،  ثم استاذا للسيناريو وكاتب اعمالٍ لامعة، وفي تداعيات الاقدار أخذتنا السياسة والانقلابات والمصائر في شعابها ودروبها، فزُجّ به  في سجن ابو غريب الرهيب، بشبهة عدم الولاء لصاحب الحُكم، ليعود، بعد ان تحرر،  الى الساحة الوضاءة بعنقود من مفخرة  الاعمال والمنجزات والكتابات والمواقف.

وفي احد منعطفات هذه العقود العاصفة كنت قد التقيته مطلع السبعينات خلال التمرين على مسرحية (بهلوان آخر زمان) التي كان يخرجها، وحين قدمت له اسمي صافحني بحرارة ومعزة وابلغني انه أُعجب بكتابة لي عن فيلم (زد) في صحيفة التآخي التي كنت احرر صفحتها الاخيرة، وهو فيلم جزائري – فرنسي نال جائزة الاوسكار من اخراج كوستا غوفراس ومثله ايف مونتان وايرين باباس، وابلغني انه وضع المقال على اللوحة امام طلاب قسم السينما الذي كان يتولى تدريسهم في معهد الفنون الجميلة، باعتباه مقالا مستوفيا شروط الكتابة النقدية عن الافلام، وطلب مني الانضمام الى لجنة قراءة النصوص في فرقة المسرح الشعبي، ثم فوجئ حين علم اني ابن مدينته، بل وشقيق صديقه القديم عبدالرزاق، فطوقني بذراعيه، كما لو كنت تلميذ مدرسة من تلاميذ الدربونة اياها في مدينة المحمودية.

 


مشاهدات 247
الكاتب عبدالمنعم الاعسم
أضيف 2024/10/22 - 5:56 PM
آخر تحديث 2024/10/28 - 11:45 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 249 الشهر 11872 الكلي 10041595
الوقت الآن
الإثنين 2024/10/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير