تحليل وتوقع 1-2
خيارات الكيان في مواجهة إيران
منقذ داغر
واحدة من أصعب المواقف التي يواجهها الباحثون (الصادقون) هي أختلاف حقائق ووقائع الميدان عما يتمنونه أو يريدونه. فإما الكذب وتزييف الحقائق،وإما الصدق والتهيؤ للوقائع .في المواجهة الحالية مع الكيان الغاصب،هناك أمنيات أتمناها كعربي طالما آمن بعدالة قضية فلسطين وأجرام الصهاينة. لكن هناك معطيات يجب أن أتعامل معها بموضوعية الباحث أذا تحريت الصدق وأردت عدم توريط من أحب بشعارات وبيانات كتلك التي فبركها أحمد سعيد في نكسة حزيران،أو الصحاف عند أحتلال بغداد.
جرائم وحشية
على الرغم من الجرائم الوحشية التي أرتكبها الكيان الغاصب في غزة،وكل التدمير الممنهج الذي مارسه هناك، لكنه لا يستطيع أدّعاء نصر حاسم لأنه وضع هدفين لم يتحققا للآن. الأول هو تدمير حماس،والثاني هو تحرير رهائنه. صحيح أن الكلفة الأنسانية الفلسطينية كانت هائلة وغير مسبوقة،ولم تحسن حماس تقديرها،لكن الصحيح أيضاً أن الكلفة (الأسرائيلية) الأستراتيجية كانت غير مسبوقة وستظهر بشكل أوضح مستقبلاً،سواءً على الصعيد الداخلي أو الصعيد العالمي،وهو ما يمثل أكبر الخسائر الأستراتيجية للعدو بأعتقادي. وربما كان أدراك «نتن ياهو» وقياداته لهذه الحقيقة هو ما دفعهم لفتح جبهة جنوب لبنان ليس لتعويض خسائرهم العسكرية،بل لتعويض خسائرهم الأستراتيجية وأستبدالها بنصر أوضح داخلياً وخارجياً،و(ربما) بكلفة أقل. فماالذي دفع (أسرائيل) لهذا الأعتقاد؟
1.على الرغم من حرص حزب الله ومحورالمقاومة على دعم حماس في مواجهتها مع العدو،الا أن من الواضح أن هناك أرادة بحصر التصعيد العسكري ضمن نطاق محدود لا يؤدي لحرب شاملة. ولأختبار هذه الفرضية قام الصهاينة بالأيغال بالدم الفلسطيني وأغتيال كثير من القيادات والناشطين والصحفيين هناك.ثم أنتقلوا لأغتيال قيادات لبنانية وفلسطينية في لبنان،وأغتالوا قيادات أيرانية في سوريا،بل ودمروا القنصلية الأيرانية هناك،ثم أخيراً أغتالوا هنية في طهران. في مقابل كل ذلك رفع محور المقاومة شعار»الصبر الأستراتيجي»أو «الرد المحسوب»،وهما شعاران تمت ترجمتهما للقيادات المتطرفة هناك بعدم الرغبة في القتال،والأستمرار بتحمل الخسائر.
2.أذا كان القضاء على حماس في غزة يتطلب حرب عصابات وشوارع، مكلفة ويصعب حسمها عسكرياً،فأن القضاء على حزب الله أو تدمير قدراته مع بقية مكونات المحور، ممكنة بدون خوض حرب برية وأعتماداً على (السيادة الجوية) التي تمتلكها «أسرائيل» فضلاً عن التفوق التكنولوجي والأستخباري الذي ظهر جلياً خلال الأسابيع الماضية. حرب مثل هذه لن تكون مكلفة (لأسرائيل) على الصعيد الداخلي.
3.أذا كان يصعب تبرير الكلفة الأنسانية وجرائم التطهير العرقي التي يرتكبها الصهاينة وجلبت غضب كل المجتمع الدولي في غزة، فأن تبرير قصف لبنان وسوريا والعراق وأيران سيكون أسهل، تحت شعار التخلص من محور»الشر» الذي عرضه النتن ياهو في الأمم المتحدة.وخلال الأسبوعَين الماضيين لم نسمع أو نشاهد أدانات رسمية أو شعبية قوية تدين العدوان الصهيوني على لبنان،حتى من أقوى حلفاء المحور،أقصد الصين وروسيا. فالصين أكتفت بأدانة هجوم»أسرائيل» على بعثة اليونفيل والتعبير عن «قلقها» مما يحصل في لبنان،في حين أكتفت روسيا ببيان خجول على لسان الناطق بأسم الخارجية الروسية. وفي الوقت الذي يركز فيه الأعلام العالمي على المأساة الأنسانية في غزة،فأنه يركز على عدد صواريخ حزب الله وقدراته العسكرية،ومدى دعم أيران وترسانتها العسكرية له!! وفي خضم المأساة الأنسانية الكبرى والخسائر البشرية الفادحة في لبنان وتهجير أكثر من مليون لبناني في غضون أيام قليلة فأن الأعلام العالمي كله مشغول بالرد الأسرائيلي(الشرعي)على أيران !! وعلى الرغم من الضربة الكبيرةالتي راح نتيجة لها أطفال ومدنيين كضحايا لتفجير أجهزة (البيجر) الا أن الجميع ترك المسألةالأنسانية وأنشغل بالخرق الأستخباراتي الكبيرلحزب الله. وفي الوقت الذي يعرف كل العالم أن آلة الدمار الصهيونية قد حصدت بحدود 45 الف فلسطيني.
قدرات عسكرية
فأن غالبية الأعلام والناس في كل أنحاءالعالم يجهلون أين وصل عداد الموت في لبنان! بأختصار،فأن سردية الحرب في غزة أنسانية،في حين أن سرديتها في لبنان «دفاعية»! وهذا فخ وقع فيه حتى أعلام المقاومة الذي يركز على المعارك والقدرات العسكرية أكثر من تركيزه على المأساة الأنسانية.
4.أن مهاجمة لبنان وأيران، ومحورالمقاومة، سيضمن حرف وتشتيت الأنتباه عن الحرب في غزة وما تسببه من كلف أنسانية هائلة تفاعل كل العالم معها وأدانها.
وفعلاً فقد أنزوت مأساة غزة لتصبح أولوية ثانية أو حتى غائبة. وبذلك خففت «أسرائيل» كثيراً من الضغط الدولي عليها والذي جعلها ترفض منح سمة دخول للأمين العام للأمم المتحدة!
5. أذا كانت غزة أرضاً فلسطينية لا يعيش عليها أي(أسرائيلي) فأن هناك 100 ألف(مواطن أسرائيلي)تم تهجيرهم من مستعمرات شمال (أسرائيل)بسبب تهديد حزب الله. بالتالي فأن ضرب وتحجيم حزب الله سيمثل نصراً داخلياً كبيراً للنتن ياهو. وأذا كانت هناك كثير من الأصوات الأسرائيلية الوازنة داخل (أسرائيل) وحتى في أميركا والغرب تطالب بوقف العدوان في غزة فأن هناك شبه أجماع على شرعية شن حرب ضد حزب الله وأيران ومحور المقاومة وأستثمار هذه الفرصة للقضاء عليه.
كل هذه الأسباب تجعل من وقف العدوان الصهيوني على لبنان مستبعداً. وهي ذات الأسباب التي تجعل توقع عدم مهاجمة أسرائيل لأيران وبقية محور المقاومة،وهماً. للأسف فأن العدوان الصهيوني على لبنان سيستمر وستزداد كثيراً كلفه البشرية والأقتصادية،بل و (الأجتماعية) وهي الأهم في رأيي. أما بالنسبة لأيران فهي تمثل التهديد الوجودي الأخطر لأسرائيل ليس بسبب قنبلتها النووية المحتملة فحسب،بل بسبب قوتهاالآيدلوجية التي تم توظيفها (بذكاء) لأنشاء أذرع عسكرية فصائلية على أمتداد ما بات يسمى «الهلال الشيعي». هذه الفصائل لها دوران رئيسان في أستراتيجية أيران في المنطقة.الدور الأول (ردعي) والثاني(وقعي).فهذه الفصائل تمثل خط الدفاع والصد الأول عن أيران في مواجهة أي هجوم عليها. كما أنها أداة فعالة لزيادة نفوذ ووقع السياسة الأيرانية في المنطقة. هذان الدوران يحجمان من نفوذ أمريكا والغرب في المنطقة،فضلاً عن تهديدهما لحلفاء أمريكا فيها،وهم حلفاء مهمين جداً ليس للمصالح الأمريكية والغربية في المنطقة حسب،بل لكل الأقتصاد والتجارةالعالميَين .هنا أشير مثلاً الى أن الصين (وهي حليف مقرب من أيران) فضلاً عن كل دول شرق آسيا تأثروا كثيراً بهجمات الحوثيين على السفن المارة من قناة السويس للمحيط الهندي عبر البحر الأحمر وبالعكس مما يجعلهم(على الأقل) يغضون الطرف عن أي هجوم (أسرائيلي) على أيران وحلفائها. من هنا تبدو الفرصة سانحة (دولياً وداخلياً) للكيان لمهاجمة أيران وهو ما سيقوم به بلا شك خلال الأيام،وربما الساعات القادمة. يبقى السؤال ما الذي ستتم مهاجمته في هذه المرحلة من قبل (أسرائيل)؟ أغلب الظن فأنه لن تتم مهاجمة المنشآت النووية الأيرانية في الهجوم المقبل وسيتم تأجيل ذلك لمرحلة لاحقة بحسب تطورات الموقف. أما بالنسبة للمنشآت الأقتصادية النفطية فقد تم توجيه ضربة كبرى لها يوم أمس من خلال العقوبات الأقتصادية الأمريكية التي أستهدفت ما يسمى بالأسطول (الشبح ) ،وهو أسطول البواخر التي تنقل النفط الأيراني المهرب خارج العقوبات الأميركية. وبالتالي سيكون من الصعب جداً بعد الآن أستمرار أيران بتهريب نفطها وبيعه في الأسواق العالمية متجاوزةً العقوبات الأمريكية كما كانت تفعل سابقاً. فخلال الأدارة الديموقراطية الحالية للبيت الأبيض كان هناك غض نظر عن تهريب النفط الأيراني مقابل تفاهمات (ضمنية أو صريحة) أمريكية-أيرانية بخصوص الأوضاع في المنطقة عموماً والملف النووي خصوصاً. أما بعد تصعيد الموقف العسكري (الأسرائيلي)- الأيراني الحالي ومحاولة أمريكا أحتواء ذلك التصعيد وتخفيفه،فيبدو أن المكالمة الأخيرة بين نتنياهو وبايدن تضمنت عدم مهاجمة أسرائيل للمنشآت النفطية الأيرانية مقابل تشديد العقوبات النفطية الأميركية على ايران. فبايدن وأدارته يهمهما عدم أستفزاز أيران بشدة كي لا ترد بقوة وتندلع حرب شاملة،بخاصة وأن هناك أسابيع فقط تفصلنا عن الأنتخابات الأمريكية. لذا فأن الهجوم الأسرائيلي سيقتصر(غالباً) على هجمات عنيفة وقوية على المواقع العسكرية الأيرانية الحيوية (منظومات الدفاع الجوي،ومنشآت الصواريخ،والمسيرات ومصانعها) فضلاً عن ضرب أذرع أيران في المنطقة. وستحتفظ (أسرائيل) بضرب المنشآت النووية الأيرانية لمرحلة لاحقة من التصعيد أعتماداً على طبيعة الرد الأيراني من جهة،وتطوراتالموقف في لبنان والمنطقة من جهة أخرى.