غزل كردي
وجيه عباس
دعني، بقيةُ مابي إنني وَجِلُ
وإنني فيك فرطي أنَّهُ رَجُلُ
مابيننا أنَّكَ المصباحُ يوقدُني
وإنني فيك أنفاسٌ واشتعلُ
من أين جئتَ وأعذاري تسابقني
وإنني فيك حد المنتهى أصلُ
وأين كنتَ؟ وقبلُ النار موقدةٌ
لكنَّ بعدَك لا أدنو ولا ... تصلُ!
*****
ياجمرة الأمس يايومي وبعد غدي
إني بجمرك في الحالين احتفلُ
أقيم ظلَّكَ في روحي وفي جسدي
وأحملُ الماء إحراماً وأغتسلُ
أقول لبّيكَ....ليتَ الليتَ مُرجِعَةٌ
أخيذَ ماتركتْ من همسِها القُبَلُ
وليت ثورةَ هذا الصدر مستعرٌ
يرفُّ جنحاه دوني وهو يرتجلُ
لقلت فيهِ نشيدي إنه وطني
لو باعني وطنٌ أزرارُه هَدَلُ!
*****
ياموقظأ مُقلي، عميٌ محاجرُها
وإنها حسبُ مابي أنَّها مُقَلُ
وساتراً عجبي في بعثِ رقدتِه
وإنه الموتُ يامولاي يحتفلُ
ياكلَّما طرقتْ بابي هواجِسَهُ
ولستُ أصغي، وكان الشيبُ يبتهلُ
هل جئت توقظ فيَّ الذكريات بها؟
وكنت أحسبُ أني دونها ثَمِلُ
وليت كأسَكَ كانت وهي غارقةٌ
إلى ظماي، ووحدي فيك منشغلُ
إذن رأيت أعاجيباً تلوّنُها
هذي الطفولةُ ألواناً وتختزلُ
*****
ها أنت بيني وبيني ألفُ موجعةٍ
حد اتقائي، وحتى يبلغَ الأجلُ
مابيننا سفرٌ، أدنى مخاوفِهِ
إني بلا هديَ أن النارَ تشتعلُ
وإنني فيك ماضٍ ليس يدركه
هذا التوجُّعُ والأيام ترتجلُ
حسبي بأنك مخلوقٌ، وليت يدي
تجسُّ بعضَك إما مسها الخَبَلُ
لقلتُ...لكنني بعضٌ يودِّعُني
وآخرٌ كان فيما فيه يرتحلُ
*****
مابيننا قدرٌ يمضي،كأنَّ يداً
بما قضت، وجنود الشيب قد وصلوا
وأخّرتك سنيناً وهي لاهيةٌ
عني هناك، وغابت وهي تكتملُ
ماضرَّها لو أطلَّتْ من نوافذِها
وعاجلتني ولم تعثرْ بها سُبُلُ
لأوقدتني اشتياقاً فيك يجهلُني
حسبي بأنك في أعتابها أملُ
*****
من الذي جاء من أقصى مدائنه
وطاف حولَكَ حتى شفَّه الخَجَلُ
يكادُ يشربُكَ الوجدانُ من ظَمَأٍ
أَمِنْ شفاهِكَ هذي يقطرُ العَسَلُ؟
أم يشربُ الصبحُ من عينين دونهما
اللايُسمّى بزعمي وهو يعتدلُ!
أَأنتَ تعرفُ ماضمّت كفالتُهُ؟
إنا يتاماهُ يامن كونُهُ كَفَلُ!
كأنّما حمّلَ العشرين ثورتَهُ
وحسبُه أنَّهُ في ثورةٍ بَطَلُ!
*****
وياامتحان مشيبي أيها الخَضِلُ
قف حيث أنت فلا ظلٌّ ولا ظُلَلُ
مابين آخرتي دنياك قائمةٌ
وإن دنياي فيما ابتغي طَفَلُ
الشمسُ تشرقُ في هامي مؤذِّنةً
والليلُ موجُك في الكتفين ينسدلُ
كنتُ انتظرتك لو أخبرتني زمناً
لكن تقدّمتُ حتى ملَّني المللُ
تلك الرساىلُ لم تبلغ نهايتها
لكنَّ ظلِّيَ فيما بينها أِوَلُ
لكنَّما أيقظت قلبي بعد ميتته
هذا لعمرِك جِدٌّ بدؤه هَزَلُ
ماذا تريدُ به؟ لا ثوبَ يسترُهُ
عارٍ كما الريحُ إلا أنَّه عَجِلُ
البابُ دونك بحرٌ، لو دنوتُ له
كان الرمادُ على كفّيه يكتحلُ
لا وجهَ لي، وطني وجهٌ لقاتلِهِ
حتى المرايا أضاعتني، وأكتملُ
أبصرتُه فيكَ حدَّ اللعن يشبهُني
كأنَّهُ فيك من أثوابه بَدَلُ
ولا يدٌ كلَّما مُدَّت تسائلني
هل “بعد” ذاك لما غادرتَهُ “قَبَلُ»
ولا أجيبُ، ستبكيني غرابتُها
ولاسواك، وانت الآن تنخذلُ
*****
ياويح بغداد أقصتني ثعالبُها
وغرَّبتني، ووجهي دونها دُوَلُ
وباعدت حدَّ أن أبقت اصابعها
مابين عينيَّ حدَّ العمي تنسملُ
لم تبق لي طبقاً فيها على طبقٍ
كأنني بجهات الارض أرتحلُ
ياويح نفسي على نفسي وواعجباً
بأنَّني بين جلدي غربةٌ أزلُ
حتى التغرَّبُ والأثوابُ رايتُه
تنسلُّ عني فما تنفك تعتزلُ
قالوا”تكرَّدتَ” قلتُ الله أرسلني
فيها غريباً، ولما تنطق الرُسُلُ
ولستُ أعمى،وهذا الماء يقرأني
فيه السلام وتتلو خطوه الحَجَلُ
نسرٌ تصعَّدَ في أقصى السماء بها
فكن بها جَبَلاً يا أيها الجبلُ