الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الزوايا الحرجة

بواسطة azzaman

الزوايا الحرجة

مصطفى حمزة المرسومي

 

كم كان الشاعر العظيم ابي الطيب المتنبي مدهشاً عندما قال: “على قلقٍ كأنَّ الريح تحتي... أوجهها جنوباً او شمالا”، لم يكن يعلم شاعرنا أن هذا البيت تجاوز الحدود الذاتية وصار واقع حال لمنطقة كاملة وهي تلك البقعة غير المستقرة على مدى التاريخ، أعني الشرق الاوسط. هذه البقعة من الارض تشهد تنوعاً في شتى الاصعدة والمجالات، بيئياً، حضارياً، دينياً، ثقافياً، سياسياً واقتصادياً. ولكن هذا التنوع لم يكن ابدا عامل استقرار للمنطقة، بل على العكس، عمل هذا التنوع مع حساسية موقع الشرق الاوسط على جعله رقعة زلزالية غير مستقرة دائما ما تبادر في خلق المشاكل.

وتاريخياً فأن أي تغير حصل في هذه المنطقة، هو محكوم بالصراع بشكل إطلاقي. لم يشهد الشرق الاوسط وقتاً للاستقرار والتفكير والانتاج والابداع، بل دائماً كان الصراع هو المحور الاول والاخير. وقد يسألُ القارئ، أليست بعض البلدان في الشرق الاوسط مستقرة وتشهد عمراناً وتطوراً؟ والاجابة نعم، ولكن هذا لا يسمى استقراراً، انما هو نقلٌ للصراع الى منطقة اخرى وليس حلاً له. حلول الصراع عادةً تكون في انتفاء اسبابه، لا بنقل السبب الى منطقة اخرى. وهذا بالضبط ما هو دائرٌ منذ السابع من اكتوبر حتى اليوم. تاريخياً كان الصراع مع الكيان الصهيوني يقتصر بين العرب والصهاينة، وخسر العرب حربي عام 1948، و1967. انتصرت مصر سياسياً عام 1973 واستطاعت استرجاع اراضيها في سيناء عام 1978 باتفاقية كامب ديفيد بعد تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني برعاية دولية. كما أن حركة فتح قد أبرمت اتفاقاً مع اسرائيل 1993 بما يعرف باتفاقية اوسلو، وايضا الاردن وقعت اتفاقية وادي عربة. وابرز ما وصل اليه العرب هو المبادرة العربية عام 2000 في مؤتمر قمة بيروت والتي نصّت على حل الدولتين، وتم ايضا بموافقة فصائل المقاومة الفلسطينية. انتهى دور العرب، ولكنَّ الصراع نُقِلَ الى ساحة اخرى، وهي ساحة التيارات الاسلامية التي أيضاً ترفع شعارات عالية في مواجهة الكيان الصهيوني، وباساليب مختلفة. فبعد مجيء الثورة الاسلامية في ايران عام 1979، رفع النظام الاسلامي الشاب شعارات المقاومة ضد الكيان الصهيوني، وسرعان ما تمدد هذا النظام في المنطقة حتى فرض سيطرته على بعض العواصم والمناطق المهمة في هذه المنطقة. واليوم بعد مرور خمسة واربعين عاما، حيث بلغ النظام الاسلامي في ايران مرحلة متقدمة من الخبرة والنضج السياسي، حيث فرض معادلة صعبة على الجميع عبر دعمه للكثير من الفصائل المسلحة من ضمنها حركة حماس التي تقاتل اليوم في غزة نيابة عن الجميع. وفي نفس الوقت، فقد وضِعت المنطقة برمتها في الزاوية الحرجة، بعد سلسلة الاغتيالات على شخصيات من الخط الاول في المقاومة ابرزها كان اغتيال الشهيد اسماعيل هنية في طهران، والذي وضع ايران امام تحدٍ كبير وهو إما الرد الذي يجب أن يكون بمثابة انتهاك حرمة قتل الضيف، وهذا يعني الدخول في حرب شاملة للمنطقة لا طاقة لاحد بها الا نتنياهو الغريق الذي لا يخاف البلل. أو الضغط الدولي لوقف اطلاق النار في غزة ولا اظنه حلاً ممكناً في الوقت الحالي لا سيما وأن حماس قد اختارت السنوار خليفةً لهنية، وهذا بالتأكيد ما لا يروق لا للكيان ولا للولايات المتحدة. الان الجميع في الزاوية الحرجة، امريكا التي تعاني من سنة انتخابات عصيبة، نتنياهو الذي تلاحقه لعنات التاريخ والمحاكم الصهيونية والدولية، ايران التي تقع في قلب الزاوية الحرجة ما بين معاونيها والمجتمع الدولي، والعرب الذي تلاحقهم تهم التخاذل. الجميع في الزاوية الحرجة يشتركون في كونهم لا يريدون لهذه الحرب النهاية التامة، لأن الصراع لا بد وأن يجد له أرضاً اخرى يمارس فيها هوايته الازلية في الشرق الاوسط.

 

 

 


مشاهدات 134
الكاتب مصطفى حمزة المرسومي
أضيف 2024/08/12 - 3:46 PM
آخر تحديث 2024/10/17 - 4:54 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 95 الشهر 7300 الكلي 10037023
الوقت الآن
الجمعة 2024/10/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير