الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
نظرات في قانون الأحوال الشخصية الجديد

بواسطة azzaman

الأسباب .. الخيارات .. العقبات

نظرات في قانون الأحوال الشخصية الجديد

حسن الياسري

 

تنويه :

1-أدعو الإخوة الكرام المعترضين على أصل فكرة تشريع قانونٍ جديدٍ للأحوال الشخصية إلى الاطلاع -تفضلاً- على هذه الدراسة بتجردٍ وحيادٍ ودون قناعاتٍ مسبقة.

2-إنَّ هذه دراسةٌ علميةٌ تعتمد المنهج العلمي في السرد والحجة القانونية في الاستدلال ؛ ويمكن تلقي الاعتراض عليها أو الرد شريطة أن يكون ذاك الاعتراض وهذا الرد علمياً يعتمد الدليل العلمي والقانوني ، لا مجرد كلامٍ أو أهواء يمكن أن يُعبَّر عنها في الفضائيات أو وسائل التواصل الاجتماعي.

سأتحدث في هذه الدراسة بإيجازٍ غير مخلٍ عن أمورٍ ثلاثةٍ :

أولاً : الأسباب الكامنة وراء سن قانون الأحوال الشخصية بناءً على الدين والمذهب.

ثانياً : الخيارات المتاحة بشأن سن قانون الأحوال الشخصية الجديد.

ثالثاً : العقبات وصعوبات التطبيق .

وهو ما سيكون محلاً للبحث تباعاً إن شاء الله في أجزاءٍ ثلاثة.

الجزء الأول

الأسباب الكامنة وراء سن قانون الأحوال الشخصية بناءً على الدين والمذهب

لعلَّ سائلاً يسأل : ما الأسباب الكامنة وراء المطالبة بضرورة سن قانونٍ جديد للأحوال الشخصية يراعي دين ومذهب العراقيين ؟ ولماذا يُقحَم الدين والمذهب في القانون ؟ وهل تعدُّ هذه المطالبة تكريساً للطائفيةً –كما ذكر البعض - ؟

من الناحية القانونية ثمة أسبابٌ كثيرةٌ تكمن في سن قانون الأحوال الشخصية بناءً على الدين والمذهب، ليس في العراق فحسب بل في الدول العربية والإسلامية أيضاً. وروماً للإيجاز سأكتفي بذكر الأسباب الأربعة الآتية، ومن خلال عرضها ستتم الإجابة عن الأسئلة المطروحة آنفاً

1- قانون الأحوال الشخصية قانونٌ مصدره الفقه الإسلامي :

لا يخفى أنَّ لدينا مئات القوانين ، فلماذا يطالب البعض بضرورة مراعاة الدين والمذهب في قانون الأحوال الشخصية فقط دون غيره من القوانين ؟ فلماذا لم يطالبوا بمراعاة الدين والمذهب مثلاً في قانون العقوبات أو القانون المدني أو قانون التجارة أو قانون الشركات أو قانون الإثبات أو قانون أصول المحاكمات الجزائية أو قانون العمل...الخ ؟

طبيعة دينية

الجواب يسير ، وهو أنَّ من المسلَّم به لدى المتخصِّصين أنَّ قانون الأحوال الشخصية –بصفةٍ عامةٍ وليس في العراق فحسب- هو من القوانين التي تتميز من غيرها من فروع القانون بأمرٍ مهم لا يكاد يوجد في غيره، ذاك هو المتعلق بمصدره، إذ إنه قانونٌ ذو طبيعةٍ دينية، وهذا ما لا يختلف عليه اثنان، بخلاف بقية فروع القانون ؛ ولذلك تجد أنَّ نصوص قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل -النافذ حالياً- ،وكذا بقية قوانين الأحوال الشخصية في البلاد العربية والإسلامية ، مستقاةٌ من الفقه الإسلامي. بل أكثر من ذلك إنَّ على المحكمة الشرعية –محكمة الأحوال الشخصية- عند طروء حالةٍ لا نصَّ عليها في القانون أن تحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملاءمةً للقانون ، إذ تنص المادة الأولى من قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ في فقرتها الثانية على الآتي : ((إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملاءمةً لنصوص هذا القانون)).

ما يعني أنَّ الشريعة الإسلامية ليست مصدراً رئيساً لتشريع القانون فحسب، بل مصدراً احتياطياً أيضاً ترجع المحكمة إليه عند انعدام النص القانوني، وفي بعض القوانين العربية يتم ذكر المذهب الفقهي الذي يتحتم على المحكمة الرجوع إليه عند تعذر النص القانوني بالتحديد، لأنَّ هذه الدول تستقي قانونها بالأساس من مذهبٍ واحدٍ لا من مذاهب متعددةٍ كالقانون في العراق ، فمثلاً قوانين الأحوال الشخصية في الأردن وسوريا تُلزم المحكمة بالرجوع إلى المشهور في المذهب الحنفي، وفي قوانين الكويت والإمارات والبحرين والمغرب ترجع المحكمة إلى المشهور في المذهب المالكي، وفي قطر ترجع إلى المشهور في المذهب الحنبلي. ويكاد يقترب من قانون الأحوال الشخصية في هذه الصفة -إلى نحوٍ يسيرٍ- في العراق والبلاد العربية القانون المدني، فهو الآخر يمتاز بوجود نكهةٍ فقهيةٍ إسلاميةٍ يسيرة ، بيد أنه ليس كالأحوال الشخصية بالتأكيد ؛ من هنا يعدُّ قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل، وبقية قوانين الأحوال الشخصية العربية، قوانين مستقاةً من الشريعة الاسلامية بمذاهبها المختلفة، وتعد هذه الشريعة مصدراً لهذه القوانين، أصيلاً واحتياطياً.

2- قانون الأحوال الشخصية مرتبطٌ بحرية الإنسان في العقيدة :

غنيٌّ عن البيان أنَّ الأحوال التي ينظِّمها القانون على ضربين اثنين ،أولاهما تُعرف بـ (الأحوال العينية)،ومفادها مجموعة القواعد القانونية المنظِّمة لعلاقات الفرد بغيره من أفراد المجتمع من حيث المال ، فهي أحوالٌ منظِّمةٌ للمعاملات ذات الطابع المالي (بيع، شراء،إيجار،رهن ..الخ). وأخراهما تُعرف بـ (الأحوال الشخصية) ،وتعني مجموعة القواعد القانونية المنظِّمة لعلاقات الفرد بأسرته، بمعنى كونه فرداً في أسرةٍ ، زوجاً أو زوجةً ،أباً أو أماً ، ابناً أو بنتاً ، كيف يتزوج وكيف يطلق ، النفقة وشروط استحقاقها ، العِدَّة ، النسب ، الوصية ، الميراث..الخ. ومثل هذه الأمور غالباً ما ترتبط بدين الفرد وعقيدته ؛ لذا تتَّجه المنظومة القانونية لتنظيم هذه الأمور شخصياً ، أي من خلال الدين ؛ ولهذا يُنظِّم القانون في العراق –القانون الوضعي الحالي- الأحوال الشخصية بحسب ما جاء في الشريعة الإسلامية ،في حين يوكل أمر تنظيم الأحوال الشخصية لغير المسلمين -اليهود والمسيحيين وسائر الأقليات- إلى دياناتهم الخاصة. وهكذا سارت القوانين العربية التي توجد فيها أقلياتٌ غير مسلمةٍ ، مثل مصر ولبنان وسوريا والأردن وبعض دول الخليج. بل أكثر من ذلك إنَّ قوانين الأحوال الشخصية لغير المسلمين في هذه الدول تقوم بتنظيم هذه الأحوال بحسب المذهب وليس بحسب الدين فقط ، فثمة منظومة أحوال شخصية تحكم علاقات المسيحيين الكاثوليك وثانيةٌ للأرثوذكس وثالثةٌ للبروتستانت ، بل تنزل إلى مستوى الطائفة في داخل المذهب الواحد ، فما يحكم المسيحيين الأرثوذكس الأرمن غير ما يحكم الأرثوذكس السريان ، وهما غير ما يحكم الأرثوذكس الأقباط، ونحو ذلك. وما هذا إلا لإيمان هذه الدول بأنَّ الأحوال الشخصية أمرٌ شخصيٌّ يرتبط بعقيدة الإنسان ودينه وليس أمراً وضعياً يمكن أن تنظِّمه السلطة الوضعية كيفما شاءت.

وعلى هدى ما تقدَّم يمكن القول بعدم سريان قانون الأحوال الشخصية الوضعي الحالي على العراقيين غير المسلمين ، بل على العراقيين المسلمين فقط ؛ من هنا فإنَّ المحاكم في العراق تُطبِّق في قضايا الأحوال الشخصية لليهود والمسيحيين وسائر الأقليات الأحكام الفقهية الخاصة بهم ، التي سبق أن وضعتها المجامع الفقهية الخاصة بكل مذهبٍ وطائفةٍ ، وعند عدم وجود هذه الأحكام لبعض الطوائف فإنَّ المحكمة تستفتي فيها المراجع الروحية لهم عند وقوع النزاع أمامها. فلقد نصت الفقرة الأولى من المادة الثانية من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل على الآتي:

((تسري أحكام هذا القانون على العراقيين إلا من استثني منهم بقانونٍ خاص)). والنص في غاية الوضوح في سريان أحكامه على العراقيين المسلمين فقط ، أما العراقيون غير المسلمين فلا يسري عليهم ، فهم مستثنون من أحكامه ، وتسري عليهم أحكامهم الدينية الفقهية الخاصة كما نوهنا سلفاً. وبإيجازٍ شديد يمكن أن أشير في هذا المقام إلى أنَّ نظام رعاية الطوائف الدينية رقم 32 لسنة 1981 في العراق قد اعترف بسبع عشرة طائفةً (17) منها أربع عشرة طائفةً (14) مسيحيةً وثلاثةً موزعةً بين اليهود والصابئة والأيزدية ، كما يأتي :

1-طائفة الكلدان.

2-الطائفة الآثورية.

3-الطائفة الآثورية الجاثيليقية.

4-طائفة السريان الأرثوذكس.

5-طائفة السريان الكاثوليك.

6-طائفة الأرمن الأرثوذكس.

7-طائفة الأرمن الكاثوليك.

8-طائفة الروم الأرثوذكس.

9-طائفة الروم الكاثوليك.

10-طائفة اللاتين.

11-الطائفة البروتستانتية الإنجيلية الوطنية.

12-الطائفة الإنجيلية البروتستانتية الآثورية.

13-طائفة الأدمنت السبتيين.

14-الطائفة القبطية الأرثوذكسية.

15-الطائفة الأيزدية.

16-طائفة الصابئة.

17-الطائفة اليهودية.

تنظيم المحاكم

ولقد كان قانون تنظيم المحاكم الدينية للطوائف المسيحية واليهودية رقم 32 لسنة 1947 العراقي قد أوجب على الطوائف غير المسلمة أنْ تُدوِّن باللغة العربية الأحكام والقواعد الفقهية الدينية الخاصة بهم كي تُطبَّق عليهم في الأحوال الشخصية، وأن تنشرها تحت إشراف وزارة العدل خلال ستة أشهر من تأريخ نفاذ القانون، ويمكن تمديدها لستة اشهر أُخر ، فاستجابت طوائف ونشرت أحكامها ، وامتنعت أخرى. ومن الطوائف التي  وضعت أحكامها الدينية والفقهية الخاصة بها في الأحوال الشخصية :

أ-السريان الأرثوذكس :

إذ لديهم ما يُعرف بـ (الأحكام الفقهية للسريان الأرثوذكس).

ب- اليهود :

 لديهم ما يُعرف بـ (بيان الأحكام الفقهية للموسويين-اليهود-) لينظم أحوالهم الشخصية.

ج- الصابئة المندائية :

أصدروا (الأحكام الفقهية للطائفة الصابئية المندائية).

ومع أنَّ الآخرين لم يصدروا أحكامهم الفقهية الخاصة ، لكن صدرت بعض القوانين المنظِّمة لأحوالهم الشخصية بما يتفق مع دينهم ومعتقدهم ، ومن هؤلاء :

أ- طائفة الأرمن الأرثوذكس :

وقانونهم الخاص هو القانون رقم 70 لسنة 1931 الذي أوكل الكثير من شؤون هذه الطائفة المسيحية إلى المجلس الروحاني الخاص بها.

ب- الطائفة الإسرائيلية :

إنَّ القانون الخاص الذي يحكم الأحوال الشخصية لهذه الطائفة هو القانون رقم 27 لسنة 1931.

وأما الآخرون الذين ليست لديهم أحكامٌ فقهيةٌ خاصة بهم فإنَّ المحكمة تقوم في نزاعاتهم المتعلقة بالأحوال الشخصية باستفتاء المرجع الروحي أو أحد علماء الطائفة ، ورأيه يكون ملزماً للمحكمة

ومن هذا العرض الموجز يتجلى أنَّ هؤلاء العراقيين جميعاً لا يسري عليهم قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ رغم كونهم عراقيين ، وتُطبَّق عليهم في أحوالهم الشخصية الأحكام الفقهية الخاصة بكل دينٍ ومذهبٍ وطائفةٍ منهم ، وهذا الأمر ساري منذ العشرينيات ابان صدور بيان المحاكم في عام 1917، وما زال.

وهكذا في كل الطوائف غير المسلمة في البلدان العربية المذكورة آنفاً، إذ لا تسري عليهم قوانين الأحوال الشخصية ، بل أحكامهم الدينية والفقهية الخاصة بكل مذهبٍ وطائفة ؛ ومع أنَّ ذلك نافذٌ في العراق والبلدان العربية منذ عشرينيات القرن الماضي ، وما زال مستمراً لغاية الآن، بيد أننا لم نسمع أحداً ، لا من الإنس ولا من الجن ، قد طعن بذلك ووصفه بالطائفية ، أو استغرب من تطبيق عدة قوانين أحوال شخصية في داخل الدولة الواحدة مبنيَّةً على أساس الدين والمذهب.

 أو أبدى رفضه معلناً أنَّ هذا يُشتِّت الأسرة أو ينتهك حقوق المرأة أو أو ..الخ؟! ولم يسأل أحدٌ ، لا من الإعلام ولا من منظمات حقوق الإنسان عن كيفية معاملة الأسرة والمرأة وسن الزواج بمقتضى أحكام الأحوال الشخصية الخاصة بهذه الطوائف المتعددة ؟! لكن الأمر لما وصل إلى مراعاة مشاعر المكون الأكبر في العراق بدأت أصوات البعض تتعالى بتلك الأوصاف دون إحاطةٍ بالموضوع ولا دراية !!!!

3- قانون الأحوال الشخصية العراقي الحالي هو قانونٌ ذو طبيعةٍ فقهيةٍ إسلاميةٍ بحتة :

كثيرٌ من الذين يعترضون على تنظيم الأحوال الشخصية فقهياً ويريدون الإبقاء على القانون الوضعي الحالي لسنة 1959 لا يعلمون ، وربما لا يريدون أن يعلموا ، أنَّ هذا القانون -كما ذكرنا سلفاً- هو قانونٌ مستقى بالأساس من الفقه الإسلامي ، سواءٌ في موضوع الزواج أو الطلاق أو ما يترتب عليهما من عدةٍ ونفقةٍ ونسبٍ أو ما يتعلق بالوصية ، فكل هذه الأمور منظَّمةٌ في القانون من خلال الأحكام الفقهية الإسلامية. غاية الأمر أنَّ هذا القانون لا يتبنَّى مذهباً فقهياً واحداً ، بل هو مزيجٌ من المذاهب، فثمة نصوصٌ فيه مستقاةٌ من المذهب الحنفي وثانيةٌ من المذهب الشيعي الإمامي –الجعفري- وثالثةٌ من المذهب الحنبلي ، وهكذا. أما موضوع الميراث في هذا القانون فهو أمرٌ مذهبيٌّ بحت ، بمعنى أنَّ العراقي المتوفى إذا كان سُنيَّاً فإنَّ المحكمة ستُطبِّق على ميراثه وكيفية توزيع التركة بين الورثة المذهب الحنفي ، وستُطبِّق المذهب الشيعي الإمامي إذا كان المتوفى شيعياً. فأين الطائفية في هذا الموضوع وهو مطبقٌ منذ عام 1959 ، ولماذا لم يصفونه بالطائفية طيلة تلك المدة !! 

ولربما يعدُّ من السذاجة أنْ يُجبَر المرء على التطرق إلى موضوعٍ لا يحتاج بياناً ولا إيضاحاً لكونه كالشمس في رابعة النهار، كما في موضوع الطائفية في هذا المقام ، ولذا قيل إنَّ (إيضاح الواضحات من أشكل المشكلات) ، فإنَّ مراعاة عقيدة ودين المواطن في أحواله الشخصية لا تعني طائفيةً البتة ، بل الطائفية تتجلى في الإلغاء وهدر تلك العقيدة ؛ ولذا تجدون أنَّ الدول العربية والإسلامية التي يكون مواطنوها مزيجاً من المذهبين تقوم بوضع قوانين للأحوال الشخصية أو إنشاء محكمتين تراعي هذين المذهبين، كما في لبنان والكويت والبحرين والسعودية وقطر، ولم يقل أحدٌ لا في هذه الدول ولا في غيرها إنَّ هذا تكريسٌ للطائفية ، وإلاَّ فدولةٌ خليجيةٌ معروفةٌ للجميع بتشدُّدها الديني وتبنّيها الصريح للمذهب الحنبلي بثوبه المتشدِّد –السلفي- المعروف بمواقفهِ العدائية المعلنة ضد الشيعة ومع ذلك تُنشئ محاكم خاصةً للأحوال الشخصية لكلٍ من السُنَّة والشيعة ، ولم يحتج أحدٌ واصفاً ذلك بالطائفية !! زد على ذلك أنَّ عشرات شراح القانون في الدول العربية ، مثل مصر ولبنان وسوريا والعراق ودول الخليج ، الذين تولوا شرح نصوص قانون الأحوال الشخصية وتعدد هذه القوانين للمسلمين وغير المسلمين ، وتعددها بتعدد الدين والمذهب والطائفة ، لم يصف أحدٌ منهم ذلك بالقول إنه تكريسٌ للطائفية ، ولا اعترض عليه ، وإنَّ بعضاً من هؤلاء لهم من كبار الشراح وفقهاء القانون، وفيهم المسلم والمسيحي ، وأغلبيتهم الساحقة ليسوا من الإسلاميين ، فلماذا لا يوجد هذا النشاز من القول إلاّ في العراق ؟! لكنك حينما تعرف مدى إحاطة المعترضين على هذا الموضوع علمياً ومدى اطلاعهم على تجارب الدول الأخرى يزيل العجب عنك ، ولا مزيد !! 

4-الإلزام الدستوري :

لو أننا ضربنا صفحاً عن كل ما ذُكِر آنفاً ، وافترضنا أنَّ كل الحيثيات السابقة غير موجودة -المرتبطة بكون قانون الأحوال الشخصية ذو أصلٍ فقهي إسلامي وأنَّ العراقيين غير المسلمين لا يسري عليهم هذا القانون بل أحكامهم الدينية والمذهبية الخاصة وأنَّ الدول العربية تراعي المذهبين في الأحوال الشخصية- ، فإننا ملزمون أيضاً بضرورة سن هذا القانون بحسب الدين والمعتقد ؛ وذلك التزاماً بنص المادة (41) من الدستور العراقي الدائم التي أوجبت أن يكون العراقيون أحراراً في تنظيم أحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو اختياراتهم، على أنْ ينظم ذلك بقانون.

إنَّ في هذا لإلزاماً دستوريَّاً يقع على عاتق السلطة التشريعية لا منجاة منه ولا مفر ، ولئن كان مجلس النواب في دوراته الأُول معذوراً لعدم تنفيذ النص الدستوري بسبب تصاعد وتيرة الإرهاب القاعدي الطائفي آنذاك وما رافقه من تنامي بعض الأصوات الطائفية ، فإنه -مجلس النواب- ليس بمعذورٍ في هذه الدورة والدورتين المنصرمتين ، وإنَّ عدم تنفيذ المادة (41) من الدستور يعد خرقاً دستورياً مستمراً قد يوقعهم في الحنث في اليمين الدستورية.

 ولعلَّ بعض أعضاء السلطة التشريعية -النواب- يتذرعون بالقول إنهم ليسوا مقتنعين بنص المادة (41) ولا مؤمنين بها، فكيف يكونون ملزمين بالعمل على تنفيذها ؟.

وعلى الرغم من أنَّ الإجابة عن هذه الشبهة تستدعي بسط بعض الأمور التفصيلية ، بيد أنني سأشير إشارةً عابرةً إلى أنَّ عضو السلطة التشريعية –النائب- ملزمٌ دستورياً بتنفيذ الدستور ولو كان معترضاً عليه أو كان لا يتفق مع توجُّهاته ومبادئهِ ومواقف حزبه وشعاراته ، فالدستور هو الوثيقة التي صوَّت عليها الشعب وارتضاها حَكماً لتسيير شؤونه.كما أنَّ النائب قد أقسم اليمين الدستورية قبل مباشرته بعمله ، ولم يصبح نائباً إلا بعد تأدية هذه اليمين ، واليمين تُلزمه باحترام الدستور وتنفيذه وسن التشريعات التي أوجبها. فإنْ أراد الخلاص من هذه الإشكالية فليس له سوى طريقين اثنين ، أمَّا أحدهما فهو الاستقالة إراحةً للضمير، وهو طريقٌ منتفٍ كسياقٍ عراقي ، وأما الآخر فهو العمل على تعديل الدستور كمقدمةٍ إلى تعديل القانون الذي لا يقتنع به ، وإلى ذلك الحين يكون ملزماً دوماً بالسعي إلى سن التشريعات التي يتطلبها الدستور بصرف النظر عن القناعة بها، فالالتزام بالدستور والقانون شيءٌ والقناعة به شيءٌ آخر، والموضوع فيه تفصيلٌ فقهيٌ ليس هذا محله.


مشاهدات 14
الكاتب حسن الياسري
أضيف 2024/08/07 - 4:31 PM
آخر تحديث 2024/08/08 - 12:36 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 60 الشهر 2957 الكلي 9978501
الوقت الآن
الخميس 2024/8/8 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير