السياسة الخارجية في عصر الدبلوماسية الرقمية
أثير هلال الدليمي
تغيرت الدبلوماسية بشكل كبيرطوال القرن العشرين، ففي بدايته كان للدبلوماسية تفسير صارم وحازم لجميع طرق الاتصالات بين حكومة دولة وحكومة دولة أخرى، وتم حظر جميع أشكال التواصل المباشر بين حكومة دولة وجمهور دولة أخرى من قبل المجتمع الدولي واعتبار ان هكذا تصرفات من قبيل انتهاك السيادة الوطنية للدول. والجدير بالذكر فأن هنالك ثلاثة أحداث عالمية خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي غيرت من تعريف وممارسة الدبلوماسية. كان الأول هو الاستخدام الواسع والشعبي الهائل لجهاز الراديو ووسائط البث الاعلامي الاخرى. والثاني هو الثورة البلشفية عام 1917 وصعود النازيين إلى السلطة في عام 1933 والثالث هو استخدام النازيين والبلاشفة لجهاز راديو من أجل نشر وتوسيع الثورات في البلدان المجاورة.
مفهوم الدبلوماسية العامة التقليدية
يشير مفهوم الدبلوماسية العامة إلى العمليات التي تسعى اليها الدول في تحقيق أهداف سياستها الخارجية من خلال التواصل مع الجماهير المحلية والاجنبية. كما وانها تعد أداة مهمة لخلق مناخ إيجابي للتفاعل بين الجماهير الاجنبية من أجل تسهيل عرض وقبول السياسة الخارجية لأي دولة.
والجدير بالذكر أن بعد ثورات 1920 و 1930 ، بدأت العديد من البلدان في ممارسة الدبلوماسية العامة الفعالة، من خلال بعض الممارسات فقد أرسلت فرنسا ملحقاً ثقافياً إلى سفاراتها في الخارج ، وأنشأت الولايات المتحدة محطة إذاعة صوت أمريكا وبدأت خدمة بي بي سي العالمية بالبث بلغات مختلفة، ومع اشتداد الحرب الباردة ، كان يُنظر إلى التواصل المباشر مع سكان الدولة الخصم على أنه لا يقل أهمية عن امتلاك الترسانة النووية لأي دولة، ولكن مع نهاية القرن العشرين ، بدأ شكل جديد من الدبلوماسية يظهر إلى الوجود، عرف بالدبلوماسية الرقمية.
الظهور العالمي للدبلوماسية الرقمية
أثرت ثورة الإنترنت على جميع جوانب الحياة ، بما في ذلك العلاقات الدولية، وإن الدبلوماسية باعتبارها أداة للسياسة الخارجية تغيرت أيضًا بسبب هذه الثورة تغييراً في طريقة تواصل الناس وتبادل المعلومات عبر العالم وذلك من خلال وسائل التواصل الافتراضي الرقمي في أي بيئة دولية، حيث تعتمد الدبلوماسية الرقمية على كيفية استخدام الدبلوماسيين والمهنيين الآخرين لوسائل الإعلام الرقمية لفهم وجودهم على الإنترنت واستغلاله لتحقيق أهدافهم وغاياتهم وبما يحقق أهداف السياسة الخارجية للدولة التي يتبعونها، فقد تم وصف الدبلوماسية الرقمية لأول مرة عام 2001 ، وعدت حينها حديث الساعة في أروقة الدبلوماسية الدولية.
وعرّفت على أنها الاستخدام الامثل والمتزايد لوسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتقنيات الرقمية ومنصات وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعية مثل Twitter و Facebook و Weibo من قبل الدول من أجل الدخول في التواصل مع الجمهور المحلي والاجنبي وتحقيق أهداف سياساتها الخارجية وعرض مواقفها تجاه المجتمع الدولي وممارسة الدبلوماسية العامة التقليدية.
ويعتقد من تبنى هذا التعريف أن الوسيلة فقط هي من تغيرت دون المضمون واصبح بدلاً من التحدث إلى الجمهور عبر الراديو او وسائل الاتصال الصوتي والبث الراديوي والتلفزيوني الاخرى مثلا، أصبح من الممكن التواصل مع الجمهور المحلي والأجنبي الآن عبر قناة تويتر وباقي مواقع التواصل الاجتماعي. كما ويعتقد البعض الآخر أن الدبلوماسية الرقمية هي أكثر من كونها مجرد أداة جديدة في صندوق الأدوات المستخدمة للتاثير على شعوب الدول ومن شأنها ان تزيد من القدرة على التفاعل مع الجماهير والانخراط بنشاط معهم ، مما يتيح الانتقال من طابع المونولوج إلى الحوار المباشر.
حيث بات من خلال قناة الدولة وعلى مستوى وزارة الخارجية على تويتر او الفيس بوك او اليوتيوب ، يمكن لسفارة ما إقامة اتصالات ثنائية او متعددة الاتجاهات مع جمهور الدول الاجنبية المعتمدين لديها بكل سهولة ويسر، وبذلك فقد اتيح للدبلوماسيين من خلال التكنولوجيا الرقمية فرصة التواصل والتحدث الى الجمهور والرد على المنشورات التي تعكس واقع معين من خلال حسابات صفحاتهم الشخصية ولاسيما موقع ال Facebook.
ويحدد ثمانية أهداف سياسية للدبلوماسية الرقمية:
1. إدارة المعرفة: لتسخير المعرفة الإدارية وكامل المعرفة الحكومية ، بحيث يتم الاحتفاظ بها وتقاسمها واستخدامها الأمثل لتحقيق المصالح الوطنية في الخارج.
2. الدبلوماسية العامة: للحفاظ على الاتصال مع الجماهير أثناء انتقالهم عبر الإنترنت وتسخير أدوات الاتصال الجديدة للاستماع إلى الجماهير المهمة واستهدافها برسائل رئيسية والتأثير على المؤثرين الرئيسيين عبر الإنترنت.
3. إدارة المعلومات: للمساعدة في تجميع التدفق الهائل للمعلومات واستخدام هذا لإبلاغ صنع السياسات بشكل أفضل وللمساعدة في توقع الحركات الاجتماعية والسياسية الناشئة والاستجابة لها.
4. الاتصالات والاستجابة القنصلية: لإنشاء قنوات اتصالات شخصية مباشرة مع المواطنين المسافرين إلى الخارج ، مع اتصالات يمكن التحكم فيها في حالات الأزمات.
5. الاستجابة للكوارث: لتسخير قوة تقنيات الاتصال في حالات الاستجابة للكوارث.
6. حرية الإنترنت: إنشاء تقنيات لإبقاء الإنترنت مجانيًا ومفتوحًا. وهذا له الأهداف ذات الصلة بتعزيز حرية التعبير والديمقراطية وكذلك تقويض الأنظمة الاستبدادية.
7. الموارد الخارجية: إنشاء آليات رقمية للاعتماد على الخبرات الخارجية وتسخيرها لتحقيق الأهداف الوطنية.
8. تخطيط السياسات: للسماح بالرقابة الفعالة والتنسيق والتخطيط للسياسة الدولية عبر الحكومة ، استجابة لتدويل البيروقراطية.
دكتوراة في القانون الدولي العام
متخصص في مكافحة الجرائم السيبرانية الدولية