الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
لا علاقة لعبد السلام عارف في مقتل الملك فيصل والعائلة المالكة

بواسطة azzaman

قراءات وثائقية عن إنقلاب 14 تموز1958

لا علاقة لعبد السلام عارف في مقتل الملك فيصل والعائلة المالكة

أيمن الهاشمي

 

اللجنة العليا للضباط الاحرار كانت ترفض قتل الملك أو تصفية العائلة المالكة ولكن كتلة عبدالكريم قاسم في التنظيم اتفقوا على ضرورة قتل الملك،

انتهت الملكية في العراق بقيام حركة 14 تموز 1958 على يد مجموعة الضباط الاحرار، وبقي مصير رموز الحكم الملكي وقادته التاريخيين من ورثة الجيل الأول للثورة العربية الكبرى، مجهولا لغاية قيام الحركة.

هيئة الضباط الأحرار كانت ترفض تصفية العائلة المالكة:

تشير المصادر المقربة من حركة الضباط الاحرار، انه عند شروع تنظيم الضباط الأحرار بالقيام بحركة 14 تموز 1958 كانت قيادة التنظيم بما عُرفت بـ (اللجنة العليا للضباط الاحرار) قد أعدت الخطط اللازمة للتنفيذ، الا انها ومن خلال النقاشات التفصيلية كانت ترفض اعدام أو قتل الملك أو تصفية العائلة المالكة، وكانت تفضل عملاً هادئا كما حصل عند قيام حركة 23 تموز 1952 في مصر وترحيل الملك فاروق بشكل سلمي تدريجي للمنفى في إيطاليا، لهذا وحسب مصادر تاريخية كثيرة لم يكن التنظيم متفقاً على اعدام أو تصفية الملك والاسرة الملكية، انما كانت هناك عدة آراء حول طريقة التعامل مع الملك بعد الابقاء على حياته. فالبعض من ضباط التنظيم كان يرى الابقاء على حياته واظهاره على شاشة التلفزيون والاذاعة ليعلن تأييده للثورة، كما حدث مع الملك غازي أثناء محاولة انقلاب بكر صدقي عام 1936م.

وتشير محاضر تنظيم الضباط الاحرار والمقابلات الصحفية اللاحقة لبعضهم انه، في صباح يوم 11 يوليو/ تموز 1958، وقبل ثلاثة أيام من تنفيذ الحركة عقد اجتماع هام لابرز قادة الجنة العليا للتنظيم ضم كل من الزعيم الركن عبدالكريم قاسم  والعقيد الركن عبدالسلام محمد عارف والعقـيد عبد اللطيف الدراجي، والسيد رشيد مطلك، أحد المقربين من عبدالكريم قاسم وتباحثوا في مصير الثلاثة الكبار والرموز المهمة من اركان النظام الملكي (الملك فيصل الثاني والامير عبدالاله ونوري السعيد)، وكانت تسيطر على بحث هذا الموضوع مخاوف من أن يفلت الثلاثة الكبار وبعض رموز النظام الملكي ويتمكنوا من استعادة السلطة كما حدث فيما بعد ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941م، وتقرر في هذا الاجتماع اعتقال عبدالاله ونوري باشا السعيد واحالتهما للمحاكم اوتصفيتهما في حالة قيامهما باي عمل معادي للحركة.

كيف خطط الضباط الاحرار لمصير الملك؟

أما مصير الملك فقد ظل معلقاً حيث ذكر البعض في كتاباتهم ان كتلة عبدالسلام عارف في التنظيم المكونة منه ومن العقيد عبداللطيف الدراجي واخيه العقيد عبدالرحمن محمد عارف اقترحت استشارة بعض السياسيين الوطنيين العراقيين من المدنيين ومنهم زعماء الاحزاب قبل اتخاذ أي قرار بشأن مصير الملك حيث تمت استشارة السيد كامل الجادرجي الذي كان يتزعم الحزب الوطني الديموقراطي والذي كانت لدية وجهة نظر تؤمن بالحقوق المدنية وتميل إلى الاحتكام إلى القوانين بعيدا عن القتل العشوائي حيث ابدى رأيه بالموضوع بان تكون الحركة بعيدة عن مشاهد القتل ودون اراقة الدماء لاي من الثلاثة الكبار واركان حكمهم. ويبدو أن كتلة عبد الكريم قاسم في التنظيم المكونة منه ومن صديقه المقرب رشيد مطلك اتفقوا على ضرورة قتل الملك، حيث كان عبدالكريم قاسم من المتحمسين لقتل الثلاثة الكبار: (الملك فيصل، والأمير عبدالإله، ونوري السعيد).

اللغز المحير بـقرار قتل الملك وافراد اسرته

اما اللغز المحير بـ(قرار قتل الملك وافراد اسرته) فبقي لحد هذا اليوم لايعرف مصدره. وهنالك الكثير من التكهنات التي يتناقها العامة والتي تبقى على شكل اشاعات غير موثقة والتي يعتمدها بعض الكتاب السياسيين المؤيدين لهذا الطرف أو ذاك حول قرار قتل الملك واسرته. الا انه من المعروف بان هنالك بعض التوجهات تنادي بعدم قتل الملك وبتسفيره أو محاكمته بصورة عادلة. إلا أن نذر رياح التغيير العاتية قاربت الهبوب لتعصف بالجميع بعاصفة ترابية من عواصف تموز اللاهب التي لا تبقي ولا تذر. إلا أن الشيء المؤكد بان قرارا رسميا من اللجنة العليا للضباط الأحرار لم يتخذ بتصفية الملك واسرته وذلك لاختلاف وجهات النظر بصدده. فكتلة عبد الكريم قاسم كانت من طرف خفي مع تصفية الملك. اما كتلة عبدالسلام عارف فكانت ممتنعة عن ابداء الرأي بانتظار وجهة نظر بعض الزعماء السياسيين رغم ميله الشخصي لعدم قتل الملك لدوافع شخصية ربما مردها محبته وأعجابه بالملك غازي والد الملك فيصل الثاني. فهل إن قرار تصفية الملك مع افراد اسرته تم بقرار منفرد من قبل عبدالكريم قاسم الذي عرفه بمناوراته وممارساته في قتل معارضيه وخصومه بعد توليه الحكم, من خلال إعطاء الاوامر للضباط المنفذين للسيطرة على القصر الملكي. ام ان عملية التصفية تمت بقرار انفعالي انفرادي من قبل المجموعة المكلفة بالسيطرة على القصر. ام ان سوء تفاهم حدث جراء إطلاق نار عفوي من قبل الحرس الملكي ورد عليها المهاجمون في الوقت الذي كان فيه الملك وعائلته قد تم إخراجهم إلى الحديقة تمهيدا لنقلهم واعتقالهم ليكونوا تحت تصرف الحكومة الجديدة ويرجح كثيرون الرواية الاخيرة.

ولكن من المؤكد ومن خلال شهادات المطلعين المباشرين على الأحداث في حينها من المحايدين تشير بانه وبعد سيطرة عبد السلام عارف على بغداد واذاعته لبيان الحركة الأول، تنبهت الثكنة العسكرية المتاخمة للقصر الرحاب للحدث وخرج بعض الضباط والجنود من غير المشاركين بالحركة، من المعروفين بانتمائاتهم الشيوعية من ذوي النزعة الستالينية التي كانت سائدة وقتذاك والمعروفة بسفك الدماء، وهم في ايديولوجيتهم تاريخ حافل من اعدام الحكام فور حدوث الثورات البلشفية. وكانوا متوجهين لايلوون على شيء سوى تنفيذ تطلعاتهم المقدسة بقتل الملك وعائلته، تنفيذا لمقولة الثورة الحمراء. وهذا ما تم بعد تداخلهم مع الفصيل المكلف بالسيطرة على القصر بغية نقل الملك وافراد اسرته، أثناء فوضى عملية اقتحام القصر.

دوافع الجريمة

اما ما يصوره البعض ولأسباب سياسية بان مجزرة مبيتة قد ارتكبت لاشباع رغبة القتل لدى القوة المهاجمة للقصر تدحضها معايير التحري الجنائي التي تشير بانه في حالة وجود الدافع وراء جريمة القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد، فان ما تسرده القصص السياسية المفتعلة بان القوة المهاجمة دخلت القصر بعد مهاجمته دون ادنى مقاومة مع وجود الحامية من الحرس الملكي، وواجهت الملك واسرته في إحدى الغرف الخلفية واخبرتهم بضرورة الخروج للحديقة المطوقة من رجال الحرس الملكي من جهة والمهاجمين من جهة ثانية، ثم تم تنظيم طوق بما يسمى عسكريا مربع ناقص ضلع ثم تعطى الاوامر بشكل دراماتيكي لفتح النار على الجميع حتى ان طفلا لجاء إلى إحدى الزوايا البعيدة لحديقة القصر تم قتله بدم بارد، مع ذلك تشير هذه القصص الدراماتيكية بان الاميرة هيام قد نجت من الحادث وهي تزحف من بين اقدام المهاجمين وتحت اعينهم! مما أدى إلى فتح النار من قبل الحرس الملكي وقتل بعض عناصر القوة المهاجمة. فلو كان ذلك صحيحا من وجهة نظر البحث الجنائي، فكان الاجدر بالمهاجمين طالما لديهم نية قتل مع سبق الاصرار والترصد ان يجهزوا على الملك وافراد اسرته عند مداهمتهم داخل القصر دون أن تتعرض القوة المهاجمة لإطلاق النار وتفقد من افرادها بعض الضحايا. من المؤسف ان الكثير من الشواهد التاريخية تم تشويهها عمدا ولأسباب سياسية أو طائفية أو دينية دون تقديم وثائق أو أدلة وبراهين على صحة هذه الادعاءات ودون إعطاء الاهتمام لوجهة نظر الباحث التاريخي المحايد.

الساعات الأخيرة للملك فيصل الثاني

في يوم الاحد المصادف الثالث عشر من تموز 1958 كان الملك فيصل الثاني متواجداً في القصر الملكي مجتمعاً مع عائلته وبعض الزوار وقد احيّوا حفلا عائليا صغيرا بمناسبة قرب زواج الملك، وسفره الى تركيا لملاقاة خطيبته، تخللت الحفل فقرات ترفيهية من أحد السحرة البهلوانيين الذي استقدمه الامير عبد الاله. وبعد الحفل كان الملك يتداول موضوع زواجه المرتقب وهّم بعض افراد الاسرة بوضع الترتيبات الخاصة بسفر الملك إلى تركيا ثم إلى بريطانيا، حيث كان من المقرر ان يلتقي خطيبته في اسطنبول ويصطحبها الى لندن. كان الملك الشاب الذي يبلغ من العمر 23 سنة ً يعاني من الربو، هاديء في طبعه مثقف خجول إلى حد ما وكانت له نزعة وطنية مبنية على حبه للعراق، كان يقتدي بسيرة والده الملك غازي المعروف بمناصبته العداء لبريطانيا والذي قتل هو الاخر في حادث اصطدام سيارة غامض عام 1939. وكان يؤثر عليه وعلى قراراته بشكل خطير خاله الوصي السابق على العرش. وكان من المقرر أن يتزوج الملك فيصل الثاني من الاميرة فاضلة خلال شهرين، وكان مقررا أن يرافقه في سفره رئيس وزرائه نوري السعيد وبعض الوزراء بضمنهم غازي الداغستاني قائد الفرقة الثالثة الذي قام أحد الالوية التابعة له بالقيام بالحركة.

 

 

ومن العائلة كان سيرافقه بعض أميرات الاسرة وأزواجهن. كان الملك طوال الامسية منتشياً بسبب خططه على المستوى العائلي بالزواج وعن القصر الذي يشرف على تشييده في كرادة مريم، والذي صادرته الدولة بعد اعلان الجمهورية، حيث تم توسيعه واكماله وافتتاحه عام 1965 ليكون القصر الجمهوري كمقر رسمي ومكتب رئيس الجمهورية، والذي تم احتلاله من قبل القوات الاميركية عام 2003 والتي حولته إلى ما تدعى المنطقة الخضراء ومقر السفارة الاميركية.

كان الملك قد خطط الانتقال للقصر الجديد ليكون مقره وسكنه بعد زواجه وهي خطوة منه لفصل نفسه وقراراته وسياسته عن الوصي السابق عبد الاله، ليبدا بسياسة جديدة نابعة من فهمه ومبادئه. ومن المفارقات كانت خالته الاميرة هيام تبدي ملاحظاتها المتكررة للملك بأن يذكر عبارة « ان شاء الله «، حيث علق مازحا، «نعم نعم.. ان شاء الله.. ان شاء الله، ولكن لماذا هذا الالحاح وكأننا سنموت غدا؟ «

ليلة 14 تموز بهجت العطية ابلغ الملك بوجود تحركات مريبة

كانت الرسالة من مدير الامن العام بهجت العطية تتضمن معلومات مقتضبة تفيد بوجود تحركات مريبة من قبل الجيش، دون ايراد تفاصيل، وكان خروج عبدالاله من القصر لكي يستدعي مدير الامن العام ليبحث معه مصادر المعلومات وماهية هذه التحركات. لكن الوقت كان مثل السيف، ولم يتح فرصة كافية لاحتواء الموقف، وحينما عاد عبدالاله إلى القصر تاركا التحقيق في الامر إلى اليوم التالي، كان تحرك اللواء العشرين بقيادة عبد السلام عارف على طريق جلولاء- بغداد قد بدأ. وأصبح حكم القدر قاب قوسين عن قصر الرحاب. وكان الملك الشاب يحاول اخفاء هواجسه التي تنطوي عليها تساؤلات الاميرات عن سبب غياب الوصي ومحتوى الرسالة. وبعد العشاء عانق الملك خالاته وقريباته من الاميرات عناقا كان يبدو وكأنه الوداع الأخير أو العشاء الملكي الأخير. ثم توجه الملك إلى جناح نومه أملا للنهوض مبكرا استعدادا ليوم عمل شاق يتخلله التحضير للسفر. وما أن حان منتصف الليل حتى أطفئت انوار قصر الرحاب. بانتظار صباح جديد.

وفي حدود الساعة الخامسة من يوم الاثنين صباح 14 يوليو/ تموز من ذلك العام استيقظ الجميع على أصوات طلقات نارية. هب الجميع فزعين: الملك والوصي والاميرات والخدم. وخرج أفراد الحرس الملكي إلى حدائق القصر يستقصون مصدر النيران. وازداد رشق الرصاص والإطلاق نحو جهة القصر. ولم يهتدي الحرس إلى مصدر النيران في البداية. وخرج الملك فيصل من جناحه وقد ارتدى ملابسه، وخاطب الحراس من أعلى الشرفة مستفسرا عما حصل. ومن شرفة قريبة طلب عبدالاله من حراس آخرين بأن يذهبوا إلى خارج القصر ليروا ماذا حصل. وعاد الحراس ليخبروا الملك الواقف على الشرفة مع أفراد الاسرة بانهم شاهدوا عددا من الجنود يطوقون القصر. وبعد استفسار الملك عن الموضوع اخبره آمر الحرس الملكي بان اوامر صدرت لهم بتطويق القصر والمرابطة أمامه.

استاذ بجامعة بغداد


مشاهدات 43
أضيف 2024/07/18 - 12:05 AM
آخر تحديث 2024/07/18 - 9:48 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 226 الشهر 7794 الكلي 9369866
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير