الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الذات والفكر الضال

بواسطة azzaman

الذات والفكر الضال

سمير ميراني

 

الذات الإنسانية الجريئة، تميل في خيارات الحياة المتذبذبة المعقدة، لصراعات تكتنفها ظواهر الغموض البعدي للفكر، دون استنكافه القيام بالفعل الموجوب إظهاره، ودفعه للتفكير المنطقي الصائب قدماً.

هذه الظاهرة الطبيعية تضع الذات في حالة تحدٍّ مستمرٍ لمعتقداتٍ من شرور الحياة، بطرق علمية مختلفة ومتنوعة، بحثًا عن نفسه الجديدة المثالية، وكشف أسرار الغموض الدامس الكمي للواقع، وصولاً لمرحلة قبول الوجود الحقيقي لذاته الإنسانية، التي تتقبّل المتناقضات بكلّ تفاصيلها وأشكالها المختلفة، وتزهو بنفسها العليا، المتكاملة بالمعرفة والإدراك التجريبي، لفرز الأفكار والرؤى، وطرح الصالح من الطالح من شوائب الحياة الشاقة والشائكة الغريبة، واختيار ما يناسب طبيعة إيمانه علميًا وقناعاته فكريًا، يؤمن بأن الطبيعة تمنح الروح لكل نفسٍ طيبة.

والذوات كلمات بديعة لا مبدِّلة، مملوكة مخلوقة مخيّرة، بينما اللفظ الفكري يخرج من مكامن الضعف البعيدة عن مركز العقل (ملكة الروح) الذي يوازن بين جدلية خطاب الخير والشر. بالأوامر والنواهي، تستطيع الروح السيطرة على جموح وتحجيم الفكر السيّئ، الذي تنفثه براثن الجهل البشري، إذ إنه يفرضُ على الذات إتباع قواعد الأخلاق، وقوانين الطبيعة، وخلق أسباب المعرفة المتوالدة للعقل، لاستدامة الابتكار والإبداع، وهزم التشوهات والقروح الفكرية المنبوذة، لمقارعة فلسفة الشر وقبحه.

انتصار الذات الإنسانية على نفسه، برهان معرفة نشأة الفضيلة، بفرضيات (اقرأ)، بعيدًا عن شكوك المعرفة من عمى الجهل، ليبصر النور في اعماق الذات الإنسانية، روحاً مخلوقة في أحسن تقويم. من أسوأ شرور الذات، الإيمان بعدمية الوجود مع اليقين بوجود الحقيقي للذات نفسه، هذا السلوك العمدي للفكر الضال، المحدود الذكاء الذي يشعر بفوقية وتعال، يقتل الضمير الإنساني، تلك النعمة الطبيعية، وينفي عنه تنزيه مدركات العقل من الوجود، ليعفيه من المسؤولية الأخلاقية، ومنحه شعوراً وهمياً بنقائهِ المطلق، وخداع العقل بالفكر الزائف، من خلال الرؤية بعيون الآخرين، بأن ترى الحقيقة الملموسة، دون الإيمان بوجودها. من مساوئ غياب المعرفة الجدلية عن الذات، وبُعدها عن مدركات النفس للفهم والتفكير المكمل للبصيرة، جعل العقل الهائج جهلاً، أن يتصور ويحلل كل اختلاف فكري، تهديداً لاستمرار فهمه المبني على خرافة، والذود عن مصالحه وفكره المستعار من المهالك بشتى الوسائل.

معاناة قسرية

كم هو شاق على الذات النكرة، أن يبدو طبيعياً، لِما يكابده من ألم وجوده والتنكر لطبيعته، بإنكار ضعفه ورفضه لمحدودية إدراكه، ولإخفاء معاناته القسرية، يضطر إلى اللجوء للتكلف المفرط في تعظيم شأنه وتبجيل أفكاره، من خلال إحاطتها بهالة من القداسة، دون الأخذ بالاعتبار أن كل ذلك يستنزف طاقته الإنسانية وتحجيم طبيعته، وتعكير صفوة أفكاره باجترار الماضي وهفواته، ليصبح شاذاً في أفكاره وسلوكياته، حتى يبدو غريباً في عيون الآخرين، يرفض التنازل عن ذاته الراقدة في نسختها القديمة الفجاجة. يستلزم نهضة الذات للوصول إلى ذروة النضج المعرفي، منظور علمي مدرك لفهم أن الصراع الفكري بكل أشكاله، مهما اختلف المضمون والأسلوب، هو جزء أساسي من منهجية تطور الحياة الإنسانية، الذات في جوهرها الإنساني (المتعلم بالقلم) تنبثق منها ميولٌ أزلية عميقة ومعقدة ومختلفة، للحكم على ظاهرة الوجود، القائم خارج حدود إرادته، بعيداً عن ألم وهم المعرفة، متجاوزة حدود الإدراك العقلي، الذي يرفض كل أشكال القداسة للفكر البليد الراكد، والذي تتقمّصه الذات في شخصياتها النمطية القديمة.

 

 

 


مشاهدات 835
الكاتب سمير ميراني
أضيف 2024/07/10 - 4:02 PM
آخر تحديث 2024/08/14 - 3:00 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 54 الشهر 6085 الكلي 9981629
الوقت الآن
الخميس 2024/8/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير