الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
التعددية العشائرية ومفاهيم التمرد

بواسطة azzaman

التعددية العشائرية ومفاهيم التمرد

جاسم مراد

 

لم تعد الكيانات العشائرية ضمن ضوابطها الماضية ، كانت هناك احكام وشروط الالتزام بما سمي ( بالسانية ) أي الضوابط المكتوبة التي تحكم العشيرة بين افرادها وبينها وبين العشائر الأخرى وأي تجاوز على الافراد والعوائل والعشائر الأخرى ، كأن تكون السرقة أو الاغتصاب أو استخدام السلاح أو التجاوز دون وجهة حق على العشائر الأخرى يترتب على ذلك وفق تلك السانية احكاماً قاسية منها الغرامة والطرد من العشيرة ، وإذا تدخل مركز الشرطة والقضاء فهم أصحاب الحق الأول في اتخاذ العقوبات ، ويمكن لتسوية الخلافات بين المعتدي والمعتدى عليه ركناً مهما في معالجة الأمور .

وفي الستينات من القرن الماضي نتذكر شرطياً اسمه ( عطية ) عندما يأتي على حصانه لقرية ما لتبليغ شخصاً ما بالحضور الى مركز الشرطة ثم الى قاضي التحقيق ، الجميع يلتزم ولم يتدخل لكون هذا الأمر خارج مسؤولية العشيرة وشيخها ، فالأمر مرتبط بالدولة والقانون ، وفي التسعينات انشطرت العشيرة لعدة اقسام وافخاذ لا سباب سياسية ومالية ولم يكن لشيخ العشير الاول سطوة أو تأثير في مجريات الأمور والاحداث ، فالمشيخة كثرت والافخاذ تعددت ، حتى جعل بعض الشيوخ المخضرمين في الفرات الأوسط لحضور اجتماع أن يمتنع عن الحضور متعللا با سباب صحية   لكنه نظم قصيدة مطلعها ( هذا الشيخ مزور لا فسفوره ولا خط بيه ) ويقصد بذلك مثل العملة العراقية في ذلك الوقت ، رغم ذلك هناك سلطة قوية تمنع أي تجاوزات أو اختراقات لقوانين الدولة وتحاسب بشدة من يعتدي ويستخدم السلاح ضد الاخرين افراداً أو عشائر قبلنا ذلك أو لم نقبل . التراجع عن الروابط المجتمعية الضامنة للتأخي والالفة والالتزام ، هو نتيجة للانفلات وضعف الروابط وفقدان السيطرة وبلوغ الانانية والذاتية بين افراد العشيرة مستويات عالية وانتشار السلاح واستعماله حتى في المشاكل التافهة وضعف سلطة الدولة وتوزيع أبناء العشيرة على الأحزاب والكيانات السياسية والتجمعات الانتخابية وحمايتهم أو احتمائهم بدون أن تمارس تلك الأحزاب والكيانات مع هؤلاء المنتمين أو المؤيدين لها نشر الوعي السياسي والثقافي بينهم ودون أن تؤكد لهؤلاء وغيرهم أهمية الالتزام بالقوانين واحترام سلطة الدولة والقضاء ، بل العكس بعض هذه الأطراف تشجع على الانفلات وعدم احترام الضوابط والقوانين ، وتعتبر نفسها هي القانون والدولة ، وكثيراً ما حدث إن افراداً في أجهزة الدولة تلتزم بما يمليه عليها هذا الكيان ، ولم تلتزم بقوانين وأنظمة الدولة  ، كل ذلك أدى لبلوغ التجاوزات ذروتها ، سيما تلك التي يستخدم فيها السلاح الفردي والمتوسط ، وفي كثير من الأحيان بل اغلبها تكون السلطة عاجزة على وقف الاشتباكات والدم السائل بين افراد العشائر المتقاتلة . إن الخطورة بمكان عندما يحسب بعض افراد الشرطة وفي الاجهزة انتمائهم للعشيرة أو الحزب والكتلة السياسية هو اقوى من الانتماء للدولة وضوابط العمل ، وكثيراً ما ينحاز البعض من هؤلاء أو يسكتون عن مخالفات افراد العشائر أو التغطية على الجرائم . وبحكم الخلل في هوية السلطة والنظام وانتهاجه اللون الرمادي في التعامل مع القضايا المفصلية ، جعل الحس والانتماء الوطني ضعيفا بين الناس .

 استباحة الوطنية والقانون تمرد

وصعود الانتماء المذهبي والعرقي والعشائري والعائلي فوق الانتماء  الوطني مما جعل عدم الخشية من السلطة احد أسباب الصراعات بين العشائر وكثيرا ما تحدث .

لقد بلغ التخلي عن الهوية الوطنية العراقية ، إلا في حالات نادرة ، مبلغاً جعل التمادي سيما في الأوساط العشائرية استعمال السلاح الخفيف والثقيل ضد عشيرة أخرى يروح ضحيتها عدداً من الشباب ولأسباب تافهة لا قيمة لها لو احتكم هؤلاء للعقل والخشية من النظام والقانون ، ولكن ذلك لم يحدث ولم يتوقف كون العشائرية أصبحت جزءاً من عمليات التنافس عليها بين الأحزاب والكيانات السياسية بدون ضوابط ولا شروط ، وهذا ساعد كثيرا في الصراعات بين العشائر ووقوع العديد من القتلى .

لم يتوقف الأمر عند ذلك فالكثير من العشائر والقوى السياسية تتذرع بالتزامها بالشروط والحدود الدنية ، لكنها كثيرا ماتخرق تلك الحدود عندما تتناقض مع مصالحها وافكارها ، فالدن مع التأخي والاخوة وضد الشقاق والقتل ، والدين مع الابداع الفكري وحقوق الانسان ، وضد التحجر الفكري والاستيلاء على حقوق الانسان ، والدين ضد التطرف والبدع ، ومع التعاون والتعاضد والانفتاح الفكري والإنساني بين الانسان والانسان ونحن والشعوب الاخرى ، والكل بغض النظر عن طوائفهم وعقائدهم ودياناتهم هم سواسية في الوطن ومحصنون تحت راية الوطنية العراقية . لكن نزعة الفردانية والسيطرة والاستحواذ بقيت في العقلية العشائرية كما في غيرها هي السائدة ، وهي نتيجة لإفرازات العقلية البدوية التي تسيطر عليها مفاهيم الغلّبة والثأر والغزو ، وهذا ما يؤشر الكثير من الاحداث الدموية بين العشائر في العديد من المدن والمحافظات . أمام هذا الوضع نحن بحاجة لإجراءات السلطة والقانون لكي تضبط المنفلتين والمتجاوزين وتحّرم الدم الذي يراق لا سباب كثيرا منها تافهة ، السلطة الوطنية هي المسؤولة عن حياتك وحياتي وكل ما هو حي في هذا البلد ، فليس من المنطق الشعور بعدم الأمان إذا ما تجاوز عليك شخص ما لكونه ينتمي للعشيرة الفلانية والشرطة تخشى التدخل ، لانه ليس من يحميها من تلك العشير ومطالبها المالية الابتزازية الضخمة ، إذ نحن وهم والكل بحاجة الى سلطة قوية وقانون حازم وصارم ..

 

 

 


مشاهدات 85
الكاتب جاسم مراد
أضيف 2024/07/02 - 5:26 PM
آخر تحديث 2024/07/06 - 4:16 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 93 الشهر 2132 الكلي 9364204
الوقت الآن
السبت 2024/7/6 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير