الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
رسالة إلى الدكتور قاسم حسين صالح

بواسطة azzaman

رسالة إلى الدكتور قاسم حسين صالح

وجيه عباس

 

أرسل لي أحد الأحبة منشوراً كريماً للدكتور قاسم حسين صالح وهو يسأل عن هذا الرجل الواقف أمامه في الصورة التي جمعتهم في ميسان وسأل سؤالاً أبويا وإنسانيا كبير: أين هذا الرجل؟ ولكني نسيت اسمه !، ليست لي علاقة بمواقع التفاصل الاجتماعي ولاتهمني اصلاَ، تقبّلتها بقلب أوسع من صدر القناة وأطول بالاً من النيل، الذاكرة متخمة بالوجوه وليس بالأسماء، وهذا من حقه، لست بصاحب نظرية «أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا»، فالواقع المرُّ الذي نكابده يجعل من التذكّر مهمة شاقة خاصة لمن يلتقي وجوهاً كثيرة من الناس، وشكراً له أن وصفني بـــ» الرجل»، ويقيناً أن مفردة «رجل» لم يذكرها الله في كتابه إلا في موضع الفخر والإعتزاز والإشادة (رجال لاتلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر الله)النور:37،و(على الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم)الأعراف:46، ولاأدري لماذا قفز بالبال بيت عمنا الجواهري وهو يخاطب هاشم الوتري في قصيدته الكبيرة:

فلقد سَكَتُّ مخاطِباً إذ لم أجِدْ

    مَن يستحقُ صدى الشكاةِ مُخاطَباً

ومثلما قال الجواهري للدكتور هاشم الوتري، أقول للدكتور قاسم نفس القول، لاسيما أن المُخاطِب شاعر، والمُخاطَب طبيباً، وفي هذا دليل أن الطبيب يستحق أن يشكو إليه الشاعر لأنه عالِم، والدكتور قاسم قيمة معرفية في هذا الواقع العراقي، يمتلك من الثقافة والجرأة والمعرفة مايستحق أن نجيبه، وأشهد أنني سمعت هذه العبارة (أين أنت) آلاف المرات، فلم أعرها انتباهاً، وهذه ليست نرجسية التعالي والتكبر، وجميع من يعرفني يعرف أنني متواضع «ومن تواضع لله رفعه» كما في قول أمير البيان أبي تراب ع، ولا أخفي عن استاذنا الدكتور قاسم( شريطة أن لايقايس ما أقول بالأمراض النفسية وهو الخبير بها)، أنني بين وبين نفسي رقصت كما رقص الجواهري حين دعوه إلى تكريم د هاشم الوتري، لكنني قلت لنفسي: سؤال من شخصية محترمة يستحق جواباً يكون أهلاً له.

ذاكرتنا طينية يا دكتور قاسم، ونحن أبناء هذا المجتمع، ومجتمعنا مجتمع خاص وله شهادة امتياز في التنمّر، لاسيما وأن المتحدث لم يترك حجراً على حجر لمدة 12 سنة، قلت فيها ما لم يقله أي عراقي في حينها، كنت الوحيد الذي أمشي وسط الشارع والجميع كلهم يمشون مصطفين قرب الجدران، لم أخرج يوماً إلا وأنا متيقن أني لن أعود لأهلي سالماً، وكلما دخلت البيت أتذكر البيت الأخير في قصيدة المومس العمياء لبدر شاكر السيّاب حين تقول لنفسها: ذاك ليلٌ مر فانتظري سواه...إذن سأنتظر اليوم التالي، وهكذا إلى أن تعوّدت على القضية وتركتها بيد الحافظ عز وجلّ مادمنا «إنا لله» ملكاً «وإنا إليه راجعون» هلكاً، 12 سنة وأنا أدافع عن سواي ، أعطيت إجازة لشخصية الشاعر في داخلي، وهي أهم شخصية من آلاف الشخصيات في جلدي، قلت وأعلنتها في التلفاز: أن صوت الرصاص أعظم من صوت الشعر، ولو أن المتنبي والجواهري أقاما أمسية شعرية في ساحة التحرير لتم خطفهما من قبل أي عصابة متخصصة في الصك والعلس ولتم مقايضة الحكومة العراقية بدفع فدية مليونية كبيرة من أجل حفظ ماء وجه الحكومة حتى لايتهمنا سكنة موزمبيق والصومال وجيبوتي بأن الأمن في العراق «داير على حل شعره»، وكانت تلك خسارتي الكبرى( لكن الآن أجني بربح رأس المال الشعري!)، علمت عام 2018 بأن برنامجي ( كلام وجيه) مشاهدوه في الحلقة الواحدة يبلغ مليوناً حسب تقرير أميركي منشور في صحيفة أميركية، لكن صدقني أنني كنت أتكلم مع نفسي، كنت أعدَّه واجباً كفائياً أن تقول ما في نفس الآخرين، كل همّي أن أدافع عمن لاصوت له، كنت آخر اسم دخل في انتخابات عام 2018 لكوني كنت رافضاً لهذه الفكرة من الأساس، لكن «أخاك مجبرٌ لا بطل»، الناس اعطوني أصواتهم، فدخلت وملء نفسي ثقة أني سأغيّر من الواقع شيئاً، لكنني أيقنت أنني دخلت إلى «مستشفى مجانين من نوع خاص»، لكل مريض حصانته وحمايته ووووو...والكارثة أن الذين كنت أدافع عنهم أصبحت أنا العدو الأول لديهم؟! الذين يصعدونك إلى البرلمان هم أول الذين يشتمونك قربةً لله!..فلماذا أصعدتموني أصلاً؟!، يجب على الشعب بصفته شعباً أن يؤمن ويعمل وفق إيمانه أن كل أعضاء البرلمان فاسدون...حتى الذين لم تتلطخ أيديهم بالملفات الفاسدة...ويجب على عضو البرلمان أن يصدّق بكل أكاذيب السياسة والناس...لكنني أعرف أنني صاحب دين وأكره الحرام...لكن مع هذا عليك أن تتقبل كل شيء باعتبارك ديمقراطيا للّوحة...فقدت أغلب أصدقائي لأنهم أرادوا مني أن اصبح صديقاً سارقاً ليسرقوا باسمي فرفضت.....وفوق هذا ثارات بدر وأحد لما تزل في نفوس الكثير من مرضى الأمس...لهذا تجد الجاهل والمثقف يشتمك ويتنمر عليك وهو لوقايسته لم يستقم بقلامة ظفرك.....هذه مسرحية تزرع الخيبات يادكتور قاسم، وأعجب منك أن لا تقرأ صحيفة الزمان التي ننشر فيها، كان لإحدى قصائدي أن توقفك لتتعب نفسك قليلاً...إذا كنتم أنتم كتّاب صحيفة الزمان لا تقرأوا لغيركم فالأولى أن لايقرأها سواكم...إقرأ هذا المقطع من شعري:

ضاقت عليَّ بلادي في تغربها

        كما أحاط بخصـر الثوب زُنّارُ

وأمطرتني عقوقا وهي والدةٌ 

       صنع الغريب كأني فيه « سنمارُ»

ولذتُ بالصمت حراً ليس يعرفه

   سواهُ، والناس فيمن حوله ساروا

إنَّ الذين وقفت العمر تنطقهم 

    ثاروا عليك، وهم للآن ثوارُ

جعلت صدرك درئاً في مواجهةٍ

     وأنت وحدك دون الناس أنفارُ

وكنت فيهم كفاءً أنْ تقول بهم  

    سيان عندك إسرارٌ وإجهارُ

وحين أشرق صبح النطق لم يجدوا 

  سواك متَّهماً، والكلُّ ابرارُ

أنْ قلت ها أنذا ذنبٌ تُقادُ بهم  

    وما لذنبك لو ذكّرتَ، غفّارُ

وإنَّ فيك ضميراً ناطقاً أبداً      

    ماكان يخرسه بيعٌ وإيجارُ

أغليت صوتك حتى قيل: مفتقرٌ

   والناس فيما غلت في الصوت تجّارُ

أدري بأنَّ ضميرَ القول قارعةٌ 

     كنافخ الصُور في موتاه يختارُ

ولا البكاءاتُ في عينيك مترعةً  

  لكنما وجعَ الأقدار.... أقدارُ

كانت فتوحات حرف الجر قائمةً 

  وأنت رغم جراحاتي لصبّارُ

توزعتني جهاتٌ تستبيح دمي

    ترى بأن دمي الزيتونُ والغارُ

*****

يكفيني أنني في البرلمان عدّلت قانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014، وأنا شخصيا اصررت على فقرة تجعل اقل راتب للمتقاعد العراقي هو 500 الف، وذلك يعني انتقال(281 مليار دينار عراقي) من الموازنة العامة إلى صندوق التقاعد الوطنية سنويا[ مع انني في التعديل لم اقترح الستين ليكون عمر أحالة الموظف إلى التقاعد لكن الحكومة اجبر مجلس النواب على التصويت على هذه الفقرة خوفاً من متظاهري تشرين من أجل ترضيتهم واعطائهم نسبة من درجات الحذف والاستحداث الوظيفية]، دخلت الى البرلمان وجيه عباس وخرجت وجيه عباس.

الآن بعد أن دخلت الستين من عمري، أنظر إلى كتبي كما أنظر إلى أولادي، كتبت أطول كتاب في المقالات الساخرة ( 3400صفحة ولدي 600 صفحة لم انشرها بعد)، وأصدرت بثلاث طبعات ( ديوان الرباعيات وهي أطول رباعيات في تأريخ الشعر العربي وتبلغ 8000 بيتاً)، ولدي الآن نظرية عروضية مستندة الى القران الكريم وفيه استخرجت عددا مهولاً من البحور الشعرية التي لم يكتب وفقها شاعر ما بيتاً واحدا،أصبح لدي ما لايقل عن 28 كتاباً.

وأكتب الآن بثلاثة كتب، ولدي كتابان مؤجلان، أنا طلّقت الإعلام والسياسة بالثلاثة ولم تعد تهمني لأنني في الأصل شاعر، أنا الآن ملك نفسي، ومكتفٍ بها، أوثث روحي بعلاقتي مع الخالق ومن ارتضاه، وللنفس حق عليَّ، فدعني وعزلتي المجيدة هذه...وشكرا على سؤالك....مازلت على قيد هذه العزلة التي وجدتها حيث أنا.

 

 


مشاهدات 242
الكاتب وجيه عباس
أضيف 2024/06/15 - 3:31 AM
آخر تحديث 2024/06/30 - 4:05 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 279 الشهر 11403 الكلي 9361940
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير