الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حول  تكوين الفكر العربي

بواسطة azzaman

حول  تكوين الفكر العربي

محمد الكرخي

في أيامنا الراهنة، أصبح استقطاب المثقفين العلمانيين بيناً في سياسة دول البترودولار العربية، مع انفراجة سياسية نحو هؤلاء المثقفين، تابعة لحركة الاستقطاب هذه، من قبل الدول العربية المرتبطة سياسياً وأمنياً واقتصادياً بدول البترودولار.

وأصبح الرأي الذي مفاده: «إن إصلاح الشعوب وإحداث التغييرات النوعية في حراكها الاجتماعي، لا يتم دون أوامر من أعلى السلطات». أصبح هذا الرأي كثيراً ما يُكرر في وسائل الإعلام والاتصال المسموعة والمرئية والمكتوبة.

إن نسبة كبيرة من المثقفين العرب صاروا يتأملون خيراً في مثل هذه التحركات السياسية غير الاجتماعية-الاقتصادية-الثقافية بالمرة، استناداً إلى الرأي الذي يرى أصحابه أن الإصلاح الاجتماعي لا يتحقق دون أوامر عليا. كما أنهم يعتقدون أن هذا الدعم للمثقفين العلمانيين العرب، نابع من صحوة عقلية لأصحاب السلطة في البلدان العربية. أي أن أصحاب السلطة أدركوا أن «المؤسسات الدينية الإسلامية» بمختلف مدارسها وأشكالها ومسمياتها، لم تعد مؤهلة لتثقيف الجماهير.

لقد غاب عن المثقفين العرب، أن هذا الحراك المدعوم بشكل مباشر من السلطات العليا في البلدان العربية، سببه الأول ضعف بعض الأنظمة العربية سياسياً وعسكرياً، وضعف بعضها الآخر سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، قبال قوة الدول المتقدمة التي لها مصالح في المنطقة الجغرافية العربية. كما أن الضغط الشديد من قبل هذه الدول على الأنظمة السياسية العربية من أجل تطبيق العمل ب»حقوق الإنسان»، هو سبب ثانٍ.

وفيما يخص «ارتباط التقدم الاجتماعي بأوامر مباشرة من السلطة «، فهو مبدأ قد يكون ناجح وفعال في الدول ذات النفوس القليلة والموارد الكبيرة في عصرنا، وقد يكون ناجح أيضاً في ظروف دول وممالك القرون الوسطى، إلا أنه مبدأ غير مضمون -ولعله مبدأ فاشل في وقتنا الراهن- في مجتمعات نخر التفكير الأسطوري-الخرافي عقول أفرادها، وتعاني من تضخم سكاني وموارد قليلة، ومجتمعات أخرى بموارد وفيرة لكنها منهوبة «تحاصصاً» فضلاً عن تأخرها في التفكير والعلم والاقتصاد.

أما «النسق الفكري» الذي تعتمده جماعة المثقفين هؤلاء، فهو نسق «كلامي-تأويلي» أكثر مما هو نسق «عقلي-فلسفي»، وهذا مما سيجعل هذا الفكر لا يساوي شيئاً قبال الفكر المؤسسي الإسلامي، لأن الفكر الأخير أقوى حُجة وأشد بياناً. مهما كان «الفكر الإسلامي» ركيكاً، إلا أنه قادر على التأثير في عموم أفراد المجتمع، لأنه أولاً: يستند إلى النص الديني مباشرة، ولأنه ثانياً: صادر عن سلطات دينية ممتدة لقرون، ولأنه ثالثاً: متوافق مع كافة الاختلافات الاجتماعية، ولأنه رابعاً: قادر على تزويق أباطيل الملوك وتبرير فعالهم.

إن «التنوير» لا يمكن أن يُنجز في مجتمعات ريعية في اقتصادها، وعشائرية في اجتماعها، وأنظمتها السياسية تستمد شرعيتها بالقوة العسكرية أو بالقوة الطائفية أو بدعم خارجي. إن واحد من أهم أسئلة التنوير: ما شرعية النظام الحاكم؟

وهذا السؤال لوحده، كفيل بإفشال أي مشروع تنويري عربي، تتبناه أنظمة سياسية تخشى السؤال عن شرعيتها.

 


مشاهدات 181
الكاتب محمد الكرخي
أضيف 2024/06/15 - 3:29 AM
آخر تحديث 2024/06/30 - 7:15 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 351 الشهر 11475 الكلي 9362012
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير