فاتح عبدالسلام
وردتني تعليقات بشأن مقال امس بشأن الخدمة الإلزامية، واتفقت بعض الآراء حول المحاذير الواجب وجودها لكي تتحقق الغاية المرجوة من إعادة خدمة العلم. في البدء أقول انني على بينة من حقيقة انّ انتشار الفساد بهذا الحجم المهول في العراق سينسحب بقوة الى ميدان الخدمة العسكرية الإلزامية، ذلك انه ميدان كان في أساسه منذ أيام النظام السابق يعج بالفساد من خلال استغلال الجنود المكلفين لاسيما الميسورين منهم ماليا من قبل ضباط جشعين من اجل منحهم اجازات قصيرة وطويلة، في أيام تعيسة من الحرب العراقية الإيرانية التي اكلت في نهايتها الضابط الفاسد والجندي الضحية.
غير انَّ إعادة خدمة العلم يجب ان ترتبط باسم راية العراق التي لابدّ ان تظل الأنظار ترنو معلّقة بها مهما تغيّرت الأنظمة السياسية. وهنا لابد ان يبقى الجيش بعيدا عن المستنقعات السياسية، لكي لا يجري استغلال الشباب الملتحقين بالخدمة وتسخيرهم في نشاطات لصالح جهات وأحزاب وفصائل، فالجيش العراقي سبق ان عانى من تجربة “المكتب العسكري” التي كانت المعول الأول تحت “الشعار المتناقض” لهدم الجيش ، اذ من جهة، كان العمل السياسي محرما وتصل عقوبة المتورطين به الى الإعدام، ومن جهة أخرى كان الجيش يسير تحت شعار انه جيش عقائدي ويقود مفاصله “رفاق” المكتب العسكري، وكنت اسمع من عميد وعقيد كيف انّ قيادياً في المكتب العسكري برتبة نقيب يدخل عليهم من دون أداء التحية العسكرية بحسب الانضباط المهني المعروف كون القرار المصيري للوحدة العسكرية وآمريها كان بيد ذلك القيادي . هذه تجربة مظلمة يجب ان تخضع للنقد البنّاء كي لا تتكرر مطلقاً في الجيش العراقي .
اليوم، الواقع اكثر قتامة، اذ هناك أحزاب ومليشيات وفصائل ورجال دين وجهات متنفذة، قد يؤدي هؤلاء جميعا أدواراً تُفرغ خدمة العلم من معانيها “المقدسة” لاسيما انَّ اصطلاح “المقدس” استهلكَ واحتكِرَ في اطلاقه على تشكيلات عسكرية غير نظامية من قبل.
كل الأخطاء والانحرافات السارية في المشهد السياسي من الممكن ان تتسلل الى نطاق إعادة الخدمة الإلزامية لكن يجب ان تكون هناك خطة عسكرية مهنية انضباطية عالية لمواجهة جزء من ذلك ولا أقول اصلاح كل شيء.
على كل حال، المشروع لايزال في طي النسيان…المتعمد.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية