أزمة العقل الجمعي

عبد المنعم الاعسم

بعضنا يدافع عن فكرة يعرف انها باطلة وليست موثقة ولا يقبلها العقل، دفاعا حماسيا كما لو ان تلك الفكرة صحيحة، فيورد معطيات ووثائق ومجتزءات تدعم رأيه القائم على البطلان، والمفارقة تكمن في ان مثقفين، او محسوبين على الثقافة، يتبنّون الخطأ، والصحيح  في وقت واحد، ولا يتورعون عن خوض جدالات بائسة في ورطة اقل ما يقال فيها انها امتهان للعقل والمعارف ومناهج التحليل المدرسية حتى،  ويقول صديق اخصائي في السايكولوجيا الاجتماعية كان يناقش هذه الظاهرة انه اخضع نموذجا من هؤلاء الى جلسات جدال على ضوء العلم الباطني ليتوصل الى حالة «غيبوبة عقلية» تمر بها الشرائح المتعلمة (عادة) في بلدان (مثل بلادنا) تُصنف على انها مناطق نزاع، حيث يعاني العقل من التباسات من بينها الارتياب بالحقائق والدفاع عن نقائضها برغم شواهد صحتها، ووضع هذا الصديق  المشكلة كلها امام السؤال التفصيلي الاتي: ماذا يعني بالنسبة لشعب ان يفقد اصحاب العقول من ابنائه عقولهم؟.

حواس تكذب

«ولعمري (هكذا يقول الجاحظ) إنّ العيون لتخطئ، وإنّ الحواس لتكذب، وما الحكم القاطع إلا للذهن، وما الاستبانة الصحيحة إلا للعقل» ويزيد «وإنما سُمّي العقل عقلاً وحجراً لأنه يزمّ اللسان عن أن يمضي فرطاً في سبيل الجهل والخطأ والمضرة» وفي سجالاته مع الاخرين يصل الجاحظ الى الخلاصة الثمينة التي يتــــــــداولها الحكماء بالقول «أنّ قيام السلطة لتنظيم المجتمع البشري أمر ضروري، وأنّ العقل مصدر هذه الضرورة» ومنذ فجر المعرفة قيل ان «ما لا يقبله العقل مشكوك في صحته».

 فيما تفيد احدى الـــــــعقلانيات المعاصرة ان الامم المهزومة التي تعاني من اضطراب تاريخي تلوذ من مخاوفهــــــــــا في اللاعقل، بل وتسعى الى انتاج أوهام وقائية تسهل لها تحمّل الهوان، وقد يبرز من بينها منتجون محترفون للاوهام والخرافة، او يجري تلفيق اساطير تساعد في الغيبوبة العقلية الجمعية.

ويستبعد الجاحظ ان يعي الحقيقة من استـــسلم للاباطيل بقوله: « فمن أصيب بعمى الألوان فرأى الأحمر أسود فلا لوم عليه في ذلك إذ ليس في استطاعته إلا أن يفتح عينيه أو يقفلها أما أن يرى هذا اسود أو أحمر فلا دخل له فيه».

اقول: لا لوم على ادعياء العلم من المتعالمين.. اللوم على المتعلمين.