الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الدولة الفرانكشتانية

بواسطة azzaman

مصادر القوة والسلطة في العراق .. القوة السياسية (6)

الدولة الفرانكشتانية

منقذ داغر

 

في المقالين السابقين أستعرضت أهم المدونات الدستورية والممارسات العملية التي أضعفت القوة السياسية للدولة حتى باتت الدولة الرسمية دولة ضعيفة وغريقة،والدولة الفعلية دولةٌ قوية وعميقة.  ففضلاً عن أهتمامهم بتعزيز قوة تنظيماتهم الطائفية على حساب الدولة،فقد تجاهل(بناة) الدولة العراقية الجديدة بعد 2003 أهم عنصر من عناصر الدولة وهو هويتها فعجزوا عن تحديده و أو توضيحه،أما جهلاً أو تقصداً. ولكي تتضح الأمور أكثر للقارىء أطرح سؤال مفتاحي: ما هي هوية الدولة العراقية؟ هنا لا أقصد طبيعتها التنظيمية كي لا يجاب عن السؤال بأنها وكما حددها الدستور في مادته الأولى(دولة أتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة) رغم أعتراضي على الصياغة غير الموفقة لهذه العبارة الدستورية،بخاصة كلمتَي (أتحادية واحدة) و (مستقلة ذات سيادة كاملة)!! أنها كمن يعّرّف نفسه بالقول أني أنسان عاقل!! فلو لم تكن أنسان عاقل ما استطعت الأجابة أصلاً. ولو كنت فقط أنسان عاقل فما الذي يميزك ويفرقك عن الآخرين؟!!

قوة عسكرية

أقصد بهوية الدولة هنا دور الدولة وعلاقتها بشركاء القوة power stakeholders الآخرين مثل الأقتصاد والقوة العسكرية والآيدلوجيا أو الدين. لقد باتت الدولة الحديثة مزيج من ثلاث أدوار رئيسة تحدد هويتها الداخلية(مع شعبها) وهويتها الخارجية. فهناك دول تحتكر أو تهيمن على كل مصادر القوة الأخرى وهي غالباً الدول الشمولية و أو المؤدلجة كالدول الأشتراكية. فالدولة وفق هذا الأنموذج لاعب،بل اللاعب الرئيس في الحياة السياسية والأقتصادية والأجتماعية وكل شيء،وهو ما كان العراق عليه قبل 2003. على الطرف الآخر من طريقة التعامل مع القوى المجتمعية الأخرى برز الأنموذج الأمريكي الذي يعتمد ليبرالية السوق ومشتقاتها،كاللييبرالية الجديدة New Liberalism  والتي تؤكد على أقل تدخل ممكن للدولة في الحياة الأجتماعية والأقتصادية وأقتصارها على لعب دور المنظِّم regualater  لجوانب الحياة المختلفة،وليس دوراللاعب.  وما بين هذين الدورين المتطرفًين برز دور ثالث بخاصة في أوربا التي أتبّعت ما يسمى بالديموقراطية الأجتماعية social democracy . وهو دور يقترب من الليبرالي حيث تلعب الدولة دورَي المنظِّم(وليس اللاعب) فيما يخص الأقتصاد،واللاعب(وليس فقط المنظّم) فيما يخص الشؤون المجتمعية حيث تضمن الصحة والتعليم والضمان الأجتماعي وغيرها من الشؤون الأجتماعية والخدمات التي تهم كل أفراد المجتمع.

وعلى الرغم من أن دستور العراق بصياغاته المختلفة مال أكثر نحو الأنموذج الثالث (الديموقراطية الأجتماعية)،أو هكذا يُفهم منه،الا أن التطبيقات العملية منذ 2003 لحد الآن تترك المختصين في حيرة أزاء هذه الهوية (الفرانكشتانية) للدولة العراقية. ففي الأقتصاد مثلاً، لا زالت الدولة هي اللاعب الأساس رغم أنها رسمياً لم تعد دولة أشتراكية. أن الحكومة العراقية هي صاحب العمل employer  The الأكبر في الأقتصاد الوطني وبشكل مشابه لما موجود في النظم الأشتراكية. فهناك اليوم ما يقترب من 5 ملايين عامل وموظف في القطاع العام يشكلون حوالي 40بالمئة من مجموع القوى العاملة في العراق. وأذا أخذنا بنظر الأعتبار عدد المتقاعدين ومن يتقاضون رواتب الضمان الأجتماعي فهناك ما يناهز 9.5 مليون عراقي (22بالمئة من الشعب العراقي) يتقاضون ما مجموعه 67 مليار دولار سنوياً( تستهلك حوالي 70بالمئة من أيرادات الموازنة). وأن نسبة مساهمة الحكومة في الناتج المحلي الأجمالي بلغت 65بالمئة وهي نسبة تؤكد أن الدولة العراقية هي اللاعب الأساس في الأقتصاد الوطني. والخطبر في الأمر أنه بمقارنة الأرقام منذ 2003 لليوم يظهر بوضوح أن الحكومات العراقية المتعاقبة،ورغم أدراكها لخطورة هذا الأتجاه التوسعي لدور الدولة في الحياة الأقتصادية،الا أنها تستمر(ولأسباب سياسية أنتخابية أساساً) في التوسع حتى باتت نسبة موظف عام مواطن في العراق هي من بين الأعلى عالمياً حتى مقارنةً بنظم شمولية عالمية.

أما على الصعيد الأجتماعي فلا زالت الدولة العراقية هي الموفّر الأساس للخدمة الصحية والتعليمية،رغم تدني معايير تلك الخدمات.

وحتى في مجال الضمان الأجتماعي فعلى الرغم من التوسع مؤخراً في شمول الفقراء بمظلة بالرعاية الأجتماعية،وهي راتب شهري لا يصل لمستوى خط الفقر بحسب معايير صندوق النقد الدولي، ليشمل  5.6بالمئة من مجموع سكان العراق الا أن نسبة الفقر في العراق تتراوح بين 20-40بالمئة بحسب تقديرات الدراسات المختلفة. هذا يعني أن هناك ما لا يقل عن 15-35بالمئة(حوالي 6.5 -15 مليون عراقي) هم تحت خط الفقر وخارج نطاق تغطية الرعاية الأجتماعية في العراق. وأذا أخذنا بنظر الأعتبار مدى ونوع شمول الخدمات الأجتماعية الأخرى التي تقدمها الدولة في العراق(الأمن،القضاء،الكهرباء،الماء،المجاري،البيئة...الخ) فسنخرج بأستنتاج واضح أن الدولة في العراق قد عجزت عن لعب دور حقيقي وفاعل في الحياة الأجتماعية بالعراق.

أن تضخم حجم البيروقراطية المدنية والعسكرية في العراق لم ينعكس أيجاباً عليها كمصدر رئيس للقوة الأجتماعية. ومن جديد تثبت لنا الممارسات السياسية في العراق قاعدة أن الدولة الكبيرة ليست بالضرورة هي الدولة الجيدة،ولا هي بالضرورة الدولة القوية. فعلى الرغم من كبر حجم الدولة العراقية وما تستهلكه من ثروة العراقيين الا أن فاعليتها وكفاءتها منخفضَيت لأقصى الحدود.

حجم الهوية

أن قوة الدولة لا تعتمد على حجمها،بل على هويتها ودورها كلاعب أساس في الحياة الأجتماعية.

الخلاصة التي يمكن أستنتاجها من هذه المقالات الستة عن القوة السياسية في العراق هي أنه،وعلى الرغم من تباين قوة الدولة في العراق (بين تشتت diffusion  وتركّز بل وتسلط أحياناً) منذ تأسيسه في 1921 الى اليوم،الا أن الماسكين بالسلطة في العراق قد أضعفوا الدولة العراقية الجديدة(بعد 2003) بشدة وشتتوا قوتها بين تنظيمات طائفية وممارسات محاصصية حرمتها من أن تكون اللاعب الأساس للقوة مما أضعفها في مواجهة القوى الثلاث الأخرى(الآيدلوجيا،والأقتصاد والسلاح).


مشاهدات 455
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2024/05/25 - 12:27 AM
آخر تحديث 2024/06/29 - 1:23 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 297 الشهر 11421 الكلي 9361958
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير