الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مرحلتنا الفاصلة والحاجة إلى الدعم الأممي

بواسطة azzaman

مرحلتنا الفاصلة والحاجة إلى الدعم الأممي

سردار عبد اللـه

 

في إحاطتها الوداعية، توقفت السيدة جنين بلاسخارت عند مشكلة عدم تمكن مجلس النواب من انتخاب رئيس له. لكن ما حدث بعد يؤكد بأن الوضع يتجاوز كونه مجرد مشكلة ليصل الى مرحلة معضلة، ليس لأنها تبين الانقسام السني وحسب، بل لأنها معضلة تُظهر وبصورة جلية عمق المعضلة المعقدة المتشابكة التي يمر بها العراق. واضح ان عدم اتفاق السنة على مرشح واحد هو مصدر المشكلة الآنية، لكن عدم تمكن المجلس من انتخاب الرئيس ليس في حقيقة الأمر بسبب انقسام البيت السني، هو بسبب الانقسام الحاصل داخل البيت الشيعي نفسه، وإلّا لكان بالإمكان تجاوز الأمر وانتخاب أحد المرشحين مثلما حصل عند انقسام البيت الكردي وذلك حين لم تتفق القوى الكردية على مرشح واحد. وطبعا تكتمل الصورة القاتمة بانقسام البيت الكردي في التصويت على مرشح لرئاسة البرلمان.

المتوقع هو ان تنعكس الخلافات السنية على الشارع، لا سيما لجوء القوى السنية الى مرجعياتها العشائرية، ولا أحد يمكن ان يتنبأ بتداعياته وعواقبه. في المجمل المواطن العراقي، وحلفاء وأصدقاء العراق فرحون بالاستقرار النسبي والوضع المالي بسبب ارتفاع أسعار النفط، ورؤية ازدياد وتيرة المشاريع التي أعادت للناس نسبة جيدة من الثقة بالعملية السياسية وبهذه الحكومة تحديدا، لكن المؤسف جدا، هو ان هذه الصورة المتفائلة تخفي خلف ستارها الوردي أسباب وعناصر انقسامات وتخندقات خطيرة تحوّل العراق الى برميل بارود، ينتظر أي شرارة لكي ينفجر.

الواضح ان هذه الحكومة تشكلت نتيجة انسحاب الكتلة الصدرية الفائزة أصلا بالانتخابات الأخيرة، وان الاستقرار النسبي الذي صبغ العملية السياسية هو نتاج ابتعاد الصدر وتياره عن الساحة السياسية، ومجرد عودتهم المتوقعة تزلزل المعادلات الحالية. لكن غياب الصدريين انتج خلافات بين القوى الشيعية التي كان حضور الصدر يوحدها، وبرز ذلك جليا في غير مناسبة آخرها جلسة انتخاب رئيس البرلمان الأخيرة.

عمليات تهجير

بالإضافة الى كل ذلك ينتظر العراق استحقاقات يمكن اعتبارها تأسيسية مثل التعداد العام للسكان، وكما نعلم فإن آخر تعداد سكاني شمل العراق كله كان عام 1977، إذ ان تعداد عام 1987 لم يشمل قرى كردستان التي كانت محررة وتًدار من قبل الثورة الكردية حينها. فقد أعلن علي حسن المجيد تلك المناطق محرمة وسكانها معادين. وقد مر العراق منذ 1977 بعدة حروب وانتفاضات، وعمليات تهجير عديدة، ولجوء الملايين من أبنائه الى دول اللجوء.

كل ذلك يجعل التعداد السكاني المقبل بمثابة عملية تأسيسية مفصلية ومهمة جدا، فإن لم يجرِ بالطريقة الصحيحة، قد يؤدي الى تشويه تركيبة ووضع المجتمع العراقي لسنين وعقود مقبلة. وقد يشكل الشرارة التي تفجر برميل البارود لا سمح الله.لم يمر العراق منذ سقوط نظام صدام بمثل هذا الاستقرار الظاهر، لكن الصورة المتوارية كشبح يهدد كل تقدم حاصل، تبين العكس تماما، حيث ان العراق لم يمر منذ سقوط صدام بمثل هذه اللحظة من حالات انقسام وأسباب ودوافع قد تًسرِع بالانفجار. فالبيت الشيعي لم يكُ أبدا على هذه الدرجة من الانقسام، ولم تكن قواه مسلحة ومتربصة ببعضها مثل ما هي اليوم. البيت السني يمر بأسوأ أوضاعه، والصراع على السلطة داخله موعود بالمزيد من التشرذم، لا بل وحتى انتقال ذلك الصراع الى الشارع واللجوء الى وسائل اخرى غير قانونية وغير مدنية. أما حال البيت الكردي، فهو يعيش أسوأ لحظاته منذ ربع قرن. فالانقسام تحول نتيجة تراكم سياسات كارثية وتشرذم الواقع السياسي بسبب النزيف الخطير في عدد كيانات التمثيل السياسي، والأدهى من كل ذلك تدهور تركيبة ومستوى هذا التمثيل الى صعود فئات وسياسيين لا يحظون بالحد الأدنى من مقومات التمثيل السياسي، وتكمن المشكلة في أنهم يمارسون أدوارا خطيرة سواء على صعيد تضليل الناس، أو الدفع بالصراعات السياسية الى حافة الهاوية. ويزيد الطين بلة علاقات السلطة الاتحادية مع إقليم كردستان التي لم تمر بمثل هذه الدرجة من التوتر من قبل. وبمناسبة الحديث عن هذا الجانب من الوضع، علينا ان لا نغفل الازمة التي يمر بها إقليم كردستان بسبب تعطل انتخاباته، هذه الازمة التي تجاوزت كل حدودها التي وصلتها من قبل، لتؤدي في النهاية الى انقسام حتي بين جناحي هرم السلطة القضائية في العراق. وهو ما ينذر بعواقب كارثية لا يمكن تداركها ان استمر الوضع على ما هو عليه.

في ظل كل هذه المخاطر المحدقة بالبلد وبمستقبل أبنائه شهدنا رسالة السيد رئيس الوزراء التي يطالب فيها بإنهاء ولاية بعثة الأمم المتحدة في العراق في نهاية أكتوبر 2025، والأدهي انه يطالب بتقليص صلاحياتها حتى اثناء فترة بقاءها. كان بالرغم من كل مآخذنا وانتقاداتنا، كان لليونامي الدور الكبير في مساعدة العراقيين في تخطي الكثير من الخلافات والعمل على خلق تفاهمات بين القوى السياسية المتصارعة والحيلولة دون وصولها الى ما لا يحمد عقباه. وكان لهذه البعثة التي تأسست وفقا لقرار مجلس الأمن الدور الأساس في إخراج العراق من حالة الاحتلال. كما ان دورها كان حاسما في المراحل التأسيسية للنظام الجديد، سواء في المرحلة الانتقالية، وفرض الانتخابات وكتابة الدستور بأيادي عراقية منتخبة، أو في رعاية العملية أثناء إدارة خلافات الأطراف، والإشراف المسؤول والرقابة الأممية على الانتخابات التي جرت في العراق.

من كل ذلك نستنتج بأن العراق أحوج الآن مما سبق الى الدور الاممي المسؤول، وإن بقاء هذه البعثة تشكل صماما أمميا يمكنه ان يساعد العراقيين في تخطي انقساماتهم الحالية الخطرة. كنت انتظر من السيد السوداني وحكومته ان يطالبوا بالتجديد لولاية البعثة الأممية بكامل صلاحياتها، وخصوصا وأنه يستعد للانتخابات المقبلة وأن الانقسام الخطير المقبل قد يكون بسبب منحه ولاية ثانية من عدمها. المفارقة العراقية الوحيدة في العالم يجب ان تدفعنا الى المزيد من التريث والحذر. ففي بقية العالم تخوض القوى السياسية الانتخابات لكي تفوز وتشكل الحكومة، إلّا في العراق، فالفائز لا يشكل الحكومة. 2010 فاز علاوي وشكل المالكي الحكومة، وفي 2014 فاز المالكي بينما الحكومة شكلها العبادي، ولم تحِد الحكومات التالية عن هذا المعيار النادر الغارق في المفارقة.

من هنا أدعو السيد رئيس مجلس الوزراء وحكومته، كما أدعو السيد رئيس الجمهورية باعتبارهما جناحي السلطة التنفيذية حسب الدستور، بالطلب من مجلس الامن الدولي، للتصويت بتجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة في العراق بكامل صلاحياتها.

  روائي ونائب ومرشح رئاسي سابق

 


مشاهدات 306
الكاتب سردار عبد اللـه
أضيف 2024/05/20 - 5:13 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 5:09 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 296 الشهر 11420 الكلي 9361957
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير