الحوار الذي لم يُشب بالمَلَق

حسين الصدر

 

-1-

ما مِنْ حاكمٍ تُثنى له الوسادة الا وله أصدقاء وزملاء عاشوا معه وعرفوه ووقفوا على الكثير من حالاته وأوضاعه .

غير أنَّ بعضهم حين يصل الى السلطة لايسمح لواحد من أولئك الزملاء أنْ يصل اليه، في منحى تنكري لئيم .

ويسمح البعض الاخر لبعض زملائه وأصدقائه القُدامى بالوصول اليه .

وغالباً ما تكون الحوارات بين المسموح لهم بلقاء الحاكم وبينه مَشُوبة بالمجاملات طمعا بما يجود به عليهم .

-2-

ولكن الصدق والصراحة والشجاعة لن تخون بعض أولئك الداخلين على الحاكم لما ينعمون به من ايمان ونقاء وترفع عن اعطيائه ...

ومن هؤلاء (عبد الرحمن بن زياد) وكان ممن طلب العلم مع المنصور قبل الخلافة

وممن دخل عليه يوماً الى منزله فقدم له طعاماً ومُرَيْقَةً من حبوب ليس فيها لحم

ثم قدم له زبيباً

ثم قال :

يا جارية عندك حلواء ؟

قالت :

لا

قال :

ولا التمر ؟

قالت :

ولا التمر

فاستلقى ثم تلا هذه الاية :

« عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون»

الأعراف / 129

فلما ولي الخلافة دخل عليه فقال له :

يا عبد الرحمن :

بلغني أنّك كنت تَفِدُ لبني أميّة قال :

قلت :

أجل كنت أَفِدُ لهم وأفد اليهم

قال :

فكيف رأيت سلطاني مِنْ سلطانهم ؟

قلت :

والله ما رأيتُ مِنْ سلطانهم من الجور والظلم الاّ رأيتُه في سلطانك .

أتذكر يوم أدخلتني منزلك فقدمت اليّ طعاما ومريقة من حبوب لم يكن فيها لحم ، ثم قدمت زبيبا ثم قلت يا جارية عندك حلواء قالت : لا، قلت : ولا التمر ، قالت ولا التمر فاستلقيت ثم تلوت هذه الاية :

(عسى ربكم أنْ يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون)

فقد والله أهلك الله عدوك ،

واستخلفك في الأرض ،

فانظر ماذا تعمل ؟

قال يا عبد الرحمن :

إنا لا نجد الاعوان

قلت : السلطان سوق نافق لو نفق عليك الصالحون لجلبوا اليك

قال :

فكأني ألقمتُه حجراً فلم يرد عليّ شيئا .

أخطأ عبد الرحمن حين قال له :

استخلفك الله في الأرض ، حيث أنّ المنصور ورث الملك عن أخيه السفاح بعد ان نازلوا بني امية وقضوا عليهم،

وكذب المنصور حين برّر ظلمه بقوله :

{ انا لا نجد الأعوان }

ولقد كان اعوانه على الظلم كثيرين وقد ساروا على منهجه الغاشم في ظلم العباد .

-3 –

والمهم أن كثيراً من المواخذات والشعارات التي ترفع لتحريك الجماهير ضد نظام معين بغية اسقاطه تبرزُ جليةَ المعالم في ظل الحكم الذي يقيمه الثائرون انفسهم ..!!

وهكذا هي الاعيب السياسة والدوافع الشخصية للتسلط على الرقاب مُبرقعة بشعارات الدفاع عن المظلومين والدعــــوة الى إزاحة كوابيس الجور عنهم ..!!

وهكذا يلعن اللاحق السابق ثم يلعنه اللاحق الاّ مَنْ خرج بالدليل .