الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المجمعات السكنية (الإستثمارية).. نسق رأسمالي لتعزيز التمايز الطبقي

بواسطة azzaman

المجمعات السكنية (الإستثمارية).. نسق رأسمالي لتعزيز التمايز الطبقي

نور كريم الطائي

 

تعد فكرة بناء مجمعات سكنية من اجل حل ازمة السكن في البلدان النامية من الأفكار والمعالجات الموضوعية خاصة ان كانت هذه المجمعات تساعد الطبقات الدنيا المسحوقة بإيجاد سكن لائق بها واعني سكن يليق بالجنس البشري بصورة عامة ، من هنا جاءت فكرة بناء مجمعات سكنية ذات سكن جماعي يكون ارخص من المنازل الفارهة ذات المساحات الواسعة والبناء الافقي.. ولكن للأسف ان هذه الفكرة وفي ظل سياسات الاستثمار التي تتجه لمنح هذه المجمعات لشركات مقاولات (خاصة) ذات فكر رأسمالي واضح في التعاطي مع الأشياء فهي تنظر لهذه القضايا على انها ربح مادي صرف ولا يتمثل بالأبعاد الإنسانية (لإنشاء المجمعات) لذا تباع تلك المجمعات (كشقق او فلل ، او منازل ) بأسعار عالية جداً لا يمكن معها اي موظف عادي فضلاً عن ما دون ذلك شراء غرفة واحدة وليس شقة بهذه المجمعات.

 فيأتي السؤال اذن لماذا تبنى المجمعات هل من اجل ان تحل مشكلة وأزمة السكن لدى الطبقات المسحوقة؟ ام لغايات أخرى و الأرجح انها لغايات أخرى وما نراه ان هذه المجمعات تشهد اقبالا من أصحاب رؤوس الأموال والمكسب الاقتصادي المستقر ( رجال اعمال، ساسة ، أطباء، مدراء شركات ....الخ) أي الطبقات المتمكنة مادياً وهنا نستطيع ان نقول ان مثل هذه المجمعات لم تعالج ازمة بالمرة بل خلقت ازمة طبقية جديدة قائمة على التمايز بين الذين يعيشون ببرج عاجي (اسمه المجمع السكني) وينعزلون عن الطبقات الأخرى ( من أصحاب الدخل المحدود) فينشأ جيل طبقي من اولاد المجمعات السكنية الذين يحافظون على مستوى اعلى من الرفاهية ويدخلون مستشفيات خاصة ومدارس دولية او خاصة متطورة.

شظف العيش

 وانا هنا لست بالضد مع هذا ولكن كيف سيستشعر الالام الاخرين والآم وطنه الام الذي يعاني شظف العيش بصوره موجعة ، وكيف سيستشعر ابن المجمعات السكنية حجم مأساة منازل العشوائيات والمناطق الشعبية البسيطة وهم يراجعون هذا (المترف) لمستشفى يعمل فيه او (دائرة ) يعمل فيها ، كيف سيدرك حجم معاناتهم ، كل هذا التمايز الطبقي الاجتماعي سيحصل وسيخلق بون واسع بين الطبقات محدودة الدخل والطبقات التي تسكن المجمعات الفارهة والتي توفر كل الخدمات ولكن بمقابل مادي اكيد ، لا نتكلم بالدقة على ان بعض من استطاع ان يشتري في تلك المجمعات هم من أصحاب الدخول المشكوك فيها او لا نستطيع ان نزكي مشاريع القطاع الخاص في العراق على انها ذات بعد اقتصادي وحسب فكلنا يعلم ان عملية غسيل الأموال في العراق دخلت كل صور حياتنا اليومية ومنها بالتأكيد جانب البنى التحتية .

 ففي العراق ثمة فنون متنوعة وابداعية في عمليات غسيل الأموال وبصور مختلفة، هذا الجانب بالتأكيد يحتاج الى رقابة والى هيئات مختصة تأخذ على عاتقها التأكد من سلامة مواقف جميع المشاريع والتزاماتها المادية مع الجهات الرسمية في العراق والتأكد من عملية الحصول على المشاريع بطرق رسمية وقوانين نافذة وليس بطرق ملتوية او بالمحسوبيات ، فانا أؤكد استغرابي الشديد من تفرج الجهات الرسمية في العراق على أصحاب المجمعات الاستثمارية التي تغالي جدا بالأسعار والدولة تكتفي بالتفرج والصمت إزاء ذلك!! او ان لهذا السكوت ثمن اخر (الكومشنات) التي يتم توزيعها على كل من يهمه الامر من اجل انشاء هذا المجمع السكني تعادل المليارات وبالمقابل من اين يستحصل المستثمر ما تم دفعه؟!! من الطبقات ذات الدخل العالي التي سيتم انتقاءها للسكن في هكذا أماكن فارهة. اذن نحن لسنا بصدد شيء جديد فالفساد في الحكومة طال كل مرافق الدولة حتى الزواج دخل ضمن عمليات غسيل الأموال لم تسلم مؤسسة مدنية او قانونية او حتى دينية من الفساد وهذه الارضة المميتة ستجعل العراق والمجتمع في صدام دائم مع التطور الفكري أولا والمعيشي فلا حياة مع الفساد وهذا نهج المنتفعون ان يظل البلد تحت خط الفقر و العوز و الحاجة لينشغل بلقمة عيشيه عن فسادهم و عبثهم بمقدرات البلد.

 و فكرة حل ازمة السكن للطبقات المحدودة مجرد حبر على ورق و شعارات ، و الدولة تتفرج وتصمت لأنها اخذت كامل حقوقها المادية من المستثمر و بهذا تسهم هي الأخرى بتعزيز فكرة الطبقية وتعزيز الرفاهية لأصحاب رؤوس الأموال وخصخصة كل أوجه الحياة وبالتالي اللجوء الى الفكر الرأسمالي المادي الذي تنسحق فيه كل الطبقات الفقيرة محدودة الدخل وبخاصة (العمالية) والتي ليست من اولويات هذه المجمعات بالتأكيد.

انشاء مجمعات

فعلى الدولة ان تعيد النظر بفكرة انشاء المجمعات وتترك الفساد بهذا الجانب على الأقل عليها ان تضع اشتراطات وضوابط واسعا مخفضة وارباح معقولة واقساط قليلة وطويلة الاجل ليتمكن المواطن (الذي يعاني فعليا من ازمة سكن) من إيجاد حلول لأزمته بدلاً من تملك تلك الفلل والشقق لأصحاب رؤوس الأموال والتجار والساسة الذين يهيمنون على كل تلك المجمعات وسط تفرج الجميع واولهم الجهة المعنية بهذا الامر هيئة الاستثمار فضلاً عن الجهات الرقابية والحكومتين المحلية والمركزية. نتمنى إعادة النظر في هذا الامر والتفكير قليلاً بأصحاب الدخل المحدود الذين فيهم الالاف بل الملايين لا يستطيعون حتى الزواج وتكوين اسرة بسبب عدم إمكانية الحصول على سكن لائق بهم وبعوائلهم مستقبلاً.


مشاهدات 159
الكاتب نور كريم الطائي
أضيف 2024/05/10 - 9:36 PM
آخر تحديث 2024/06/29 - 12:33 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 83 الشهر 83 الكلي 9362155
الوقت الآن
الإثنين 2024/7/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير