دراما رمضان ما بين القبول والتساؤل.. كم فني يفرّز النوع من غيره
عواطف نعيم
ينتظر المتلقون برغبة صادقة خلال المواسم الرمضانية مشاهدة أعمال درامية تمنحهم التشويق والحرص على المتابعة والتواصل وأيضا تسهم في جعل أيامهم أكثر أمنا ومتعة من خلال ما يقدم لهم عبر الشاشة الصغيرة والتي باتت جزءا مهما من حياتهم ووسيلة مهمة من وسائل المعرفة والاطلاع والتواصل مع العالم الذي ما عاد بعيدا عنهم أو مجهولا لديهم، والمتلقون بقدر حرصهم على متابعة المسلسلات العربية بقدر لهفتهم على متابعة المسلسلات العراقية التي تحمل مشكلاتهم وتعبر عن همومهم وترسم لهم تصورات دافئة لمستقبل مستقر لا خوف فيه لذا حين يقدم عمل عراقي يحمل بين طياته ما يجعل لياليهم مليئة بالدفء والامان ، كانت لبعض الاعمال العراقية التي قدمت خلال شهر رمضان الماضي للسنة الحالية تلقيا مميزا وتفاعلا ملفت طغى وبان من خلال الكتابات والتصريحات ما بين متابعة مستلطفة ومعجبة وما بين متابعة مستهجنة وناقدة وما بين متابعة لا تعرف كيف تقيم ولا تعرف ماذا تريد! والكل يعلم أن رضاء الناس غاية لا تدرك وأن الاختلاف لا يفسد للود قضية ما دام قائم على المعرفة والحكمة في التعبير والفرز والتحليل، من بين تلك الاعمال والتي كانت كثيرة على مستوى الانتاج الدرامي لهذا الموسم الرمضاني تميزت بعض الاعمال لعدد من الفضائيات وفي مقدمتها قناة الشرقية وعملها الدرامي (روح) للمخرج حسن حسني والكاتب محمد خماس ومسلسل عائلة أكس للكاتب والمخرج علي فاضل وهي من أنتاج الشرقية أيضا وجاءت لنا قناة الام بي سي عراق بعملين دراميين هما (خان الذهب) و(عسل مسموم) والمسلسل الاول هو جزء ثاني لما قدم خلال موسم درامي سابق للعام 2023 وهو يقع في ثلاثين حلقة كتبها محمد حنش واخرج الجزء الثاني المخرج اللبناني جوليان معلوف بعد أن كان المخرج اللبناني بهاء خاجيك هو من أخرج الجزء الاول ، أما عسل مسموم فهو كتابة ندى عماد وأخراج السوري فادي سليم ، ولنا الان وقفة لتقييم هذه الاعمال الدرامية وهي قراءة متأنية لمضامين تلك الاعمال والية الاشتغال وأيضا المستوى الادائي لمن شارك فيها من الممثلين والممثلات.
(روح) ولهذا المسلسل الذي كتبه محمد خماس وأخرجه ومثل الدور الرئيسي فيه المخرج الكبير حسن حسني فيحسب له أنه أول عمل عراقي يتصدى لمناقشة قضية المصابين بمتلازمة داون والذين ينظر اليهم البعض بوصفهم قاصري الفهم ناقصي الشعور ويتم التعامل معهم في أحيان كثيرة بسخرية وتنمر، هذا المسلسل توقف عند عائلة ترعى طفلة من الاطفال المصابين بهذه المتلازمة جرت الاحداث في بيئة عراقية شعبية فيها من التعاطف والصحبة الطيبة ما يجعل من الاغلبية فيها أشبه بعائلة تتداعى لبعضها حين يصيب أحد أفرادها المصاب وهذا ما جعلهم يلتفون حول الجد وهويتلقى ذاهلا خبر أغتصاب حفيدته ، الكل يبحث ويتوعد ذاك الذي هتك براءة طفلة لا حول لها ولا قوة ومعهم وبينهم يدور حماة القانون والمسؤولون عن حفظ العرض والارض ، لنكتشف بعد مرور الاحداث وتداخلات الصراع ان من كان قد أمنوه على عرضهم هو من أنتهك براءة طفلتهم ولكن الجميل أن الشرطة ترفض هذا الدخيل على قيمها وعلى قدسية مهنتها وتدينه وتدعو الى أيقاع القصاص العادل به لأنه خان الامانة وخان الضمير وتلك التفاتة عادلة ، لقد أدى الفنان المتميز أياد الطائي دورا صعبا ومركبا فيه الكثير من التحولات النفسية والتعبيرية فكان متميزا بحق علما أن الدور الذي أداه بأقتدار وتفرد كان دورا صعبا على المستوى الاجتماعي والاخلاقي ، أما الكبيرة أحلام عرب فقد كانت بليغة ومؤثرة في دور لم تنطق فيه بأي حوار لكنها ومن خلال تعابيرها المدروسة والمقنعة حققت حضورا وتفاعلا وهي تؤدي دورها كأم تكتشف أن أبنها مغتصب وهي لها أن تأنف منه وهو الذي كان يأنف منها ، كان أختيار الفنان الكبير لفريق عمله من الممثلين والممثلات موفقا ومتميزا وهو في مقدمتهم يقود العمل بمهنية عالية وتحكم مدروس في تركيب المشاهد وصياغة الاحداث وتواتر الايقاع أما عن الاداء فقد كان الفنان حسن حسني كعهدنا به كبيرا وقريبا الى النفوس التي تابعته بشغف.
مأساة عائلية
العائلة أكس للمخرج والكاتب علي فاضل وهنا في هذا المسلسل يقدم لنا علي فاضل مأساة عائلية بطلتها المرأة بتنوع المشاكل وأختلاف الصراع فهو يدخل البيوت المغلقة على اسرارها ومكنوناتها ويزيح الاوراق التي تغطي الجراح بتؤدة الطبيب العارف الذي يكشف عمق الجرح وصعوبته وأسباب تفاقمه ، ومن بين تلك العوائل المغلفة بثوب الارستقراطية الجديدة والمتوسطة الحالمة والفقيرة المتشككة وجيل يضيع مابين الغفلة والتغاضي والاهمال ، جيل ينخر وعيه التشوش ويباس البيوت وأنعدام المشاعر قد تكون المخدرات واحدة من أساب فقدان الوعي ومن ثم فقدان الاهلية لكن غياب العلاقة الانسانية ما بين أفراد العائلة الواحدة، غياب الصراحة والسؤال والاهتمام والمكاشفة لهي أكثر فتكا بأواصر الود والعقل والتلاحم لدى ذلك البشري لأنها أحدى الفجوات التي تتيح لتلك الآفة أي المخدرات أن تكون مهربا ومؤنسا له، وقد أدار علي فاضل فربق عمله بوعي وفهم وأشتغل على تركيب المشاهد بمغايرة فيها الجدة وفيها المتعة والتحكم في ضبط الايقاع وأدارة الاحداث ولكن لايمكن أن يظل الممثل طيلة العمل في لبوس لقناع واحد محايد مع أختلاف التحولات النفسية والانسانية ولا يمكن أن تظل الممثلة طيلة مرور الاحداث وأختلافها في أداء صارخ ومتوتر ومنفعل وهي تنتقل بين المشاهد ! ومن غير المقتع ان يشعرنا الممثل أنه يمثل ولا فرق بين أدائه لدوره في العائلة أكس وأدائه لدوره في (ولاية بطيخ) أو وهو يعلن عن بضاعة ما ويروّج لسلعة ما! ولكن لابد لنا من التوقف أمام الاداء الملفت الذي تميزت به الفنانة الشابة اسراء العاني و الفنانة المتجددة الأء نجم وكانت الفنانة جمانة حاضرة بصدق الاداء وحسابات اللحظة الانفعالية لولا الثبات على تلك الوتيرة المتجهمة في أغلب الحالات ، وتبقى المرأة والتي هي أساس المجتمع وركيزة البناء فيه محورا مهما وضروريا لحفظ الكيان العائلي وأنسانيته وهذا ما أكده لنا الكاتب والمخرج الماهر علي فاضل.
□ كاتبة ومخرجة مسرحية