الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مصادر القوّة والسلطة في العراق

بواسطة azzaman

القوّة العسكرية -5-

مصادر القوّة والسلطة في العراق

منقذ داغر

 

(يقصد بالسلطة القدرة على جعل الآخرين يفعلون أشياء ما كانوا ليفعلونها بدون وجودها. والسلطة هنا لا تقتصر على السلطة القانونية بل تتعداها الى كل أشكال القوة القهرية أو التعاونية،والرسمية وغير الرسمية،والخاصة أو العامة. يختلف علماء الأجتماع في تحديد مصادر القوة الأجتماعية لكني أتبنى أنموذج مايكل مان Michael Mann  الرباعي -الآيدلوجيا،الأقتصاد،الجيش والسياسة- بعد تعريقه ليناسب الظرف الأجتماعي للعراق حالياً).

لقد أدرك الأحتلال الأمريكي بسرعة حجم الخطأ الأستراتيجي الذي وقع فيه بحله للجيش السابق وما تركه ذلك من فراغ أمني يصعب على قواته محدودة العدد أن تسده في ظل مساحة العراق الكبيرة،وتدخلات دول الجوار،وتعقد المشهد السياسي والأجتماعي فيه،وتصاعد عمليات المقاومة للأحتلال والتي كانت تشن من تنظيمات مختلفة(سنية وشيعية،وطنية وخارجية،مؤدلجة وغير مؤدلجة).

انحياز سياسي

لذا صدر قرار(بريمر) رقم 22 في آب 2003 القاضي بتشكيل ما أسماه «الجيش العراقي الجديد». وبقدر تعلق الأمر بهذا المقال فأن كلمة (الجديد) التي أكد عليها القرار في عدة مواضع فيه،لا تؤشر فقط أنه مختلف عن سابقه من حيث التنظيم والتدريب والتجهيز...الخ،بل تعني أن له دوراً جديداً يحظر عليه الأنحياز السياسي ،وهو ما تم تضمينه فيما بعد في المادة 9 من دستور العراق. وفي نفس الوقت فهي تشير الى أرادة أمريكية واضحة لفصل الجيش الحالي عن سابقه من حيث التاريخ والثقافة وكل شيء.

كما نصت المادة 3 أولاً من ذلك القرار على أن المهمة الأساسية لهذا الجيش»الجديد» هي (مساعدة قوات التحالف) على حفظ الأمن طوال مدة وجود قوات التحالف في العراق!! أما بعد مغادرة تلك القوات فسيترك للحكومة العراقية حرية القرار العسكري حينما تنتقل السلطة لها.

فالجيش العراقي «الجديد»،الذي كان يتلقى أوامره بالكامل من جيش الأحتلال في تلك المرحلة التأسيسية،كما نص على ذلك قرار تأسيسه،كان قد أأُنشىء أذاً لمساعدة قوات التحالف  أساساً،لذا كان من الطبيعي أن يتم تصميمه لكي يتناسب مع رؤية المحتل وأعوانه لدور الجيش ووظائفه وليس  ليكون أحد مصادر قوة المجتمع!

هذا لا يعني بأي حال أنه لم يصمم لخدمة العراق وشعبه،بل يعني أن مؤسسي هذا الجيش قد صمموه ليخدمهم أبتداءً،وهذا ما يعيد للأذهان ما أراده المحتل البريطاني من تأسيسه للجيش العراقي السابق في 1921.

ولعلها مفارقة تاريخية نادرة أن تتم ولادة الجيش مرتين من قبل قوات الأحتلال وليس الشعب العراقي. هذا بالطبع ليس ذنب الجيش ولا العراقيين،ولا يسيء لهما،بقدر ما يوضح الظروف السياسية التي أثرت في الجيش ودوره في الحياة السياسية والأجتماعية في العراق.

مجاميع مسلحة

وعلى الرغم من أن قانون تشكيل الجيش الجديد نص فقط على أستبعاد الرتب العالية في الجيش السابق (عقيد فما فوق) من الجيش الجديد،ودعا بقية الضباط للألتحاق فأن كثير من الضباط (السنة) أمتنعوا عن الألتحاق أما خوفاً من أتهامهم بالتعاون مع المحتل مما يهدد سلامتهم وسلامة عوائلهم من قبل المجاميع المسلحة الناشطة في مناطقهم آنذاك،أو لقناعتهم الشخصية بعدم التعاون مع المحتل والنظام الجديد سواءً نتيجة رؤيتهم الذاتية،أو تأثراً ببعض مشايخهم الدينيين (كالشيخ حارث الضاري).  ومثلما أدى أمتناع العرب (السنة) عن الأنخراط في العملية السياسية الى أضعاف موقفهم وتمثيلهم كثيراً في تلك العملية، فقد ساعد عدم أقبال الضباط العرب (السنة) والذين كانوا يشكلون النسبة الأكبر من ضباط الجيش السابق في ميل كفة التمثيل الطائفي في الجيش الجديد لصالح العرب (الشيعة) بالدرجة الأساس والكورد بالدرجة الثانية.

هذا الأختلال وهذه القناعة لدى العرب (السنة) بعدم تمثيل الجيش الجديد لهم كانت له أنعكاسات سلبية ظهرت بعض نتائجها في الفجوة التي كانت موجودة بين الجيش العراقي والعراقيين(السنة) في المرحلة اللاحقة والتي سبقت أحتلال داعش للمناطق ذات الغالبية(السنية).

لقد ساهمت بعض الممارسات الأخرى لقادة جيش الأحتلال والقيادات السياسية والعسكرية العراقية التي تعاونت معه في تكريس النزعة الطائفية داخل الجيش بحيث باتت المحاصصة لا الكفاءة هي الأساس في أختيار قادة الجيش الجديد.

هنا أشير الى الأتفاق (المحاصصي الطائفي) الذي حصل بخصوص مناصب رئيس أركان الجيش ومعاونيه الأربعة والأمين العام لوزارة الدفاع.

كما شهدت مرحلة تأسيس الجيش (الجديد) أيضاً بدايات ظهور التنظيمات المسلحة الموازية والمنافسة للجيش.

وأنقسمت تلك التنظيمات والميليشيات الى قسمين رئيسين. فمنها من كان خارج سيطرة الدولة كالميليشيات الحزبية،ومنها ما عُدّ جزءً من المنظومة العسكرية للدولة مثل قوات البيشمركه في كوردستان التي مُنحت وضعاً قانونياً تحت مسمى حرس الأقليم من خلال أمر سلطة التحالف المؤقتة (بمثابة قانون آنذاك) رقم 91 لسنة 2004 وبما يميزها عن الميليشيات التي منع هذا القانون(ومن بعده الدستور) تشكيلها خارج نطاق الدولة.

أن هذا القانون ذاته هو الذي وجه ضربة قوية لهذا الجيش (الجديد) عندما سمح بدمج عناصر ميليشيات الأحزاب السياسية التي كانت تعمل ضد النظام السابق ضمن تشكيلات القوات المسلحة العراقية (الجيش والشرطة) ومنح أفرادها رتباً وأمتيازات لا تتناسب وأمكاناتهم المهنية مما أساء كثيراً لمهنية الجيش (الجديد) وكفائته وأنضباطه. نتيجة لذلك يمكن القول أن هذه المرحلة التأسيسية شهدت بوادر تشكيل المنظومة الهجينة Hybrid  الحالية للقوة العسكرية في العراق والمكونة من جيش نظامي وجيش موازي وميليشيات عقائدية وأخرى مناطقية وثالثة دينية وطائفية

لقد بدأت ملامح تشكيل تلك المنظومة (الهجينة) بالتشكل بوضوح أكبر بعد أنسحاب الجــــــــــيش الأمريكي من العراق وأستلام القوات العراقية للمسؤولية الكامــــــــــلة عن أمن الحدود والأمن الداخلي للعراق وهو ما سيتم التــــــــــطرق له في المقالة القادمة.

 

 


مشاهدات 108
أضيف 2024/05/01 - 4:51 PM
آخر تحديث 2024/05/17 - 9:49 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 170 الشهر 6641 الكلي 9244679
الوقت الآن
الجمعة 2024/5/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير