في فهم إستغلال السلطة

محمد الكرخي

هنالك حقيقة اجتماعية تتلخص في: «إن كل مجتمع إنساني فيه جماعة أو عدة جماعات قابضة على زمام السلطة، وغالباً ما تُستغل السلطة من قبل هذه الجماعات لمنافع أعضائها».. إن استغلال هذه الجماعات للسلطة (سأطلق عليها مصطلح «الجماعات الضيقة»)، جاء بعد نشوء هذه الجماعات بفترات زمنية تختلف من مجتمع إلى آخر، تبعاً للظروف التي تشكل ويتشكل فيها المجتمع. إن سلطة الجماعات الضيقة، كانت في بداية تكون المجتمعات البشرية، مرتبطة بمصلحة ذات المجتمع الإنساني الذي وجدت فيه هذه الجماعات. ولعل وجود «الجماعات الضيقة» أحد أهم ركائز نشوء وديمومة «المجتمعات الإنسانية»، إنه لولا هذه الجماعات لما تمكن الإنسان من التحضر.   لقد كانت مصلحة «الجماعة الضيقة» تتماهى ومصالح باقي أفراد وجماعات المجتمع الإنساني الذي وجدت فيه أو به، وعندما تكون «الجماعة الضيقة» ممثلة فعلاً لهموم وتطلعات باقي أفراد وجماعات المجتمع الذي وجدت فيه، تكون السلطة بما هي «قدرة على الأمر» سلطة نابعة من إرادة المجتمع وقدرته على تحقيقها، أما عندما تنفصل أو تختلف تطلعات وهموم «الجماعة الضيقة» عن مجتمعها، فعندها تبرز مشكلة «استغلال السلطة»، وبالتالي يبدأ المجتمع بخسارة حقوقه الطبيعية السابقة في وجودها وجود «الجماعات الضيقة». كلما ازداد المجتمع تحضراً، كلما استطاع الحد من استغلال هذه الجماعات للسلطة. وعلى هذا الأساس ازدادت أشكال تقسيم وتوزيع السلطة بين تشريعية وتنفيذية وقضائية، وتم تأسيس النقابات والمستشاريات والمؤسسات المستقلة والادعاء العام.

وكلما تخلف المجتمع، فإن جماعات استغلال السلطة تزدهر وتعبر عن نفسها بمظاهر عديدة وتبرر وجودها بمختلف التبريرات. وهنا يصبح من الواجب الأخلاقي على مفكري وفلاسفة المجتمعات المتخلفة؛ كشف زيف الجماعات الضيقة المستغلة للسلطة. إنه لظروف تاريخية-اجتماعية-اقتصادية أصبحت الجماعات الدينية-العشائرية إما ماسكة مباشرة بزمام السلطة، أو هي متعاونة مع الجماعات الضيقة السياسية-العسكرية في دولنا العربية، وهذا ما يفسر تركيزنا في نقد: الموروث الديني والعادات والتقاليد الاجتماعية والأنظمة السياسية في دول العالم العربي.