لمن نقرع الأجراس؟
أهلاً بعودة الأمانة
هاشم حسن التميمي
استقبل اهالي بغداد الذين خنقتهم الازدحامات المرورية وفوضى النقل قرار احياء النقل العام وعودة شبكة باصات مصلحة نقل الركاب ذات التاريخ العريق والمعروفة بلونها الاحمر وكانت تنتشر مثل كريات الدم في شوارع بغداد واطلق عليها الناس الامانة وكانت اسما على مسمى.
ولعل اجمل ما قرات عن تاريخ النقل العام في بغداد ما كتبه الباحث الدكتور اكرم المشهداني . ووجدنا من المناسب نقل بعض المعلومات المهمة التي قد لايعرفها البعص.
بعود تاريخ النقل العام للركاب في بغداد كما يقول المشهداني الى عام 1889 حيث قرر الوالي العثماني مدحت باشا تأسيس شركة مساهمة تقوم بانشاء سكة ترامواي بين بغداد والكاظمية ، وسميت حينها بـ ((الكاري)) وبقيت هي واسطة النقل العام اضافة للدواب وحتى دخول السيارات الى بغداد عام 1908...
ولعل من الطريف الذكر هنا بان الملا عبود الكرخي كان يدير مكتب الشركة في الكرخ فكان يجلس فيه بعقاله ذي اللفات الاربع ليبيع التذاكر او يحجز المقاعد.
وفي الثلاثينات، فكّرَت الدولة العراقية الجديدة باستحداث نقل عام في العاصمة، فقامت عام 1938 بتاسيس مصلحة نقل الركاب وربطتها بامانة بغداد واستوردت لها باصات، ولذلك ظلت تسمية (الامانة) على الباصات الحكومية في بغداد لسبب بدء ارتباطها بالامانة، ثم حين تحولت الى مصلحة لنقل الركاب صار الناس يطلقون عليها باصات المصلحة او ركبنا بالمصلحة بعد ان كانوا يقولون ركبنا بالامانة!! ثم تحولت التسمية لمنشاة. وهي وتحت كل العناوين كانت فعلا تثير مشاعر الامان عند الاهالي. وتقدم لهم خدمة جليلة مثل بقية دول العالم المتمدنة .
في تشرين الاول 1940 تقرر عقد اتفاقية مع احدى الشركات الانكليزية لشراء مائة باص، لكن نتيجة لظروف الحرب العالمية الثانية، الغيت الاتفاقية في عام 1942. وبذلك جمدت اعمال المصلحة وتاخر تنفيذ المشروع.
وبعد تجميدها تأسست شعبة تتولى مهمة نقل الركاب في العاصمة وقد اشترت الشعبة هذه بعض مخلفات الجيش البريطاني في العراق من اللوريات وركبت لها ابدان خشبية واستعملتها لنقل الركاب.
قامت امانة العاصمة في عام 1942 بتسيير 21 باصا خشبيا .
واستمرت بشراء سيارات وشاحنات الجيش البريطاني حتى العام 1946 حيث تم توقيع اول عقد لشراء باصات من نوع «كومر» وفي
اواخر العام 1951 وصلت صفقة مكونة من (100) باص ذات طابق واحد واخذت تعمل في شوارع بغداد. وفي 18 /2/1953 فتحت اول دورة للتدريب على السياقة، وفي العام نفسه وصلت صفقة ايضا مكونة من 100 باص اخر ذي طابق واحد.. وفي العام ..
تعاقدت مصلحة نقل الركاب مع شركة الايسي البريطانية على شراء باصات ذات طابقين، وصلت الوجبة الاولى مائة باص في 1956 ، وفتحت المصلحة مدرسة لتعليم السياقة تخرج منها في السنة نفسها 25 سائقاً. وظلت بغداد تستعمل الباصات من الطابقين وذات الطابق الواحد من النوع البريطاني اي سي.
«. ثم استلمت المصلحة 100 باص اخر حتى العام 1962 اذ وصل 80 باصا بطابقين. وتطورت خدمات مصلحة نقل الركاب وانشطتها فقد تالف فريق كروي في المصلحة لعب في الدوري الممتاز اوائل الستينات وكان ينافس على الصدارة مع آليات الشرطة والقوة الجوية والفرقة الثالثة وغيرها، كما كان للمصلحة ناديا من ارقى النوادي في بغداد يقع بمنطقة باب المعظم، تقدم فيه كافة الخدمات ويتناول فيه منتسبو الامانة وجباتهم باسعار زهيدة جدا، كما ضم نادي المصلحة انشطة عمو زكي صديق الاطفال الذي كان مقره ومركز تدريبه للاطفال في نادي عمو زكي للاطفال الذي مقره نادي المصلحة باب المعظم.
. وفي شهر شباط 1969 صدر نظام مصلحة نقل الركاب في بغداد.
وبعد تحسن وضع الاقتصاد العراقي وارتفاع اسعار البترول بعد حرب اكتوبر 1973، وبدء الميزانية الانفجارية للعراق اواسط السبعينات، عادت مصلحة نقل الركاب (التي تحول اسمها الى المنشاة العامة لنقل الركاب) عادت للتعاقد مع الشرطة البريطانية (برتش لايلند) عام 1976 على تزويد المصلحة بمائتي باص ليلاند ذي الطابقين.
كما تم استيراد باصات (مان) من ألمانيا، وبقيت في الخدمة الى نهاية الثمانينات , حيث دخلت أنواع أخرى منها الالبا الأردنية والتاتا الهندية، ومن ثم الفاو الصينية ولم تكن ناجحة ولأسباب فنية كثيرة , وقد تم سرقت العديد من باصات الفاو ذو الطابقين بعد الأحتلال وهربت لدول الجوار.
وذكر المشهداني تفاصيل اخرى بدقة التوثيق تستحق التقدير ونامل ان تتحول لمتحف يؤرخ لتاريخ النقل في العراق وفلم وثائقي باخراج جميل وجذاب.
واخيرا نبارك للحكومة هذا الانجاز الحضاري ونامل متابعته والحفاظ عليه من فئات ستعارضه بشدة لتضرر مصالحهم الشخصية ونقترح تاهيل محطات الوقوف ووضع اشارات تعريفية على كل باص والالتزام بمواعيد الانطلاق والحركة والنظافة ونظام قطع التذاكر ووضع خطة ذكية للترويج ستقود لتنشيط الايرادات الضخمة للوزارة وتسهم في تعميق شعور الراحة والامان عند الركاب الذين يعانون الامرين من تصرفات بعض مراهقي التكسيات والكيات والكوسترات والتكاتك..!
لقد كان نظام النقل في بغداد تؤما لنظام النقل في لندن وتدهور مع تدهور الوضع السياسي والاقتصادي ووصل ذروة الانهيار في ظل نظان المحاصصة الذي استكمل خراب سياسة الحروب والامل معقود على نخبة قليلة من الشرفاء يحاولون الانقاذ والتطوير الذي يبدأ بشبكة نقل حديثة تغطي البلاد كلها .