كلام أبيض
أهلاً بالحجي
جليل وادي
رزقني الله تعالى عمرة بيته، ولم يرزقني الحج بعد، لكني اكتسبت هذا اللقب من الناس، فما أن أسلم على أحد، الا ورد علي : ( أهلا بالحجي )، فلقب الحجي لم يعد يُطلق على الذين حجوا بيت الله فحسب، بل على الذين شاب شعر رؤوسهم ولحاهم، أي الذين بدوا من شكلهم الخارجي دخولهم في الشيخوخة، ويأتي لقب الحجي هنا من باب التوقير والاحترام، مع ان ذلك غير جائز عند أهل الدين، والشيخوخة في بلادنا تغزو أهلها في الستين من أعمارهم، ففي هذا العمر يخيم عليهم الوهن والتعب حتى وكأنهم في التسعين من العمر قياسا بأمثالهم من الأوربيين الذين يرفلون بالنشاط والحيوية لدرجة لا تفرق فيها أحيانا بين الآباء والأبناء.
كثير من رجالنا يتحايلون على شيخوختهم بصبغ ما أبيض من شعرهم، طبعا لطيف أن يعتني الانسان بشكله، لكن هذه الطريقة في الهرب من الشيخوخة تحتاج جهدا مملا، اذ عليهم مواصلة الصبغ بين يوم وآخر، او مرتين في الأسبوع على أبعد حد، وقد يتأخر بعضهم في حلق حليته، فيظهر شاربه أسودا واللحية بيضاء، او شعر الرأس أسودا وأطرافه بيضاء، وهو النشاز بعينه، ومع ذلك لم يجنبهم هذا الجهد لقب الحجي.
ولا تختلف النساء في هذا الأمر عن الرجال ان لم يكن أكثر، ومع ذلك، فعند النظر للناس في الأماكن العامة تجد النساء أكثر أناقة من الرجال باستثناء كبيرات السن، لكننا بالعموم أهملنا المظهر الخارجي مع انه جزء مهم من الذوق العام، أذكر في عقود الستينيات والسبعينيات يندر أن تجد شخصا يمشي في الأسواق بملابس البيت، بل حتى عندما يستقبلك في بيته يكون بكامل قيافته الرسمية او المقبولة اجتماعيا، بينما تجد شبابنا اليوم يتجولون بملابس يتعارض بعضها مع الآداب العامة، ومن باب الحريات لا تجد أحدا من الأجهزة المعنية من ينبه او يحاسب الشباب على سوء ملبسهم، ونخشى من اثارة هذا الموضوع، فباب الآداب العامة واسع وعريض، وفيه من يتعسف ويقمع الحريات الاجتماعية بذريعته.
ابتسمت لضابط المرور في السيطرة ابتسامة عريضة عندما رد على سلامي بقوله : أهلا بالحجي، فسألني ما الذي يضحكك ؟، فقلت له : أتناديني بالحجي والقيادة العامة الى جانبي وأقصد زوجتي ؟، فاعتذر ضاحكا وسمح لي بالمرور، فحمدت الله تعالى بعدم طلب سنوية سيارتي غير المجددة، وعندما التفت الى زوجتي وجدتها تكتم ضحكة قوية بادية بوضوح على وجهها، ليس لإفلاتنا من المرور، بل نكاية بالحجي الذي هو أنا .
أهلا بالحجي أسمعها مرارا في اليوم الواحد، لذا قررت الكتابة عنها، وهذا لا يعني انزعاجي من لقب ( الحجي )، فلا يمكن بحال اخفاء العمر، كما ان العمر لا يعني شيئا عندما تفقد الأشياء بريقها في عينيك، وليس أحلى من بريق الشباب، ما يزعجني في كلمة ( الحجي ) ان تداولها بين الناس لم يحفظ لها قدسيتها، فغالبية المقاولين وأصحاب المنافذ وتصريف العملة ألصقوا بأسمائهم لقب ( حجي )، مع ان بعضهم يسبح بالحرام من قمة رأسه حتى أخمص قدميه، وكذلك الذين لا يرغبون بالمناداة عليهم بالأسماء فقط، فابتدأوا أسمائهم بالحجي، ودخل على الخط السياسيون الذين يتسابقون على أداء هذه الفرضية كل عام، فما أن يحل موسم الحج حتى تفرغ البلاد منهم، فصار الجميع حجاجا، ويمكن لك أن تُطلق ودون تردد على الطبقة السياسية (بطبقة الحجاج). وكم تمنيت سماع مضمون دعائهم وهم يقفون قبالة بيت الله، وهل هم مقتنعون بأن ما اقترفوه من ذنوب يمكن لها أن تُغتفر ؟، بينما الناس صباح مساء وربما في كل صلاة يدعون عليهم بعدم التوفيق لتخريبهم بلادنا وسرقة أموالنا، وليس عندي من قول سوى دعوة الحجاج الى مخافة الله.
jwhj1963@yahoo.com